عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
حجر غير صحى
28 مارس 2020
سامى شرف


حين تتعرض المجتمعات أو الأفراد لأخطار صحية تصل إلى حد الوباء أو الجائحة، ويخشى الأفراد على حياتهم يلجأون إلى ما يعرف بالحجر الصحى، وهو مكان يعزل فيه الأشخاص أو الحيوانات التى قد تحمل خطر العدوى، وتتوقف مدة هذا الحجر على الوقت الضرورى الذى يحدده الأطباء لتوفير الحماية الصحية للمجتمع ككل.



وهو ما يحدث فى مصر وكثير من دول العالم الآن، لمواجهة خطر انتشار فيروس كورونا، فحماية المجتمع فرض واجب على كل فرد فيه، قبل أن تكون مسئولية الدولة.



ولكن هناك حجرا عكسيا غير صحى، طبقيا وعنصريا، يطبقه أثرياء مصر منذ الثمانينيات من  القرن الماضى، وزادت وتيرته مع بداية الألفية الجديدة فيما يسمى بظاهرة الكمبوند، والأخير هو تجمع سكنى فاخر جدا؛ لا يستطيع تحمل تكلفة السكن فيه سوى الأثرياء من أصحاب الملايين والمليارات، محاط بسور شديد الإحكام، مزود بكاميرات مراقبة، وحراسة أمنية مشددة، لا يستطيع دخوله سوى من يحمل تصاريح الدخول. وفى دراسة رائعة قامت بها الباحثة المتميزة د. أمانى قنديل المتخصصة فى العلوم السياسية ودراسات المجتمع المدنى، بعنوان الحراك الاجتماعى فى مصر.. محاولة للفهم، أطلقت على سكان الكمبوندات أهل القمة.. الأثرياء الجدد ممن ينفقون ملايين الجنيهات على شراء فيلات أو قصور بالساحل الشمالى أو داخل المناطق المعزولة المغلقة فى محاولة منهم لعزل وتمييز أنفسهم عن باقى فئات المجتمع.



وقد ابتكر هؤلاء الأثرياء حجرا عقاريا، يتسم بالعنصرية والطبقية الفجة؛ حتى يبتعدوا عن باقى طبقات المجتمع، الذين يعانون ضغوطا اقتصادية متفاقمة، جعلتهم يسكنون العشوائيات والمقابر، وعلب الصفيح.



رأى هؤلاء الأثرياء أن معيشتهم بجوار من هم أقل منهم فى المستوى الاقتصادى، قد يثير سخط وغضب الآخرين عليهم، ويعرضهم للأخطار، ولعل أقلها الحقد، والنقد.



فقرر الأغنياء أن يطبقوا حجرا طبقيا يحميهم من عيون الفقراء، يمارسون فيه نمط حياة سلوكى واستهلاكى مغاير تماما لما يمارسه باقى أفراد المجتمع.



بل ومما يزيد الأمر سخفا، أن نمط الإعلانات عن هذه الكنتونات السكنية الكمبوند يأتى مملوءا بالعنصرية كأن يظهر إعلان يرفض دخول الصعايدة للكمبوند، حيث يظهر بالإعلان امرأة تظهر بمظهر أنيق وتجرى اختبارات للمتقدمين بشراء وحدة سكنية بالكمبوند، وبمجرد أن تكلم المشترى بلكنته الصعيدية، رفضت طلبه للسكن فى الكومبوند.



وهناك شركة عقارية نشرت على صفحتها الرسمية على الإنترنت صورة كاريكاتيرية تقارن الصورة بين مستوى السكن بالكمبوند ومعدلات الرقى به، وبين ساكنى العشوائيات.



على الناحية الأخرى من انتشار إعلانات الكمبوندات الموجودة بأرجاء الجمهورية تظهر إعلانات التبرعات، سواء للمستشفيات أو للجمعيات الخيرية لمساعدة الفقراء، والمعدمين ممن لا مأوى آدمى لهم. والأكثر من هذا، أن امتدت العنصرية والطبقية للأموات، فهناك كمبوند مقابر لأصحاب الطبقة الراقية ورجال الدولة أعلن عنها من خلال موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك، حيث أعلنت إحدى الشركات العقارية أن مقدم الحجز يبدأ من 13750جنيهًا، وأشارت إلى أن مساحة المشروع 11 فدانًا، بالإضافة إلى أن المكان مغلق بسور وبوابات دخول وخروج. وبعيدا عن اتهامات البعض بالغيرة أو الحقد الطبقى أو غيرها.. لقد تحولت فكرة الكمبوند إلى ثقافة حقيقية تتسرب إلى جميع أوجه حياتنا، والأخطر إلى تفكيرنا، حيث الكل يسعى إلى العيش وسط من يشبهونه، يريد خصخصة كل شيء لصالحه، من الطريق إلى النادى، ومن الشاطئ إلى حمام السباحة، يحاول تفصيل كل شيء على مقاسه ومقاس من يشبهونه فى الثروة والطبقة الاجتماعية، ويضيق ويأنف جدا ممن لا يشبهونه!!



وهى مسألة بالغة الخطورة على السلم والأمن الاجتماعى، كما أن لها أبعادا نفسية واجتماعية خطيرة للغاية؛ حيث تساعد على انتشار الجريمة، وخلق حالة من الحقد والاحتقان الطبقى فى المجتمع، واستفزاز المواطنين البسطاء الذين يعانون بحثًا عن توفير لقمة العيش فى ظل غلاء الأسعار وتأزم الوضع الاقتصادى والاجتماعى، ويقسم المجتمع بين قاطنى العشش وقاطنى القصور.



 الأمر الذى يدق ناقوس خطر حقيقى يستوجب التفكير، عن الأسباب والنتائج، وطرق المواجهة. وأختم مقالى بالأسئلة التالية:



 هل ما يتبعه الأثرياء من حجر طبقى يعد صحيا للمجتمع أم لا؟



من أى خطر أو مرض سوف يحتمى الأثرياء؟



هل الحجر الطبقى فى صالح الأثرياء؟



حمى الله مصر وشعبها وجيشها من كل مكروه. راودتنى هذه الكلمات وأنا فى المستشفى على فراش المرض فليعذرنى القارئ  الكريم.