عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
صناعة الإنسان
5 مارس 2020
وفاء صندى


عندما نتحدث عن التطوير والقيادة وتقدم الأمم وازدهارها فنحن نتحدث بالأساس عن الانسان باعتبار الاستثمار فيه هو ضمانا لأمن وسلامة المجتمع وصناعة للنجاح. وعندما نتحدث عن التخلف والتدهور والاضمحلال فنحن نتحدث، أيضا عن الإنسان على اعتبار إهماله وإهمال تكوينه عاملا أساسيا لتراجع المجتمعات وصناعة الفشل.



«الإنسان» هو كلمة السر التى تميز بين المجتمعات المنتجة والامم المتقدمة، وبين المجتمعات المحدودة والامم المتخلفة عن الركب. من هنا كانت صناعة الإنسان هى احد أهم أولويات الدول المتقدمة، من خلال الاهتمام بالصحة، والتنشئة الاجتماعية وتطوير منظومة التعليم ومواكبة التطور التقنى وصقل المواهب، وتكثيف دورات التكوين والتدريب، والتشجيع على القراءة، والاهتمام بالبعد النفسى والاجتماعى للمواطن - الانسان. أما فى اغلب دولنا العربية، فربما لم نوقن بعد بأن الإنسان هو سر التقدم والتطوير، وبالتالى لم نسع لإصلاحه وتكوينه، كما يجب، ولم نجعل الاستثمار فى صناعته هو الاستثمار الأول والأهم. وهذا ما يعكس حالة الخلل الذى تعيشه مجتمعاتنا وحالة الانفصام وقلة المردودية التى تطبع شبابنا وتدفع أجيال بكاملها ثمنه. ما يعنى ان هناك حاجة، اذا ما اردنا فعلا تغيير هذا الواقع، الى صناعة الإنسان فكرا وسلوكا، وتحويل وجوده من مجرد شخص متلق واستهلاكى الى شخص منتج ومبدع. الشعوب العربية تزخر بالكثير من العقول القادرة فعلا على صناعة التغيير اذا ما تم الاستثمار فى تكوينها وتأطيرها ومنحها الثقة. ولكى يتحقق ذلك لابد من اتخاذ مجموعة من الخطوات منها:



أولا، بلورة برامج تعليمية تقوم على تحديد تخصص ومجال إبداع كل شخص والمجال الأمثل الذى يتناسب مع نوعية الذكاء لديه وقدراته ورغباته وطموحاته وتكوينه. ما يعنى تهيئة الطفل فى المراحل التعليمية الاولى وتحديد رغباته وتوجهاته والعمل على تقويمها من أجل ان تخرج المدارس والجامعات كوادر وكفاءات متخصصة فى جميع التخصصات التقنية والتعليمية والمهنية بجميع أنواعها. ثانيا، تأهيل هذا الشخص ليصبح منتجا فى المستقبل ومبتكرا لأساليب عملية يطبق فيها ما تعلمه، وذلك من خلال صقل شخصيته ورفع كفاءته وتأكيد إمكاناته من خلال وضعه فى المكان المناسب له. ثالثا، إيجاد توجه مجتمعى يدفع الناس للبعد عن الوظائف الحكومية والتوجه نحو مشاريع خاصة يتم توفير كل الإمكانات والتسهيلات من أجل تحقيقها والاستفادة منها. إن النهضة المطلوبة أساسها صناعة الإنسان، ثم بعد ذلك ننتقل إلى الصناعات الأخرى التى يسهم فيها الإنسان. فهذا الاخير هو أهم أدوات التنمية فى الدولة وهو المحرك والقوة العقلية التى لا يمكن إيجاد بديل لها مهما صنع من أدوات تقنية وربوتات تحاكى طبيعة الانسان، لذا فإن أفضل استثمار هو صناعته وتنمية قدراته وصفاته التى تمكن من بناء المستقبل والمحافظة على الثروات والمقدرات والتقدم الاقتصادى للدولة. لاشك ان هناك بعض النماذج الناجحة لصناعة الإنسان فى العالم العربى ومنها نموذج دولة الإمارات. فهذه الدولة التى تحولت من منطقة صحراوية حارة ذات كثافة سكانية قليلة ومصادر ثروات طبيعية ضئيلة، قبل اكتشاف النفط فى بدايات النصف الثانى من القرن الماضي، الى واحة خضراء عرفت تقدما كبيرا فى وقت وجيز بفضل رؤية سديدة وقيادة حكيمة وحسن استغلال الثروات فى تنفيذ مشاريع تنموية، ظهرت نتائجها سريعا على ارض الواقع. وعندما نتعمق فى مسار دولة الامارات ما بعد البترول نجد ان رهانها كان ولا يزال على صناعة الإنسان، الذى من خلاله فقط نستطيع بناء الاوطان على اساس متين. وكانت الخطوة الاولى هى توفير أهم الاحتياجات الأساسية للمواطن الاماراتي، وعلى رأسها السكن، حيث تم توفير المنازل العصرية لكل مواطن، فتحولت الإمارات الى دولة عملاقة بمنازل رقمية وناطحات سحاب زجاجية وما صاحب ذلك من ثورة صناعية خاصة فى مجال الألومنيوم والزجاج. ومن اجل صناعة الإنسان سخرت الإمارات ايضا كل إمكاناتها من اجل تحقيق نهضته وتقدم دولته، وكان التركيز على العلم، حيث قال الشيخ زايد، رحمه الله، إن العلم هو الطريق الوحيد للنهضة والتقدم ، ودولة الإمارات حريصة على المشاركة قولا وعملا فى دعم استراتيجية التنمية ونقل التكنولوجيا إلى دول العالم الثالث. والإمارات أصبحت اليوم تصنع وتصدر شبابا اماراتيين تعلموا واحترفوا فى جميع المجالات وبدأوا يستكملون بناء وطنهم بأيديهم ويباشرون مشاريعه الكبرى، ويخططون ويوجهون، ايضا، تجارب الدول المجاورة ويسهمون فى تخطيط وتنمية الدول النامية. وعلى نهج الإمارات، يجب ان تفكر دول اخرى فى صياغة حقيقية لصناعة الإنسان وأن تحرص على تطبيق جميع الاستراتيجيات التربوية والتعليمية التى تفرز اجيالا إيجابية ومنتجة، مع الاستثمار فى الطاقات الشبابية بالتوجه إلى المشروعات الطموحة ودمج الكفاءات لتحقيق التنمية الشاملة التى نرجوها لدولنا ومجتمعاتنا.