عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
عندما لحن بليغ وغنى الشيخ.. «مولاى إنى ببابك»
1 مايو 2020
رانيا حسانين;


يحل شهررمضان الكريم هذا العام فى أجواء شديدة الاختلاف والتعقيد، ليترك فى القلب غصة. المساجد مغلقة فى مصر وربوع الوطن العربى وحتى المسجد النبوى والحرم المكى اللذان لا يفتحان أبوابهما امام زوارهما من المصلين العاكفين، الساجدين، الصائمين. بعد أن أربك وباء الكورونا الذى حل بالبشرية الخطى.



................................



هذه اللحظة العصيبة تجعلنا نستلهم آيات الصبر والسلوان من كلمات المبتهل الشيخ المرحوم، سيد النقشبندى «قيثارة السماء» فى أنشودته الجميلة: «مولاى انى ببابك». كان الشيخ سيد النقشبندى الذى ولد عام 1920 وتوفى عام 1976 صاحب صوت خاشع، لقب ايضا بالكروان. ارتبط صوته الرخيم والشجى وأعماله ارتباطا وثيقا، بشهر رمضان. وكانت وستظل أنشودته الجميلة «انى ببابك» ملهمة لكثير من الشعراء والمبتهلين منذ ان خرجت للنور. وهذه بعض من أبياتها:



مولاى



مَوّلاى إنّى ببابكَ قَد بَسطتُ يَدى..



مَن لى ألوذُ به إلاك يا سَندى؟



أقُومُ بالليّل والأسّحارُ سَاجيةٌ



أدّعُو وهَمّسُ دعائى.. بالدُموُع نَدى



هذا هو حال المسلمين الآن، خلال الشهر الفضيل، نقف على باب الله، على أبواب المساجد غير مسموح لنا بدخولها تجنبا لانتشار وباء قد فتك بالإنسانية وأصابها فى مقتل. ندعو بالليل ونبتهل ان يزيح الله الغمة بأمره، وهل لها من كاشفة الا بإذنه.



بنُورِ وَجهِكَ إنى عَائدٌ وجلُ.. ومن يذ بك لن يَشّقى إلى الأبد



مَهما لَقيتُ من الدُنيا وعَارِضه.. فَأنّتَ لى شغلٌ عمّا يَرى جَسدي



تَحّلو مرارةِ عيشٍ فى رضاك.. ومَا أُطيقُ سُخطاً على عيشٍ من الرَغَد



كان هذا العمل الجليل ثمرة تعاون بين الشيخ سيد النقشبندى والشاعرعبدالفتاح مصطفى والملحن العبقرى بليغ حمدى، وبطلب صادق من رئيس مصر فى ذلك التوقيت، الرئيس أنور السادات الذى كان عاشقا للابتهالات الدينية والذى طلب فى عام 1972، ان يتم التعاون بين المبتهل النقشبندى و الملحن بليغ حمدى فكان هذا العمل الفريد الذى يسيطر على مشاعر المسلمين كل رمضان.



فى البداية، رفض سيد النقشبندى الفكرة وكان متحرجا من تنفيذها، لانه لم يستسغ فكرة التغنى على الحان ملحن كبليغ حمدى فتكون أغنية وليس ابتهالا. فقد كان الشيخ سيد معتادا على الابتهال بما يعرفه من المقامات الموسيقية دون ان يكون هناك ملحن، وكان فى اعتقاد الشيخ ان اللحن يفسد حالة الخشوع التى تصاحب الابتهال. وكانت مقولته للإذاعى الكبير وجدى الحكيم «على آخر الزمان هاغنى يا وجدى»، ولكن استطاع وجدى الحكيم ان يقنعه بمقابلة الملحن بليغ حمدى والاستماع له قبل اتخاذ قراره النهائى، فكانت هذه الانشودة الخالدة «مولاى إنى ببابك»، واسفر بعد ذلك التعاون بين هذين العبقريين النقشبندى وبليغ عن خمسة ابتهالات اخرى.



لم تشهد الاجيال الشابة التى ولدت تزامنا مع هذا الابتهال منذ فترة السبعينيات وحتى الآن، و تعلقت به، أحداث مشابهة لاحداث اليوم من غلق تام للمساجد. ولكن اذا رجعنا للتاريخ، فسوف نجد أحداثا مثيلة. ففى عام 827 هجرية، اضطر الناس الى ترك المساجد بسبب الوباء الذى حل بمكة بحيث مات فى كل يوم اربعون انسانا وحصر من ماتوا فى ربيع الاول فكانوا الفا و سبعمائة. وفى عام 1215 هجرية/ 1800 ميلادية، حل طاعون بمصر والشام وخاصا صعيد مصر، مات خلاله 600 شخص فى اسيوط و لهول الفاجعة انشغل الناس بالجنائز عن المساجد و عن رفع الاذان.



يسطر المؤرخ عبدالرحمن الجبرتى فى كتابه «فى عجائب الاثار»، هذه الاحداث قائلا «لقد انتشر هذا الوباء فى جميع البلاد شرقا وغربا وشاهدنا من العجائب فى أطواره وأحواله، وذلك انه أباد معظم أهل البلاد وكان أكثره من الرجال، لاسيما الشباب والعظماء وكل ذى منقبة وفضيلة وأغلقت الاسواق وعزت الاكفان... وكان مبدأ هذا الأمر من شعبان وأخذ فى الزيادة فى شهر ذى القعدة وذى الحجة حتى بلغ النهاية القصوى... وتعطلت المساجد والأذان والأمامة...»



لا سبيل الآن الا الابتهال والدعاء والأستلهام من شيوخنا الاجلاء حتى يكشف الله الغمة بإذنه، بفضل هذه الشهورالكريمة. نبتهل الى الله فى أول أيام هذا الشهر الفضيل، بكلمات الخاتمة فى هذة الأنشودة الجميلة والخالدة التى تجلل فى الوجدان وتترك صداها داخل الانفس الشقية والمتعبة:



أدعوكَ يَاربّ فاغّفر ذلَّتى كَرما..



واجعَل شَفيعَ دُعائى حُسنَ مُعْتَقدّى



وأنّظُرْ لحالى.. فى خَوّفٍ وفى طَمعٍ..



هَلّ يَرحمُ العَبد بَعْدَ الله من أحدٍ؟



مَولاى إنّى ببابكَ قَد بَسطتُ يَدى..



مَن لى ألوذُ به إلاك يا سَندى؟