عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
بعد كورونا.. لن يعود العالم كما كان
29 مارس 2020
د. على الدين هلال


يعيش العالم الآن فى قلب أزمة طاحنة ليس من المبالغة القول انه لم يشهد مثيلا لها فى القرن العشرين بحُكم اتساع نطاقها الجُغرافى وأعداد البشر الذين يقعون ضحية لها. وتثقُل وطأتها بالنظر لعدم الوصول إلى مصل أو لقاح لمواجهة هذا الفيروس اللعين. ولا يستطيعُ باحث أو رئيس دولة الجزم بشأن موعد انتهاء هذه الأزمة أو الآثار التى سوف تخلفُها, سواء على مُستوى العالم أو على مُستوى دولٍة بعينها. ناهيك عن التنبؤ بسياسات الدول والعلاقات والتوازنات بينها.



تتعددُ الإجابات على هذه الأسئلة، وخصوصًا السؤال بشأن العلاقات بين الدول وتوازن القوى والمصالح بينها وأنماطُ التعاون والمُنافسة والعداء فى العالم. ولكن الأرجح هو أن العالم لن يعود إلى سابق عهده وأوضاعه قبل يناير 2020، وأن هذا العام سوف يكون حلقة مفصلية فى تطور السياسة بين الدول والسياسة بداخل كُل دولة. وسوف أٌركز فى هذا المقال على العلاقات بين الدول.



أعتقدُ ان تأثير الأزمة الراهنة سوف يكون من شأنه، فى المقام الأول، الإسراع بعمليات وتطورات كانت حادثة فى النظام العالمى وسوف تؤدى الازمة إلى تعميقها والتأكيد عليها. منها مثلًا، تدهور مكانة الولايات المتحدة الامريكية كقائدة للمُعسكر الغربى أو للنظام الدولى. وهو التطور الذى بدأ من عدة سنوات وجاءت الأزمة لتؤكده، فقد أخفقت واشنطن فى أن تُقدم نفسها للعالم ابان هذه الأزمة فى موقع القيادة السياسية أو النموذج الأخلاقى. اتسم سلوك القيادة الأمريكية فى مواجهة الأزمة بالتردد والتأخُر فى ردود الأفعال والقصور فى مواجهة انتشار الوباء فيها بل وثبت عدم قُدرة نظامها الصحى على توفير مُستلزمات الوقاية والرعاية الطبية بكفاءة وفى الوقت المُناسب. وترتب على هذا القصور فى الأداء والانجاز فشلها فى صورة القيادة الأخلاقية للعالم بل وخضعت خُطة التحفيز الاقتصادى ومُساعدة المُتضررين بالأهواء السياسية والحزبية.



وبنفس المنطق، دعمت الأزمة عملية الصعود الصينى الاقتصادى والسياسى وانتقال مصادر القوة والنفوذ من الغرب إلى الشرق. فمع أن الصين كانت الدولة الأولى التى ظهر وانتشر فيها الفيروس إلا أنها استطاعت فى فترة وجيزة من خلال إدارة سياسية حازمة وجهاز إدارى كُفء أن تُسيطر على الموقف مُستخدمة مُختلف تكنولوجيات الذكاء الاصطناعى، وأن تعزل مناطق الوباء. وأثبت نظامها الصحى قُدرة كبيرة على التكيف مع حالة الطوارئ. وبعد شهرين، وتحديدًا فى 10 مارس 2020،قام رئيس الجمهورية الصينى بزيارة مدينة ووهان مركز الوباء. وأعلنت الصين انتصارها على الفيروس وإن كان بعض المُحللين قد حذروا من احتمال انتشار موجة ثانية له فى شكل جديد. بعد اثباتها الكفاءة التنظيمية والإدارية والطبية، سعت الصين لمُساعدة الدول الأُخرى التى تعرضت للوباء والتى كان منها فى أوروبا إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وصربيا، وفى آسيا اليابان وماليزيا وكمبوديا. وترتب على ذلك إشادة عديد من حكومات هذه الدول بالموقف الأخلاقى للصين فى هذه الأوقات العصيبة.



وفى ذات الاتجاه، استغلت روسيا الفُرصة لتأكيد دورها المُتصاعد فى العالم فوقفت بحسم إلى جانب الجيش السورى ودعمته عسكريًا إزاء مُحاولات فصائل المُعارضة والتنظيمات المُتطرفة المدعومة من تركيا استعادة الأراضى التى كان قد حررها من سيطرتهم. وكان من شأن ذلك حسم الموقف لمصلحة الجيش السورى وقبول الرئيس أردوغان وقف إطلاق النار على أن تبقى القوات فى أماكنها خلافًا لما كان يُصرح به من قبل. ورفضت موسكو المُقترحات السعودية فى إطار الأوبك بشأن خفض انتاج النفط وتمسكت بالاستمرار فى مُعدلات انتاجها وإن كانت قد حرصت على إعلان أن هذا الخلاف لا يؤثر على مشروعات وبرامج التعاون المُشترك بين البلدين. فى هذا السياق، قامت روسيا بتقديم الدعم الطبى لكُل من إيطاليا وفرنسا وهى الدول الأكثر تضررًا بالوباء فى أوروبا. ولم يقتصر دعمها على أدوات الوقاية مثل الكمامات والقفازات والبدل الواقية وإنما تضمن مائة من الأطباء العسكريين المُتخصصين فى مُكافحة الأوبئة.



وتزداد الدلالة السياسية والمعنوية للدعم الصينى والروسى لإيطاليا فى ضوء أن الحكومة الإيطالية دعت دول الاتحاد الأوروبى إلى مُساعدتها وتقدمت بطلب مماثل إلى مفوضية الاتحاد بهذا الشأن، والتى دعت دول الاتحادإلى الاستجابة لطلب إيطاليا.وكان الرد أن قامت كُل من المانيا وفرنسا، لأسباب مفهومة، بفرض قيود على تصدير المُستلزمات الطبية ولم تستجب بقية الدول الأعضاء. أثار ذلك استياء قطاعات واسعة من الرأى العام الإيطالى وليس فقط فى دوائر اليمين الشعبوى. ومن مظاهر هذا الاستياء، تصريح السفير الإيطالى لدى المفوضية فى 23 مارس بأن الاتحاد الأوروبى ينبغى ألا يترك إيطاليا وحيدة فى هذه الأزمة كما تركها وحيدة فى مواجهة ازمة تدفق اللاجئين. وتداولت وسائل التواصل الاجتماعى فيديو يُصور عددا من الشباب الايطاليين يُنزلون علم الاتحاد الأوروبى من ساريته ويضعون بدلًا منه العلم الصينى. وهكذا تبدو معالم الصورة التى ترتسم فى العلاقات بين الدول الكبرى تراجعا فى المكانة السياسية والأخلاقية للولايات المُتحدة، وشعورا بضعف روح التضامُن بين دول الاتحاد الأوروبى وهُما الرمزان الرئيسيان للغرب ونظُم الديمُقراطية الليبرالية ولقيم العولمة والانفتاح على الآخرين. فى مُقابل، صعود المكانة السياسية والمعنوية للصين وروسيا اللتين تُقدمان نموذجًا مُختلفًا للنظُم السياسية واللتين يربطهما تحالف استراتيجى عميق. فهل تكون هذه التطورات إيذانًا بتراجُع نموذج العولمة الغربى الذى تم تكريسه من مُنتصف تسعينيات القرن الماضى وأن تزداد أسهُم نموذج العولمة الذى تطرحه الصين فى شكل استراتيجية الحزام والطريق والذى يكمله التصور الروسى عن أوراسيا. وأيًا كان الامر، فإن العالم بعد أزمة فيروس كورونا سوف يكون مُختلفًا عن العالم قبلها.