عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
ألمانيا والتراخى فى مواجهة التطرف
27 فبراير 2020
رسالة فرانكفورت : أحمد عبد المقصود
لحظات من الهلع اصابت المشاركين فى احتفالات اثنين الورود


ما بين تصريحات هورست زيهوفر وزير داخلية ألمانيا فى مارس 2018، بأن «الإسلام ليس جزءًا من ألمانيا» وبين تعقيب المستشارة أنجيلا ميركل بأن «الإسلام صار جزءا من ألمانيا»..يعيش المسلمون هناك حالة من عدم الشعور بالأمان بسبب عدم جدية حكومة الائتلاف الحاكم فى مواجهة الأفكار والتنظيمات المتطرفة التى تدور فى فلك الأحزاب اليمينية الشعبوية.. التى تقف وراء دعوات قتل المسلمين وطردهم.



دماء المسلمين التسعة بالإضافة إلى الجانى وأمه التى اريقت على أرضية مقهى عربي فى مدينة «هناو» القريبة من عاصمة المال فرانكفورت..ما هى إلا نتاج تراخ واضح من أجهزة الأمن المختلفة تجاه ما يعرف بالمتطرفين اليمينيين الذين يقفون بافكارهم وراء هذا الجانى المختل عقليا. كما أنها من المتوقع ألا تكون الأخيرة كما صرحت الأجهزة الأمنية عقب إلقاء القبض على خلية إرهابية مكونة من 12 شخصا كانت تخطط لتفجير المساجد فى مدن ولاية شمال الراين.. وذكرت صحيفتا «دير شبيجل» و«بيلد» أن هذه المجموعة كانت تخطط لشن هجمات ضد المساجد في أوقات إقامة الصلاة.. وقالت إن هذه المجموعة كانت تخطط أيضا لهجمات على مسئولين سياسيين وعلى المسلمين.. لإشاعة أجواء تشبه الحرب الأهلية فيها. وبالفعل، فبعد حادث «هناو» بيومين فقط قاما آلمانيان بإطلاق النار علي مقهي «للأرجيلة» في مدينة شتوتجارت، لكن لم يسفر الحادث عن وقوع ضحايا أو إصابات نظرا لعدم وجود أشخاص داخل المقهي.. وفي صباح الاثنين الماضي، وخلال إحتفالات «اثنين الورود» بمدينة فولكمارسين بولاية هيسن غرب آلمانيا.. قام شخص ألماني آخر بقيادة سيارته مقتحما الكرنفال مما أسفر عن إصابة أكثر من 30 شخصا.



وما يعزز فرضية حدوث هجمات أخرى أيضا قيام جماعة تنتمي لـ «النازيين الجدد» بتوزيع منشورات تحمل رمز النازية «الصليب المعقوف»  وتتضمن تهديدات علنية للمسلمين فى أحد أحياء مدينة  كولونيا وسط ألمانيا.. والتى تعيش فيها جالية مسلمة كبيرة كما يوجد بها مقر المجلس المركزى للمسلمين فى ألمانيا.. وتم توزيع رسائل على صناديق بريد بعض السكان المسلمين تهددهم وتحذرهم من البقاء فى المانيا.



رسائل التهديد والوعيد ضد المسلمين لم تنقطع منذ فتحت المانيا أبوابها لاستقبال اللاجئين..وعلى مدى السنوات الماضية بدأت تتصاعد بشكل يدعو إلى القلق وينذر بوقوع حوادث قتل وسفك للدماء..وكان من المفترض أن تعلن الأجهزة الأمنية حالة الاستنفار لحماية الجاليات المسلمة. ولكن ما حدث كان عكس ذلك تماما فقد كانت ترى أن هذه التهديدات لا تدعو إلى القلق ولا تحتاج إلى مزيد من الإجراءات الأمنية، إلى أن جاء حادث «هناو» ليكشف خطأ تقديرهم ويضعهم موضع اتهام أمام الجاليات الإسلامية..وهو الأمر الذى دعا وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر إلى الإعلان عن زيادة الحراسات الأمنية على «المنشآت الحساسة» ولا سيما على المساجد..بالإضافة إلى تكثيف وجود الشرطة في محطات القطارات والمطارات والمناطق الحدودية..ولم يستبعد وزير الداخلية وقوع هجمات مشابهة وردود فعل انتقامية على هجوم هناو.. خاصة في ظل الفعاليات الكبرى التي تشهدها البلاد حاليا والمتواصلة أيضا في الأيام المقبلة..ومنها احتفالات الكرنفال..جاءت هنا تصريحات زيهوفر لامتصاص غضب المسلمين فقط.



ولكن «أنيته فيدمان» مفوضة الحكومة الألمانية لشئون الاندماج كانت أكثر صراحة فى مواجهة الأمر حيث قالت في مقابلة مع صحف مجموعة «فونكه» الألمانية انه يجب علينا اتخاذ المزيد من الإجراءات ضد العداء للمسلمين.. وقالت إنها ستتحدث إلى جميع زملائها من الوزراء المعنيين حول ما إذا «كنا نفعل ما يكفي ضد التطرف اليميني وجرائم الكراهية».



وطالبت «فيدمان» بتشكيل لجنة خبراء ونقاط اتصال موثوقة للأشخاص المهددين في أنحاء ألمانيا وتمويل إجراءات الحماية بشكل مستدام. وحذرت من تراخى عملية المواجهة وانتظار الهجوم القادم.. واتفق معها زكريا ألتوج، المتحدث باسم مجلس التنسيق الإسلامي، حيث أيد اقتراح تشكيل لجنة خبراء..وطالب بإعادة النظر فى الحوار الدائر حول سبل المواجهة، مؤكدا أنه يجب الاعتراف بمشكلة «الإسلاموفوبيا» فى ألمانيا.



ولكن الجالية المسلمة تشعر أن الإجراءات التى أعلن عنها وزير الداخلية جاءت متأخرة للغاية، حيث سبق للمنظمات الإسلامية أن حذرت من زيادة التطرف اليميني منذ مدة.. وسلمت للجهات المعنية العديد من خطابات التهديد وطالبت بتشديد الإجراءات الأمنية..ولكن مطالبها لم تجد أى استجابة.. بل إن الرد كان يأتى دائما مزيلا بجملة «لايوجد خطر واضح». وهذا ما دفع أيمن مزيك، رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، إلى التعقيب على هجوم «هناو» بالقول إن الإرهابيين اليمينيين شعروا بالتشجيع بعد خمول السياسيين والسلطات الأمنية في حماية المسلمين والأقليات من مثل هذه الأعمال القاتلة.. ودعا المسلمين لاتخاذ إجراءات الحماية الخاصة بهم وبأسرهم وأماكن عبادتهم ومؤسساتهم ولا يعتمدون على الأجهزة الأمنية..وحذر مزيك عدة مرات من أن المساجد غير مؤمنة بما فيه الكفاية.. وقال إن هذا ليس خطرا مفترضا بل إنه خطر حقيقي. وطالب المسلمين في ألمانيا بتوفير مزيد من الحماية للمساجد على غرار دور العبادة  والمؤسسات والمدارس اليهودية.. التي تحصل على حماية خاصة وعلى مدى الساعة.



الحقيقة هنا أن تأمين الجاليات المسلمة فى ألمانيا، والتى يصل عددها إلى 4.5 مليون مسلم، يعد ضربا من الخيال ولن يتحقق على أرض الواقع ..فقد انتشرت بصورة كبيرة عقب موجات تدفق اللاجئين..المقاهى التى تقدم «الأرجيلة» والمطاعم العربية فى جميع الولايات بشكل يصعب على الأجهزة الأمنية توفير الحماية والأمن لها.. وهذا ما التفتت إليه بعض الأصوات من الأحزاب والسياسين حيث طالبوا بمواجهة حاسمة وجادة مع الأحزاب اليمينية الشعبوية المتطرفة التى تقف وراء هذه التهديدات بشكل مباشر أو غير مباشر بنشر أفكارها المسمومة بين صفوف الشعب الألماني.



أفكار هذه الأحزاب مثل «حزب البديل من أجل ألمانيا» تنتشر بصورة كبيرة بين الألمان الذين بدأوا فى تشكيل مجموعات صغيرة تدعو إلى الأفكار النازية وعدم قبول الآخر..وهذا ما دفع بعض السياسيين بتوجيه أصابع الاتهام بعد حادثة هناو إلى حزب البديل من أجل ألمانيا ذى التوجه اليمينى، والذى يحتل 89 مقعدا من أصل 709 في البرلمان الاتحادي «بوندستاج»، كما أن له أعضاء في برلمانات الولايات المختلفة حيث وصفوه بأنه الذراع السياسية للكراهية.. وطالب برلمانيون مثل «لارس كلينجبايل» الأمين العام للحزب الاشتراكي الديمقراطي بوضعه تحت مراقبة هيئة حماية الدستور (المخابرات الداخلية)، وقال في تصريحات لشبكة ARD إن هناك شخصا أطلق النار في هناو.. لكن هناك آخرين أمدوه بالذخيرة ومن بينهم بالتأكيد حزب «البديل من أجل ألمانيا». وطالب سلطات الأمن باتخاذ قرار عاجل في هذا الشأن. ووصف هوبرتوس هايل نائب رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف بأنه «مشعل حرائق فكرية».



وقال في تصريحات «لوكالة الأنباء الألمانية» على هامش فعالية للتضامن مع ضحايا الحادث الدموي في هامبورج إنه علينا أن نقف بقوة في مواجهة اليمين. ومن جانبه ربط «كونستاتين فون نوتس» النائب الألماني من حزب الخضر في حديث لصحيفة «هاندلس بلات» بين هجوم هناو هجمات أخرى عنصرية مثل تلك التى حدثت في نيوزيلاندا العام الماضي وأسفرت عن مقتل 51 مسلما والتى جاءت أيضا  لأسباب عنصرية واضحة. الفاعل الأصلى لحادثة هناو لم يكن ذلك المعتوة الذى قتل 9 مسلمين ثم قتل أمه قبل أن ينتحر..بل هى تلك الأحزاب، التى تنشر الأفكار الهدامة والإرهابية بين الشعب الألماني، الذى يرفض معظمه هذه الأحزاب ويطالب بمحاكمتها.. كما تتحمل أجهزة الأمن والحكومة الألمانية جزءا كبيرا من هذا الهجوم لتقاعسها عن حماية من يعيشون على أراضيها وتهاونها فى مواجهة الأفكار الإرهابية ..بل إنها للأسف لم تلتفت إلى خطابات التهديد التى كانت تصل لمنازل المسلمين.