عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
«‎بورصة» العلاج تشعل الاقتصاد العالمي
9 مايو 2020
‎ ‎شريف سمير


فلتهدأ أصوات التحذير والحديث المتدفق عن الوقاية .. ولتعلُ نبرة العلاج والبحث عن دواء. فمنذ تفشى جائحة كورونا والسباق بين الشركات العالمية - وبتعليمات من الدول والقيادات السياسية - يتصاعد نحو الذروة ليس فقط لإحراز نصر علمى وتاريخى غير مسبوق، وإنما للفوز بنصيب الأسد من أرباح «مصل النجاة» التى تقفز إلى مليارات الدولارات وتغير كثيرا من خريطة العالم الاقتصادية.



‎وانطلقت المنافسة بين كبرى شركات الأدوية والمعامل المتخصصة فى دول العالم لإنتاج لقاح لفيروس كورونا. وسرعان ما تحولت من صراع مشروع وماراثون شريف لخدمة البشرية وإنقاذ الملايين إلى «حرب قرصنة» فى سبيل الحصول على حق الابتكار للمنتج، ويسعى العلماء فى أكثر من ٣٦ مركزًا عالميًا إلى إجراء تجارب رائدة للوصول إلى اللقاح المضاد ويخضع كل فريق علمى داخل معمله لإغراءات وضغوط «مافيا» شركات الأدوية للاستحواذ الكامل على أى اكتشاف أو علاج مبدئى والدخول به فى ساحة المراهنات لمغازلة المناطق الموبوءة ومساومتها على شراء جرعات الدواء التجريبى بأسعار فلكية تعوض بها خسائر المحنة!.



‎كما تولد سباق من نوع آخر أكثر شراسة بين شركات الطيران والسيارات وحتى المخترعين والأكاديميين، لصناعة ملايين الأجهزة لتشخيص الإصابة بالفيروس أو الأجهزة المساعدة لمرضى كورونا على التنفس، فضلا عن أدوات العزل التى فضحت الصفقات القذرة وراء الستار، من خلال عمليات قرصنة الأجهزة والمعدات فى البحر، ومصادرتها فى المطارات وتحويل مسار الشحنات من دولة إلى أخرى بالقوة والمزيدات والضغوط السياسية لأولولية الحصول على المساعدات الطبية. وأجازت الصين إجراء التجارب السريرية على أول لقاح، بعد أن أصبحت أول من نجح فى الكشف عن المواصفات الجينية للفيروس التاجى الجديد. والتقطت شركات الدواء فى بكين الفرصة لتسويق اللقاح والنزول به فى بورصة «الشفاء»!.



‎وكان للذكاء اليابانى دوره وبصمته عندما وظَّف أجهزة الكومبيوتر لتحليل بعض الأدوية المتوفرة واختبارها.



‎وبمجرد أن اجتاح الوباء أوروبا، أدركت ألمانيا الدرس مبكرا ودخلت على خط البحث عن لقاح وابتكار علاج استنادا لقوة صناعة الدواء بها، مسخرة مليار يورو لدعم جهود القطاع الصحى للحد من تفشى الفيروس. واستخدمت شركة «فولكسفاجن» ١٢٥ طابعة صناعية ثلاثية الأبعاد لصناعة بعض أجزاء أجهزة التنفس، وبالمثل حولَّت شركة «إسينوفا» الإيطالية قناع الغطس إلى جهاز تنفس صناعى وبيعه بأسعار مضاعفة..



‎ونجحت شركات الأدوية الفرنسية المخضرمة فى حصاد أبرز ثمرة لعقول العلماء والأطباء من خلال الدواء المضادّ للملاريا الذى أظهر نتائج واعدة فى علاج مرضى كورونا. وأقرت الحكومة الفرنسية بإيجابية تجارب فريق البروفيسور الفرنسى ديدييه راؤول الذى اكتشف فعالية عقار مكوّن من جزيئات هيدروكسى كلوروكين والذى كان يستخدم منذ عقود فى الوقاية من الملاريا وأمراض المناعة الذاتية مثل الذئبة والتهاب المفاصل. وتوالت سلسلة أبحاث الجامعات فى بريطانيا وأستراليا، والتى تتصل دوائرها بشركات الدواء.



‎وبينما تسود التوقعات بالإعلان عن الدواء الحقيقى فى غضون عام على الأقل، أصدرت شركة «فايزر» عملاق صناعة الدواء الأمريكية، بيانا متفائلا عن موعد الانتهاء من تجهيز اللقاح المرتقب فى الخريف. وتزامن ذلك مع مفاجأة فجرها موقع بلومبيرج ليزرع الأمل فى نفوس الملايين عندما كشف فى أحدث دراساته أنه يمكن صنع علاج لكورونا مقابل دولار واحد فقط رأفة بظروف المرضى المادية ومنعا لاستغلال الأزمة من جانب شركات الأدوية، وأشارت الدراسة إلى إمكانية تصنيع جرعات من هيدروكسى كلوروكوين، الذى وصفه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بأنه «هبة من الله»، وبسعر يتراوح بين ١ و ٢٩ دولارا.



‎واستغلت شركات هندية وصينية أبحاث المستحضرات الطبية لإحداث تحولات جذرية على المدى الطويل فيما يتعلق بأسعار الدواء. وصار المشهد يقتضى مزيدا من الصرامة فى تطبيق المعايير العلمية لكيلا يؤدى انخفاض تكاليف الإنتاج الدوائى إلى تراجع مرعب فى الكفاءة والجودة العلاجية المطلوبة.



‎ والآن، والعالم فى أشد الاحتياج للشفاء من كورونا وتوابعها دون انتكاسات متوقعة، إلا أنه يحتاج أكثر للحماية من «حرب الدواء» وأنيابها المفترسة بضوابط تفسد سيناريو «المصالح والأرباح»، وتلقى بـ «فضلات» المعامل التجريبية إلى الشعوب والدول، فيتوسلون إلى تلك الشركات فى ضعف : «أرجوك .. أعطنى هذا الدواء»!.