عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
كلهم يُوَظفون كورونا
4 أبريل 2020
د. نيفين مسعد


لم ينجُ أحدُ تقريباً من توظيف كورونا لإعادة ترتيب الأوضاع بما يلائم مصالحه، وهذا التوظيف يتميز بأنه متعدد المستويات، إذ يبدأ التوظيف من قمة النظام الدولى حيث تعمل الدول الكبرى على كسر احتكار الولايات المتحدة للقمة والترويج لنموذجها فى التنمية الاقتصادية وربما حتى لنظام حكمها، ثم يمر بعد ذلك بالقوى الإقليمية التى تستفيد من تركيز العالم على مكافحة الوباء فتوُجه الضربات الاستباقية لخصومها أو تواصل تنفيذ مشروعاتها التوسعية كحال إسرائيل وتركيا فى سوريا، وينتهى التوظيف بالتنظيمات المسلحة التى تنبهنا إلى أنها مازالت حاضرة وأن دائرة الضوء لا تنحسر عنها أبداً فإذا بنا نصحو ذات يوم على هجوم داعشى دموى فى العاصمة الأفغانية. فضائيات وشركات اتصالات لاتوقفها الحدود المغلقة ، تعيد تقديم نفسها بشكل مختلف وتبعث برسائل متضاربة و تنشر شائعات. وفى هذا المزاد العالمى الكبير فإن التيارات الدينية المتشددة ليست استثناء من ظاهرة توظيف كورونا، بل ولعلها حتى المستفيد الأكبر من انتشار الوباء، ففى لحظات عدم اليقين والخوف والضعف الإنسانى الشديد يظهر ميل فطرى للعودة للدين وهنا يأخذ المتشددون زمام المبادرة ويحتكرون التفسير.



عندما ظهر وباء كورونا فى الصين بادر بعض المتأسلمين بالقول إن الصين تدفع ثمن اضطهادها لأبناء أقلية الإيجور، وكأن هذا القول يفترض أولاً أن مسلمى الصين لن يُصاب منهم أحد بالوباء، وثانياً أن الوباء لن يتجاوز حدود الصين. لكن المتأسلمين لم يكونوا وحدهم فى اعتبار كورونا عقاباً إلهياً للصين فقد تشارك معهم متشددون من الديانات المختلفة فى هذا التشخيص، والاختلاف الوحيد كان حول دوافع العقاب، فمن داخل المسيحية ظهر من يقول إن الله عاقب الصين على إلحادها واضطهادها المسيحيين واجبارها النساء على الإجهاض، ومن داخل اليهودية ومن حركة جبل الهيكل تحديداً ظهر من يدعى أن عقاب الصين جاء بسبب استهدافها المؤمنين وانتهاكها حقوق الإنسان، ومن داخل الهندوسية ظهر من يروج لأن عقاب الصين سببه تعذيبها للحيوانات والمخلوقات الفقيرة. هكذا صار الوباء، وكأنه نوع من التطهير الإلهى للصين من كل خطاياها السابقة إلى الحد الذى توقع معه أحد الهندوس أن يتعلم الصينيون الدرس بعد هذه التجربة القاسية ويصبحون نباتيين! وما من شك فى أن أنصار هذا الرأى قد وقعوا فى مأزق كبير عندما بدأت الصين تتعافى من الوباء دون أن تتعظ، بينما امتد الوباء وتفشى فى كل دول العالم على نحو قوّض نظرية العقاب الإلهى للصين من أساسها.



هنا كان لابد من البحث عن تفسير آخر أكثر مرونة وقابل للتطبيق على الدول المختلفة التى انتشر فيها الوباء، وهذا التفسير هو البعد عن الله . فى داخل مختلف الديانات اشتعلت حرب تفسيرات بين الذين يقولون بأن كورونا عقاب إلهى لأتباع تلك الديانات من المقصرين، والذين يبحثون عن أسباب أخرى لتفشى الوباء كضعف ميزانيات الصحة أو أنانية الدول وعدم مساعدة بعضها البعض أو سوء إدارة الأزمة ..إلخ . وتعد كلمة بابا الفاتيكان، وهو الرجل الذى يقف على رأس المؤسسة الدينية الكاثوليكية، نموذجاً للتفكير العقلانى الرشيد، فجوهر الكلمة أن الإنسانية كلها فى سفينة واحدة:لقد تيقنّا بأننا موجودون على السفينة عينها..... وجميعنا مدعوون لكى نجدف معاً ومدعوون لتعزية بعضنا بعضا ...لقد تنبهنا إلى أنه ليس بإمكاننا أن نسير قُدُماً كل بمفرده, وإنما علينا أن نسير معاً، هذا الجوهر نفسه موجود فى الحديث النبوى الشريف لرسولنا الكريم عن ركاب السفينة الذين إما يهلكون معاً أو ينجون معًا، وهذا ما يسميه متخصصو العلاقات الدولية من جانبهم الاعتماد المتبادل. بطبيعة الحال لم تعجب عظة بابا الفاتيكان دعاة التشدد إذ كيف يضع الرجل كل الطوائف المسيحية ، بل وكل البشر من أتباع الديانات السماوية والديانات الوضعية وغير المؤمنين بدين أصلاً، فى سفينة واحدة؟ وتلقى الرجل سهاماً كثيرة موجعة منها قول أحد ناقديه: فيه ناس منحرفو الفكر يستغلون الظرف الراهن لنشر الفكر اللاطائفى ..ويدمرون هوية كنيستنا، وكأن المعنى الذى يقصده صاحبنا هو أن نشر الفكر الطائفى مطلوب!. من جهة أخرى فإن هذا الجدل حول تفسير ظهور الوباء كان لابد أن يقود إلى الاختلاف حول كيفية محاصرة انتشاره، فالذين اعتبروا كورونا أداة لتطهير البشر من ذنوبهم رفضوا بشدة الإغلاق المؤقت لدور العبادة لأن ذلك سيعطل الشفاء الذى لا يتحقق إلا بالتقرب إلى الله، وهكذا انتقد أحد إخوان الكويت إغلاق الحرمين المكى والمدينى فى السعودية لأن قول الله تعالى: «ولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة», مقصود به الموت المتحقق لا الوهمى، وهذا يعنى حسب تصور صاحبنا أن التحذير من التهلكة يتطلب الموت فعلاً!، أما هذا الداعية المغربى فقد كفّر كل بلد أغلق مساجده واعتبر أن مثل هذا البلد قد صار دار حرب وليس دار إسلام . ونقل أحد رجال الدين الشيعة الإيرانيين النقاش لمستوى آخر فدعا إلى ترك وباء كورونا يتفشى تعجيلاً بظهور المهدى المنتظر الذى سينشر القيم النبيلة حول العالم.



الحديث عن وباء كورونا كعقاب إلهى للصين أو لغير الصين فيه جانب من الدروشة وعدم الوعى هذا أكيد، لكن فيه أيضاً تخطيط سياسى مدروس لاشك فيه وتوظيف من تيارات سياسية تعرف جيداً ماذا تفعل، مظاهرة الإسكندرية ضد كورونا وتكبيرات الشرفات فى الإسكندرية وأيضا فى القاهرة نموذج، والرسائل التى تنهال علينا لنقرأها ونمررها لغيرنا هى نموذج ثان هدفه إلغاء تفكيرنا ودفعنا للتصرف الجماعى بشكل آلى ودون أى مناقشة، ومن آخر ما وصلنى شخصياً من رسائل مطلوب منى تمريرها رسالة تقول الآتى: هل هى مصادفة أن الحَجْر الصحى للمشتبه فى إصابته بكورونا مدته أربعة عشر يوماً وسورة الحِجر فى القرآن الكريم تقع فى بداية الجزء الرابع عشر منه؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلّى العظيم.