عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
اللقاحات..«أزمة ثقة» !
14 مارس 2020
‎مها صلاح الدين


بعدما تجاوزت كورونا حدود الصين، لتصيب نحو ٨٠ دولة أخرى وتجاوزت مرحلة الوباء العالمى، دخل الباحثون فى صراع مع الوقت لتطوير لقاحات سريعة لمواجهة الفيروس اللعين، قبل أن يواصل انتشاره حول العالم، ويحصد المزيد من الأرواح. لكن حتى لو نجح العلماء فى التوصل للقاحهم المنشود مع نهاية العام الجارى، وفقا لأكثر التقديرات تفاؤلا، ستظل أمامهم مهمة أكبر تتمثل فى إقناع الناس أنفسهم بتلقيه، لرفع مناعتهم فى مواجهة الفيروس الفتاك.



ليس هراء، فالتشكك فى جدوى اللقاحات من الأساس، والتخوف من تنشيطها لبعض الأمراض الجينية الكامنة فى جسم الإنسان كـ «التوحد»، على سبيل المثال، بات توجها عالميا كبيرا لا يمكن تغافله، إلى الحد الذى صنفته منظمة الصحة العالمية ضمن التهديدات العشر الأكبر التى تعترى الصحة حول العالم. والعجيب فى الأمر أن مثل تلك الشائعات، التى لا أساس لها من الصحة، لا تخرج من الدول التى يتراجع فيها مستوى التعليم والوعى، أو يتدنى بها متوسط دخل الفرد، بل تنتشر فى الدول التى تصنف ضمن دول العالم الأول.



فوفقا لاستطلاع «ترحيب الثقة» العالمى، الذى شمل١٤٠ دولة ، كانت النتائج التى خرجت من فرنسا مفاجئة للجميع ، إذ أكد واحد من كل ثلاثة أن التطعيمات غير آمنة، معارضين فكرة حصول الأطفال عليها. وهو ما دفع الحكومة الفرنسية إلى فرض التطعيمات بشكل إجبارى على الأطفال، خاصة وأن البلاد بدأت تشهد موجات تفشى شرسة من مرض الحصبة. النتائج نفسها تقريبا، خرجت من إيطاليا المجاورة، مما اضطر السلطات إلى حظر دخول الأطفال،الذين لم يحصلوا على تطعمياتهم، المدارس، فضلا عن إجبار ذويهم على دفع غرامات مالية باهظة، نظير تقاعسهم‪.‬ الولايات المتحدة أيضا تعانى تفشيا واسعا لمرض الحصبة، لم تعهده من عقود، بعد عزوف المواطنين عن «تطعيم» أبنائهم، خوفا منذ احتمالات المخاطر الصحية التى قد يفجرها اللقاح. الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل يزداد مأساوية فى دول غرب وشرق أوروبا، حيث تنهار نسب ثقة الأفراد فى اللقاحات إلى ٥٠٪ تقريبا وما دونها، لتصل فى مولدوفا إلى ٤٩٪، وروسيا البيضاء إلى ٤٦٪، وهى نفس الدول التى سجلت أعلى نسب إصابات بالحصبة فى أوروبا خلال ٢٠١٩، إذ بلغ إجمالى الحالات المؤكدة نحو ٥٤ ألف حالة.



وتعليقا على النتائج الكارثية التى خرجت بها الدراسة، اعتبرت منظمة الصحة العالمية أن العالم بذلك يخطو خطوة إلى الخلف فى مجال مكافحة الأمراض الفتاكة ، فى وقت كان من المفترض فيه أن يقترب نهائيا من القضاء عليها. ويعد «الانترنت» أحد الأسباب الرئيسية وراء تعزيز ذلك الشعور المتنامى فى فقدان الثقة، إذ يتم تدوال مقالات وتعليقات تربط بين اللقاحات والعديد من الأمراض، دون أى أساس أو سند علمى. كما اعتبر المحللون أن ارتفاع التكلفة أيضا فى بعض الدول، خاصة تلك التى لا يغطى فيها التأمين الصحى بعض الأسر، يعد سببا رئيسيا وراء تخاذل الكثيرين عن تطعيم أبنائهم، بل وأحيانا تؤدى ثقة بعض الدول فى أنها قد لا تتعرض لنوبات شرسة من مرض بعينه، يدفع الأسر للتخاذل عن تطعيم أبنائها، لتفادى أى مخاطر صحية محتملة. لذا، فإن أى جهود دولية فى مكافحة مرض بعينه، والتصدى له يجب أن تتضمن قبل أى شىء، تدريب العاملين فى القطاع الطبى على أعلى مستوى، بحيث يمكنهم تقديم إجابات وافية ومقنعة للآباء، تفند أى تخوفات لديهم من شائعات «بلهاء».