عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
فى الأزمة توجد الفرصة.. التعليم نموذجا
17 مايو 2020
د. على الدين هلال


تشير اللغة الصينية الى كلمة ازمة برمزين هما الخطر والفرصة، ومعنى هذا ان أى ازمة بقدر ما تحمل من اخطار فإنها تحمل معها فرصا ممكنة. والمشكلة هنا انه بينما تكون الاخطار واضحة للعيان، فان الفرص تبقى كامنة ومستترة. ومن هنا فان دور الخبراء والباحثين و رجال السياسة فى أوقات الازمات هو اكتشاف الفرص المتاحة والممكنة ليس فقط للخروج من الازمة ولكن أيضا لتشكيل الاوضاع بعدها. وأود ان أركز فى هذا المقال على مجال واحد وهو التعليم باعتباره الحلقة الحاكمة فى نهضة المجتمعات وقوة الدول، وبدونه يكون كل تقدم هو مجرد استيراد وشراء لمنجزات العلم والتكنولوجيا من دول أخري، ولا يستند الى عناصر قوة المجتمع.



ليس سرا ان مخرجات النظام التعليمى ما قبل الجامعى والجامعى فى مصر متواضعة، وان ترتيب مصر على مختلف المؤشرات العالمية المرتبطة بالتعليم لا تدعو الى البهجة. ناهيك عن ان أكثر من ربع عدد المصريين اميون ولا يعرفون القراءة والكتابة من الأصل. ومع الازدياد المضطرد فى عدد السكان، واستمرار الضغوط على النظام التعليمى ما قبل الجامعي، فان الأوضاع التى سادت لسنوات طويلة ما كان يمكن لها ان تستمر، وبدأ تنفيذ سياسات جريئة تستهدف الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات فى التدريس و تدريب المعلمين و تم واستخدام «التابلت» كوسيلة تعليمية، ارتبط بها تغييرات ضرورية فى مضمون المناهج وطريقة تدريسها وأسلوب التقويم من اختبارات وأسئلة وامتحانات واستفادت هذه السياسة من التقدم الذى تحقق فى البنية التحتية للمعلومات. وكأى عمل انسانى لم يكن هذا التحول ورديا بل حدثت مشكلات، وكانت هناك انتقادات واعتراضات، ولكن المهم ان ازمة وباء الكورونا اثبتت صحة هذا التحول وانه كان طوق النجاة لمئات الآلاف من الطلاب الذين سوف يؤدون امتحاناتهم الكترونيا.



على المستوى الجامعي، كانت الصورة أوضح فقام أساتذة الجامعات فى كثير من الكليات بتسجيل محاضراتهم بالفيديو لكى تبثها مواقع الكليات للطلبة، وذلك منذ توقف انتظام المحاضرات. وفى عدد محدود من الكليات ، كانت المادة العلمية تبث فى نفس توقيت المحاضرة وبمشاركة الأستاذ والطلاب بحيث يمكن للطلاب توجيه أسئلة والاستماع الى اجابتها. كانت التجربة جديدة على الجميع الطلاب والأساتذة وعمداء الكليات ورؤساء الجامعات، ولم تكن أيضا بدون مشكلات ولكنها كانت الحل الوحيد لاستكمال العام الجامعي. و لم يكن هذا الحل مقصورا على الجامعات المصرية بل تبنته جميع دول العالم التى تحولت الى نظام التعليم ON LINE. هذا هو الواقع فى ظروف الازمة، اما الفرصة فهى البناء على ما تحقق وإعادة النظر فى طرائق تفكيرنا والتوسع فى مجال التعليم الالكترونى او ما يسمى «التعليم من بعد»، وجوهره وهو نقل برنامج تعليمى من حرم الجامعة او المعهد العلمى إلى أماكن متفرقة فى العالم بحيث يكون الأستاذ فى مكان والدارسون فى أماكن مختلفة، ووفرت تقنيات التواصل والذكاء الاصطناعى فرص الحوار بين الأستاذ والدارسين شفاهة وكتابة، وهو ما يسمى المحاضرات التفاعلية، وان يتم أداء الامتحان والتقويم الكترونيا.



لقد بدأت الجامعات الأوروبية والأمريكية فى توفير نظام التعليم من بعد من منتصف سبعينيات القرن الماضي، وتطور النظام مع تعاظم دور الانترنت ووسائل التواصل الالكترونى ادخل عدد متزايد من الجامعات الشهيرة ذات السمعة العالمية هذا النظام فى برامحها التعليمية . وتطورت تقنيات التدريس والاختبارات والامتحانات بشكل مذهل.و على سبيل المثال فان هناك تطبيقا الكترونيا لفحص بحوث الطلاب باللغة الإنجليزية يكشف عن أى عبارات او فقرات نقلها الطالب من كتب او مجلات منشورة و نسبها لنفسة دون اشارة الى مصدرها . و يستخدم المجلس الاعلى للجامعات فى مصر هذا التطبيق على البحوث التى يتقدم بها اعضاء هيئة التدريس للترقية. وهناك تطبيقات تقوم بتصحيح الامتحانات فى المواد التى تدرس فى بعض الكليات كالتجارة وتحدد الاخطاء التى وقع فيها الطالب وتسجل الدرجة التى يستحقها،وهى مطبقة فى بعض جامعاتنا الآن. ومن الخطأ الاعتقاد بان هذا النوع من التعليم هو ادنى مرتبة،او ان نسبة تحصيل الطلاب فيه اقل مقارنة بالنظام التقليدى الذى يعتمد على الحضور. وبالطبع فان التعليم من بعد يفقد الطالب مزايا التواصل المواجهى المباشر مع زملائه واساتذته ولا يوفر له فرصة التعارف وإقامة صداقات وعلاقات اجتماعية، ولذلك فان اغلب الجامعات والمعاهد التى تأخذ بهذا النظام تشترط حضور الطالب شخصيا نسبة 30%من المحاضرات . وفى مصر، صدر قرار جمهورى عام 2008 لانشاء «الجامعة المصرية للتعليم الالكتروني» وهى جامعة اهلية يدرس فيها قرابة 3000 طالب مابين مرحلة التعليم الجامعى والدراسات العليا فى عدد اربعة برامج علمية او كليات هى الحاسبات وتكنولوجيا المعلومات، وادراة الاعمال والدراسات التجارية، والدراسات التربوية، ومركز التعليم المستمر. وهناك الجامعة العربية المفتوحة والتى لها فروع فى ثمانى دول عربية منها مصر والتى تعمل بنظام التعليم الاكترونى وهناك خبرات بعض الجامعات كالقاهرة و بنى سويف.



اعتقد انه آن الأوان ان ننظر بشكل جديد الى الافاق التى يقدمها التعليم الالكترونى وذلك لتحقيق هدفين، رفع مستوى أداء التعليم الجامعي، والتوسع فيه لرفع نسبة المتعلمين تعليما جامعيا لكى يقترب من المعدلات الدولية واعتقد انه قد اتضح لكل مراقب اننا لا نملك من الموارد المادية والبشرية لتحقيق هذين الهدفين بالأسلوب التقليدى فى بناء الجامعات وادارتها.ونحن لا نبدأ من فراغ وهناك تجارب قائمة بالفعل علينا ان نبنى عليها، نتحاشى مسالبها ونعظم ايجاييتها.



لقد ركزت على التعليم كنموذج ولكن هناك فرصا كثيرة فى مجالات اخرى تنتظر من يسلط عليها الضوء.