عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
ثقافة المزايدة.. ووعى المصريين..!!
14 يونيو 2020
ســناء صليحــة


«ألا أونا ..ألا دو.. ألا ترى..» وبالوصول لأعلى رقم لا يمكن لباقى رواد المزاد المزايدة عليه، وطبقا للتقليد المتبع فى عالم المزادات والتجارة وقانون المنافسة، يتوقف المزاد.. لكن المشكلة أن قانون عالم المزادات بات جزءا من ثقافتنا وممارساتنا اليومية، والأخطر أننا لاندرى متى ولا أين ولا كيف سيتوقف!!..



فبتزايد أعداد حالات الإصابة بفيروس «كورونا» فى مصر اكتظت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى بسطور وفيديوهات تتهكم وتنتقد الشعب المصرى وتتهمه بعدم الوعى وتحمله مسئولية تفاقم الجائحة، ليصبح الأمر أشبه بمزاد، الفائز فيه الأقدر على السخرية وتوجيه الاتهام للمصريين!!.



وإذا كان إلقاء تبعة تزايد معدلات الإصابة على درجة وعى الشعب يمثل آلية سواء على مستوى المؤسسات أو الأفراد للدفاع عن النفس وتأكيد قيامنا بكامل مسئوليتنا، إلا أنه مع الأسف يغفل جوانب أخرى مهمة، تجاهلها يعرقل حل المشكلة وربما يؤدى لتفاقمها .. فالذين زايدوا وسارعوا بانتقاد وعى الشعب المصرى الذى التزم معظمه بقواعد الحظر فى العيد وأثناء رمضان، تجاهلوا صور التجمعات ومشاهد التكالب على شراء المستلزمات المنزلية فى بلاد العم سام والدول الأوروبية للدرجة التى جعلت بعض المتاجر تخصص ساعات بعينها لكبار السن لشراء احتياجاتهم، وغضوا الطرف عن حقيقة أن التجمعات التى شهدتها المحروسة كانت بالدرجة الأولى لكسب لقمة العيش لا للتسرية عن النفس. والأمر لا يمكن اختزاله فى مقارنة سلوكيات أو إثبات أفضلية وتفوق، بقدر ما يتطلب مراجعة أدبيات تاريخ الأوبئة وتداعياتها نفسيا وسلوكيا على البشر، ولعلنا إذا ما فعلنا نرفع القبعة لعموم الشعب المصرى و لمن اضطر للخروج سعيا وراء لقمة العيش.. فطبقا للدراسات النفسية ومراجعة تاريخ الأوبئة التى عانت منها البشرية على مر العصور يتضح أن المجتمعات تشهد فى ظل تفشى الأوبئة وفرض حظر التجمعات واللقاءات البشرية موجات من الخوف الجماعى تتسبب فى موجة من التناقضات القيمية والسلوكية فى محاولة بائسة لمواجهة الوباء!!. وإذا كان من المعروف أن غالبية البشر يستطيعون السيطرة على ردود الأفعال اللاعقلانية عند مواجهة مشاكل الحياة اليومية، فالأمر يختلف فى الأزمات والأوبئة، فتأخذ اللاعقلانية بزمام الأمور، ويدفع الخوف والقلق الفرد نحو سلوكيات متناقضة غير منطقية، فتتعدد محاولات تفسير أسباب هذه المعاناة الجماعية التى ترتبط بسرعة انتشار الوباء، وعدم القدرة على توقع متى ولا كيف ينتهى، الأمر الذى يدفع البعض للجوء للشعوذة والوقوع فى هوة التفكير الخرافى أو التشكيك فى الأمر كله أو الاكتئاب!!... كذلك رصد الباحثون تسيد نمط حياة أشبه بالحياة البدائية التى تحركها المشاعر والاحتياجات البدائية، التى قد تسيطر على البعض تمامًا فتدفعهم لممارسات عنيفة وغير مألوفة كالتنمر على المصابين أو محاولة حصارهم بالقوة أو منع دفن الموتى، فى محاولات يائسة لتفادى الإصابة بعد أن تملكهم الهلع من المرض والخوف من المجهول وما سيحمله الغد. ولقد كشفت دراسة أجرتها «المؤسسة الوطنية للعلوم الطبيعية» فى الصين، على أكثر من 7236 صينيًّا فى ذروة انتشار المرض خلال فبراير 2020، ارتفاع نسب إصابة العاملين فى مجال الرعاية الصحية بأعراض القلق والاكتئاب وارتفاع نسب القلق والاكتئاب بين الشباب دون سن الـ(35) عامًا، موضحة أن طول مدة العزل المنزلى، وقلة التعرض لضوء الشمس قد يؤديان للإصابة بوسواس المرض. وأوصت الدراسة بإنشاء منصة رسمية لتقديم الاستشارات النفسية للمواطنين وتدريب مجموعة من المتطوعين للمساعدة فى تخفيف الضغط النفسى بسبب فقدان أعزاء أو الاضطرار للتعايش مع حقيقة وجود الكورونا فى حياتنا لفترة قصرت أم طالت.. وأخيرا.. أظن أن ما سبق لا يسدل الستار فقط على المزايدات على وعى المصريين بل أيضا يدفعنا جميعا أن ننحنى احتراما لشعب مصر وأن نسعى لتخفيف العبء عنه..