عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
إدلب مقبرة أردوغان
1 مارس 2020
مصطفى السعيد


خسائر جسيمة لحقت بالجيش التركي، حيث لقى 37 جنديا وضابطا مصرعهم فى يوم واحد قرب مدينة سراقب السورية، وعشرات من الجرحى كانت طائرات الإسعاف المروحية التركية تسابق الزمن لنقلهم من شمال سوريا ومحاولة إنقاذهم، فى مشهد كابوسى لم يتوقعه أردوغان، فقد كان يظن أن بإمكان قواته أن تساعد الجماعات المسلحة الموالية له فى إعادة السيطرة على مدينة سراقب السورية، وقطع الطريق الدولى الذى يربط حلب بكل من حماة وحمص ودمشق ويمتد إلى معبر نصيب على الحدود الأردنية، والطريق الدولى الآخر الذى يربط حلب بميناء اللاذقية.



كيف تورط الجيش التركى فى صدام مباشر من الجيش السورى المدعوم بسلاح الجو الروسي؟ وماذا سيفعل أمام الخسائر الجسيمة التى تلحق به؟ لقد طلب أردوغان وقف إطلاق النار، وحاول اللقاء بالرئيس الروسى بوتين وإقناعه بوقف القتال وأن يتدخل لسحب القوات السورية من جنوب وشرق إدلب وشمال حلب، لكن الموقف الروسى متوافق مع الموقف السورى والإيرانى بأن لا وقف للقتال قبل استكمال دحر الجماعات المسلحة السورية فى جيب ضيق بعيدا عن الطريقين الدوليين، ليتقلص طموح أردوغان إلى الحضيض، وتكون إدلب مقبرة دولة الخلافة العثمانية الجديدة قبل أن تولد، فهى المعقل الأخير للجماعات المسلحة التى انسحبت من عموم سوريا، وجمعت كل المدحورين من شرق حلب وغوطتى دمشق الشرقية والغربية وحتى منابع نهر بردي، وبعض أحياء وبلدات حمص وحماة وحتى ريف اللاذقية، ونقلت الحافلات الخضراء كل من رفضوا الاستسلام وتسوية أوضاعهم والعودة إلى حضن الدولة السورية، وأصروا على القتال، وكانوا قد صدقوا دعاة التكفير الذين بشروهم بالنصر وإعادة الخلافة العثمانية، التى رأوا فيها بعثا جديدا للإسلام على أيادى داعش والنصرة ومختلف الجماعات الإخوانية القادمة من نحو 90 دولة.



كان أردوغان قد راوغ طويلا فى تنفيذ الاتفاق مع روسيا وإيران بسحب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من الجماعات الموالية لتركيا، وفصل جماعة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة وباقى الجماعات القادمة من تركستان وآسيا الوسطى لما تعتقد أنه فتح جديد لسوريا وباقى دول المنطقة، لكن أردوغان لم ينفذ أيا من تلك الوعود، وقال إن من الصعب الفصل بين تلك الجماعات، بل وأمدها بأسلحة متطورة مضادة للمدرعات والطائرات بدلا من تجريدها من السلاح، عندئذ بدأ تنفيذ الهجوم العسكرى السورى على معاقل تلك الجماعات فى ظل الدعم الجوى واللوجستى الروسى والإيراني، لكن أردوغان لا يصدق سوى أوهامه، وأعتقد أن تلك الجماعات بمقدورها أن تهزم الجيش السوري، خاصة مع تزويدها بالأسلحة المتطورة، وتعزيز تحصيناتها وشبكات الأنفاق التى تستخدمها لتجنب الضربات الجوية للطائرات السورية والروسية، لكن الانهيار فاق كل توقعات أردوغان وجنرالات جيشه، وتسابقت الجماعات الجهادية على الهرولة نحو الحدود التركية، تاركة أسلحتها ومواقعها وشبكات أنفاقها، وعندئذ لم يجد أردوغان سوى قرار التورط المباشر فى الحرب، ودفع بكتائب كاملة من المدرعات نحو المواقع السورية، معلنا أن قواته جاءت لطرد الجيش السورى من الأراضى السورية التى كانت تسيطر عليها القوات الموالية له، وأمهلها حتى نهاية الشهر الحالي، لكن الانهيار المفاجئ للقوات الموالية لأردوغان جعله لا يستطيع الانتظار، حيث سيكون الجيش السورى قد أنهى المهمة قبل انتهاء المهلة، فدفع بجيشه الذى يحتل المركز الثانى فى حلف الناتو بعد الجيش الأمريكي، لكنه فوجئ بتعرض أرتاله المدرعة لغارات مكثفة ألحقت به خسائر جسيمة، واستغاث بحلف الناتو ليشاركه القتال، ورأت الولايات المتحدة أن تستغل الخلاف العنيف بين روسيا وتركيا، وتدعو إلى إعادة ترميم التحالف الأمريكى الخليجى التركى لدعم الجماعات المسلحة السورية، لكن الوقت تأخر كثيرا، فقد سبق لهذا التحالف أن خسر الكثير من المعارك وهو موحد، ومن الصعب رأب الصدع الكبير بين دول الخليج وتركيا، وإن كانت واشنطن تأمل فى إعادة إشعال الحرب الإقليمية لاستنزاف سوريا وإيران وروسيا، لكن هذا التحالف الأمريكى المتداعى لا يمكنه أن يراهن على جماعات تكفيرية مهزومة فى إعادة تدوير حروب مكلفة، حتى إن كان الرئيس الأمريكى ترامب يرى أن إشعال معارك إدلب قد تؤخر خروج الولايات المتحدة من العراق وشرق سوريا، وأن تنقذ بعض هيبتها، لكن الآمال الأمريكية معلقة بخيط هش من الدخان.



مازال أردوغان ينتظر معجزة بأن يسارع حلف الناتو لدعمه فى مواجهة روسيا وإيران وسوريا والقوات الحليفة، وهو أمل بعيد المنال، فقادة هذه الدول تدرك أن الحرب قد أوشكت على نهايتها، وأن الهزيمة مؤكدة، ولهذا سيدرك أردوغان أن تراجعه أو مطالبته بوقف إطلاق النار والحل السلمى فات أوانه، ولن يحصد منه شيئا، وسوف يعود بهزيمة ثقيلة إلى الشعب التركي، الذى سيدرك أن أردوغان قد خدعه، ولم يأت له بالنصر وإعادة دولة الخلافة العثمانية الجديدة، وإنما عاد إليهم من سوريا بالهزيمة والعار، وأن عليه أن يرحل.