عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
د. جابر عصفور: نحن دولة شبه مدنية.. ونحتاج الفصل الكامل بين الدين والدولة
3 أبريل 2020
مصطفى عبد الوارث;


لست عدوا لشيخ الأزهر لكن المحصلة  الفعلية للتجديد «لا شىء»



«هارفارد» بها كلية لأصول الدين  تخضع للنظام التعليمى بينما جامعة الأزهر  لا تخضع للمجلس الأعلى للجامعات






إذا أردت تقديمه للقارئ فهو وزير سابق للثقافة، لكنه - وهذا هو الأهم - مفكر وصاحب رأى، له أكثر من 55 كتابا فى النقد الأدبى والقضايا الثقافية والفكرية، يشتبك إعلاميا مع مخالفيه فى الرأى فيهاجم بضراوة ولا يحسب حسابا للنتائج، كل ما يهمه - على حد قوله - الرضا عن النفس، تختلف معه أو تتفق، لكن الخلاف عنده يبقى محصورا فى نطاق الفكر والتعبير عن الرأى، بادرته قائلا إنه سيكون شخصية مثيرة للجدل تاريخيا، فأجاب مبتسما فى بساطة: لا مثيرة ولا حاجة، هى واضحة وضوح الشمس لمن يريد أن يرى.. وهذا ما ستلمسه خلال هذا الحوار.



ناقشته فى كثير من آرائه فى الشأن الثقافى والتجديد الدينى، وموقفه من الأزهر الشريف، وغيرها من القضايا الشائكة، وهذا هو الحصاد:



............................



ترى أن الثقافة لا تلقى اهتماما؟



نعم، قلت بوضوح إن الدولة لا تهتم اهتماما كافيا بالثقافة.. رغم أنها لا تقل أهمية عن السلاح. وبقدر ما نحن فى حاجة إلى السلاح المادى لحماية الأهداف الوطنية والقومية نحن بحاجة إلى الإنفاق على السلاح المعنوى. أنت تدخل فى معارك كبيرة مع الغزو الرجعى وتيارات الإرهاب الدينى، ويجب أن تستعد لهذه المعارك بما تستطيع من قوة. ولا يكفى أن تدخل هذه المعارك وهى ثقافية بالدرجة الأولى ويدك مقصرة فى الجانب الثقافى. فنحن فى مجتمع ودولة تواجهها مخاطر كثيرة وكبيرة، لا يمكن إنكار هذا...



استخدمت كلمة «غزو» وهذا يعنى أن هناك قوى خارجية طامعة؟



نعم، من بعد 1967 ونحن نتعرض لغزو فكرى من قوى كثيرة متعددة، أخطرها قوى التعصب الدينى، ولا بد من المواجهة بالاهتمام بالخطاب الثقافى.



الأسئلة التى أطرحها عليك ليست جديدة، بعضها قديم يعاد طرحه كل فينة.. لماذا نحتاج دائما إلى إعادة الطرح ولا نتيجة؟ لماذا لا يتحول الفكر إلى واقع؟



الدولة هى المسئولة، باختصار، فا



لواقع أننا لسنا منتبهين إلى أهمية الثقافة، أو نهملها كما طرحت فى سؤالك الأول. ويمكنك أن تقارن وضعنا الآن ثقافيا بما يحدث فى السعودية على سبيل المثال.



ماذا يحدث؟



السعودية تشهد الآن نهضة ثقافية..لا ينكر هذا أحد، هناك الآن فكر جديد مختلف، من أبرز مظاهره منع « جماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر « من التدخل فى الشأن الثقافى. وهناك أيضا خطط لإنشاء ألف دار عرض سينمائى ومسرحى، بينما قل عدد دور العرض عندنا على نقيض ما ينبغى، حتى المجتمعات الجديدة ربما لا تجد اهتماما بإنشاء دور عرض جديدة بها، وهذا ما أطالب به لأنه مهم.



فى إحدى خواطرك تتساءل: هل هى ثقافة عربية أم ثقافات؟



هى ثقافة عربية واحدة بالتأكيد، نعم يمكن القول إنها تنقسم إلى فروع، لكن فى النهاية هناك وحدة ثقافية تربطنى بالمواطن العربى فى كل الدول العربية؛ فى الإمارات وفى تونس والمغرب والعراق ولبنان واليمن... إلخ، فأنا - مثلا - كتبت عشر سنوات فى مجلة الحياة التى كانت تصدر فى لندن وبيروت، وما زلت أكتب فى مجلة العربى التى تصدر فى الكويت..كما مكثت سنوات أكتب فى مجلة دبى الثقافية وفى غيرها، وقد قلت من قبل وأكرر الآن أن أكثر ما يتمناه أعداؤنا هو أن نكفر بالقومية.



دعوت إلى تعليم واحد؟



نعم، هذا هو طريق العالم المتقدم. لا يوجد تعليم مزدوج فى أى دولة متقدمة



ما تعنى بمزدوج؟



دينى ومدنى.. كل دولة مدنية مائة بالمائة ليس بها تعليم مزدوج.



أليست مصر دولة مدنية؟



لا، نحن دولة شبه مدنية.. لا تتوافر فيها كل عناصر الدولة المدنية.



وما هذه العناصر؟



الفصل الكامل بين الدين والدولة، وهذا ليس متحققا عندنا. وأن يكون التعليم مدنيا تماما، أقصد ألا تتدخل عواطفك الدينية فى أى شأن من شئون الدولة.



لكن الدين عنصر أساسى شديد التأثير فى تكوين الوجدان المصرى الفردى والجمعى (والوجدان العربى أيضا)؟



لا خلاف، لكن لا دخل له بالتعليم الجامعى. تعليم الدين يكون فى المراحل الأولى حتى الثانوى، لكن تحت سلطة وزير مدنى هو وزير التعليم. ويتوقف فى الجامعة.



لا تبدو لى الرؤية واضحة أو منسجمة.. كيف أفصل الدين عن التعليم وأعلمه؟!



جامعة هارفارد جامعة مدنية تماما، لكن بها كلية اسمها Difenit school أي: كلية أصول الدين. الطلاب الذين يدخلون هذه الجامعة يلحقون بكليات الطب والهندسة... إلخ من كليات العلوم المدنية، ومن يريد أن يدرس الدين واللاهوت يلتحق بكلية Difenit school



أليس هذا هو ما عندنا.. الأزهر فيه التعليم الدينى، والجامعات الأخرى فيها التعليم المدنى.. ومادة الدين أحد المقررات فى التعليم العام حتى الثانوية العامة؟



لا.. التعليم الدينى موجود فى الأزهر منذ المرحلة الابتدائية وحتى الجامعية. وهذا لا ينفع. أضف إلى هذا أن الأزهر جهة مستقلة على نحو يتعارض مع الدستور، فجامعة الأزهر لا تخضع لسلطة المجلس الأعلى للجامعات صاحب السلطة العليا فى التعليم. والسؤال هو: هل نريد أن نكون مجتمعا مدنيا ديمقراطيا حديثا أم لا؟.



لك مقولة مثيرة تصف فيها الأزهر بأنه «تصلب لأنه تعود على تقاليد جامدة تعوقه عن التقدم»؟!



هذه العبارة موجودة لكن بصياغات أخرى فى مقالات وكتب الدكتور محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف الأسبق.



وقال أيضا إن الفكر الدينى الموجود فى الأزهر غلب عليه طابع الاجترار.فما الفرق؟



فرق كبير بين أن يكون النقد من الداخل وأن يكون من الخارج.



الأزهر ملك لى ولك، ولكل مصرى، وهو مرتبط بالدين، ونحن مسلمون، ولست وحدى المختلف مع سياسة الأزهر السائدة، هناك كثيرون من داخل الأزهر أيضا.



لكن يبدو أنك تجاوزت فكرة الاختلاف إلى منطقة القصف العنيف عندما قلت إن الأزهر عدو لتجديد الخطاب الديني؟!



نعم، لى تجربة خاصة، أنا وعدد من المثقفين المدنيين، دعانا الأزهر لإجراء حوار مع شيخه وعدد من علمائه، كان هذا عام 2011م، ورحبنا بالدعوة وذهبنا، وعملنا مع شيخ الأزهر الدكتور الطيب، تحاورنا، وكانت نتيجة اللقاءات أربع وثائق جمعها د. صلاح فضل فى كتابه «وثائق الأزهر ما ظهر منها وما بطن»، تعتبر- فى تقديرى - أهم ما قدمه الأزهر فى تاريخه. ولا تزال هذه الوثائق دليلا على التعاون مع مفكرى الأزهر وعلمائه.



لكنى لا أزال أستشعر أنك على رأيك أن الأزهر عدو للتجديد؟!



أقول لك لماذا..العقول نشأت من الصغر على تصورات معينة ولا تقبل فكرة الاختلاف أو فكرة المرونة التى تؤدى إلى تغيير فى الرأى.. فوجئت يوما بمن أتى لى بجريدة صوت الأزهر، وفيها نصف صفحة بكلمات لجابر عصفور فى مديح شيخ الأزهر!، وهل كنت تجاوزت فى حقه أو قللت من شأنه؟ لم يحدث إطلاقا، ما قلته هو أن هذا الرجل إلى سنة 2014 - التى انتهت فيها حوارات الوثائق الأربع - رجل مستنير، بل إننى شبهته بالشيخ محمد عبده وزمرة الشيوخ المستنيرين. لكن بعد 2014 فوجئنا بشيء آخر.



لك أيضا رأى مثير، هو أن المساجلات فى قضية تجديد الخطاب الدينى وصمة عار؟!!



لا، لا، لا.. لم أقل هذا الكلام. لماذا وصمة عار؟، بالعكس هى شيء ممتاز.



لكنك تحاملت على شيخ الأزهر بعد محاورته مع د. محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة؟.



رأيته غير موفق، فأدبيات الحوار تقتضى تقدير المناقَش، ومناقشته بطريقة علمية، لكنه الشيخ الطيب بدا كما لو كان يناقش تلميذا، وكما لو كان هو وحده على يقين.



لم يبد لى هذا.. كان الرجل يتحدث بأسلوب علمى دقيق ومحدد، فرضته الظروف عندما طلب إليه إبداء رأيه، وأتذكر أنه تحدث بمنهجية عن الشك واليقين أو المطلق والمشكوك فيه؟.



لكن بدا لى..الشيخ الطيب طالب الدكتور الخشت بأن يستعد علميا، وهذا لم يعجبنى حتى لو كان القائل هو شيخ الأزهر. ودعنى أستطرد هنا فأقول لك إن العلاقة بينى وبينه طيبة جدا، وأنا أحترمه وأجله كل الاحترام والإجلال. لكن هذا شيء والاختلاف فى الرأى شيء آخر.



حسنا، لكن رأيك القائل بأن الأزهر عدو للتجديد يطول شيخ الأزهر؟



دعنى أسالك عن المحصلة الفعلية لمحاولات التجديد، لا شيء، هناك أشياء تحتاج إلى جرأة فى التناول. الجرأة مفتقدة فى تقديرى، هل تتصور أنهم مازالوا يمنعون تجسيد «الصحابة المبشرين» فى الأعمال الفنية الدرامية؟ وتحضرنى هنا قاعدة فقهية فى غاية الأهمية، مفادها أنه حيثما توجد مصلحة الأمة فثم شرع الله، فهل يصح أن نمنع أعمالا فنية تُرَقى الوجدان وتزرع العاطفة الدينية فى النفوس؟، أنا مثلا حينما شاهدت فيلم «المسيح» وأنا طفل بكيت، انتابنى إحساس بأن هذا المسيح يفدى البشرية وأنه يدفع الثمن. هذا إحساس دينى راق، لماذا أمنعه؟



هم يمنعون تجسيد الأنبياء لأن تجسيدهم يؤثر على مكانتهم الرفيعة كأنبياء عقول المؤمنين بهم، وعلى الصورة الذهنية «الهيولية» أو القريبة جدا من الهيولية لهم فى وجدان أتباعهم؟.



وهل نمنع منفعة كبرى من أجل تخوف يسير كهذا؟ علينا أن نعى ونتنبه إلى أنه كلما انحدر مستوى الخطاب الثقافى فى مجتمع زاد الجمود الدينى، وكلما ارتفع مستواه يزدهر الخطاب الدينى.



»الإسلام المصرى»



لك مقولة قد تحتاج إلى تعليق: إن هناك إسلاما وطنيا مصريا؟



نعم، وهى للحقيقة ليست مقولتى، بل مقولة المرحوم أمين الخولى، كان يشرح لنا النظرية الإقليمية، وذكر لنا أن مصر لها تأثير فريد، وضرب مثلا بأن الإمام الشافعى عندما جاء إلى مصر غير رأيه فى ثلاثين مسألة فقهية. فقلت لنفسى يومها: هذا معناه أن مصر لها عبقرية - كما قال صاحب شخصية مصر جمال حمدان - وأن هذه العبقرية جعلتها تفرض شخصيتها حتى على الديانات عندما تأتيها؛ ولذلك أصبح الإسلام فيها إسلاما نهريا حضريا مدنيا.



لكنهم علمونا - وهو صحيح - أن الإسلام ديانة عالمية؟



لا تناقض، الفكرتان تنسجمان وتتكاملان.