نتج عن الأحداث الراهنة والأحوال التى تعيشها الأمة الإنسانية بأسرها بسبب انتشار فيروس «كورونا» المستجد (كوفيد-19) تحديات كبيرة تتمثل فى انكماش اقتصادى وركود مالى على مستوى الأفراد والمجتمعات والدول. وهنا تظهر الأولويات فى فقه المرحلة حيث تشتد الحاجة إلى العطاء الإنسانى وتتأكد أهمية العمل الخيرى من دعم للجهود الاحترازية والطبية، ومساعدة المحتاجين وتمويل البحث العلمي، والتعاون مع الدولة بمختلف مؤسساتها، والتكاتف بين الموطنين؛ وذلك انطلاقًا من المقاصد الشرعيَّة والمبادئ الإنسانية والقيم الوطنية الأصيلة المتجذرة فى وجدان الشخصية المصرية النبيلة والتى تظهر فى مختلف الأحوال لكنها تزداد ظهورًا فى زمن الأزمات. ولقد أولى الشرع الشريف الطبقات المحتاجة والفقيرة عناية خاصة، واهتم بها اهتمامًا كبيرًا، فشرع لهم جملة من الأحكام الشرعيَّة مع اختلاف درجاتها من حيث الإلزام وعدمه ، والتى من شأنها سد الحاجة وتحقيق شيء من التكافل الاجتماعي، بحيث يأخذ أغنياء الوطن والمجتمع بيد فقرائه ومحتاجيه تفريجًا لكربتهم ومواساة لحاجتهم؛ وقد أرشد إلى ذلك رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الله فرض على أغنياء المسلمين فى أموالهم قدر الذى يسع فقراءهم، ولن يجهد الفقراء إلا إذا جَاعُوا وَعُرُّوا مما يصنع أغنياؤهم، ألا وإن الله محاسبهم يوم القيامة حسابا شديدا، ومعذبهم عذابا نكرا« أى : إن لم يؤدوا حق الله والمحتاجين بإخراج الزكاة وشيء من الصدقات إليهم(معجم الطبرانى الأوسط). وفى هذا الظرف الطارئ تتشعب مجالات العمل الخيرى وتتنوع أنماطه ومؤسساته المدنية والأهلية والحكومية، وتتطلب توحيد الجهود والتنسيق والتكامل فيما بينهم حتى يتحقق الاهتمام المناسب بالمستشفيات ودور الرعاية لكبار السن والأيتام وأيضا بالعمالة غير المنتظمة، وأصحاب الأجور المحدودة، والمرضى والمحتاجين، فضلا عن دعم متطلبات المرحلة التى تستوجب زيادة الوعى لدى جموع الشعب بقواعد السلامة وتقديم النصائح الطبية والصحية والإجراءات الاحترازية، وتوفير المستلزمات الطبية والعلاجية والوقائية وأمور المعاش؛ فضلا عن دعم البحث العلمى وعجلة الاقتصاد باعتبار ذلك أولوية يعود نفعها على المجتمع كله. وفى هذا الإطار تناشد دار الإفتاء المصرية الأغنياء بتعجيل زكاة أموالهم لهذا العام، بل والعام المقبل، بناء على مذهب جمهور الفقهاء الذين أجازوا للمزكِّى تعجيل إخراج الزكاة قبل وقتها رعاية لمصلحة المحتاجين، ويؤيد ذلك حديث الحكم بن عتيبة: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة، فأتى العباس يسأله صدقة ماله، فقال: قد عجلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة سنتين. فرفعه عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «صدق عمي، قد تعجلنا منه صدقة سنتين» (الأموال لأبى عبيد)، ولا شك أن الزكاة فى وقت الشدة أعظم ثوابا فى غيرها من الأوقات. ولم يكتف الشرع الشريف بفرض الزكاة، وإنما وسع وجوه الإنفاق ونوَّع أبواب التكافل والتعاون على الخير والبر، فحث على التبرعات ورغب فى الهدايا والصلات والصدقات، وأكد على الوقف والصدقة الجارية التى يبقى فيها أصل المال وتتجدد منفعته وأرباحه من أجل استيعاب المجتمع واحتياجاته؛ حتى يتم الاكتفاء المجتمعى وتوفير صور الدعم والعون فى الأزمات؛ تحقيقًا للتوجيه النبوى بأن يكون المؤمنون جميعا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له باقى الأعضاء بالسهر والحُمَّي. كما أرشد الشرع الشريف إلى أن العطاء والصدقة والتبرع أقرب سبيل لدفع البلاء ورفع الشدة وتجاوز الأزمات والعقبات، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَيَصْرِفُ الْعَذَابَ عَنِ الْأُمَّةِ بِصَدَقَةِ رَجُلٍ مِنْهُمْ» (الترغيب لابن شاهين). وجملة هذه المعانى تؤكد الحاجة الملحة إلى ضرورة انتشار ثقافة العمل الخيرى والتضامن معه ومساندته بمختلف صوره ومؤسساته وتطوير أنماطه ومجالاته حتى يتناسب ذلك مع ظروف المرحلة الراهنة وتحدياتها القاسية اقتصاديًّا وصحيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا مع التكاتف والتعاون مع الجهات المعنية حتى ننال رضا الله تعالى بالتحقق بالأسباب المادية والمعنوية التى يدفع بها هذا البلاء العام عن البلاد والعباد، وهو أمر ليس بجديد على الإنسان المصرى ومعدنه الأصيل.