أشقاء وقت المحنة.. شركاء فى الرخاء
هكذا تمضى الايام سريعا لتعود مجددا ذكريات العزة والفخار الوطني.. ها هو فبراير الجميل يطل على بلادنا حاملا كعادته أضواء البهجة والأمل.. مدشنا الاحتفال بأعيادنا الوطنية المجيدة.. العيد الوطنى التاسع والخمسين، وذكرى التحرير التاسعة والعشرين، ومواكبا لاحتفالنا بمرور أربعة عشر عاما على تولى صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مقاليد الحكم فى دولة الكويت، ناثرا على أرضنا الطيبة ذكريات عطرة تفوح منها رائحة زكية معبقة بالدماء الطاهرة التى سالت فى حرب التحرير.. والقلوب العامرة بحب الوطن التى أثمرت جهودها عن إطلالة الكويت كدولة فتية ناهضة تمتلك زمام أمورها بالكامل.. وتسهم فى مسيرة الإنسانية بسواعد أبنائها وعقولهم جنبا إلى جنب مع الدول الشقيقة والصديقة.
أيام مجيدة نستذكر فيها جهود ابناء الكويت من اجل استكمال استقلالهم وصياغة دستورهم الذى يعد نموذجا فى الحريات والحقوق.. كما نستذكر ذكرياتنا فى ملحمة التحرير التى تمت بمساعدة الأشقاء والأصدقاء، وفى مقدمتهم مصر العزيزة التى تستحق وقفاتها التاريخية المشرقة ان نذكرها بكل الحب والعرفان.
والحديث عن العزيزة مصر التى نذكرها فى اعيادنا المجيدة دائما هو حديث ذو شجون.. يثير فى النفس معانى الوفاء والإخاء، ويجسد المبادئ الراسخة التى انطلقت على هداها مسيرة التعاون العريق بينهما.. والذى يفصح عن نفسه عبر حلقات متصلة ومتراكمة من العطاء المتبادل والشراكة الجادة والتفاهم الوثيق الذى قلما يوجد له نظير بين الدول.
ويحلو لنا فى هذه الأيام ان نتوقف عند لمحات مضيئة فى مسيرة التعاون لنقف على معنى العنوان العريض الذى يلخص هذه المسيرة: أشقاء وقت المحنة.. شركاء فى الرخاء, والذى أعتبره أصدق ما يمكن ان توصف به علاقات البلدين الشقيقين، فهو معنى يضفى على العلاقات لمسات من الخصوصية والمحبة التى تتجاوز كونها مجرد علاقات دبلوماسية بين بلدين شقيقين.
ولعل ذلك المناخ الطيب الذى اتسمت به العلاقات بين البلدين ما يفسر التأييد الجارف التى حظيت به القضايا المصرية بين أبناء الكويت، فعندما تعرضت مصر لعدوان ثلاثى غاشم عام 1956 كانت الكويت تشتعل محبة وتعاطفا، وتبنى الكويتيون حملة شعبية لجمع التبرعات لصالح المقاومة الباسلة فى مدن القناة..بحيث لم يبق فى الكويت رجل او امرأة.. كبير او صغير إلا وشارك فيها بقدر استطاعته تعبيرا عن المساندة التامة للشقيقة مصر.
ولم تكد تمر سنوات قليلة إلا وكان البلدان على موعد آخر يبرز مشاعر الإخوة والتساند فى السراء والضراء، فعندما تعرضت الكويت لتهديدات من حاكم العراق عقب إعلان استقلالها عام 1961 بادرت مصر بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر بتصدر الجهود الداعمة لحقوق الشعب الكويتى وكانت للرسالة التى وجهها عبدالناصر تأييدا لاستقلال الكويت الدور الحاسم فى إجهاض هذه التهديدات، كما اسست هذه الوقفة لنظرية ارتباط الأمن القومى بين البلدين.
وقد كان هذا المفهوم على موعد للاختبار بعد ذلك بسنوات عندما تعرضت مصر لاعتداء غاشم فى يونيو 1967 ، فكانت الكويت فى مقدمة الدول التى سارعت بتقديم الدعم السياسى والمادى لتكريس الصمود وإعادة البناء.. وواصلت دعمها مع الاشقاء طوال حرب الاستنزاف، وعمدت الى إيفاد ثلث جيشها بكل عتاده الى الجبهة المصرية ليحظى بشرف المشاركة فى نصرأكتوبر المجيد.. ولم تكتف بذلك، بل تصدرت جهود المقاطعة العربية لحظر تصدير البترول إلى الدول الداعمة للعدوان الاسرائيلى، وتعهدت بمساندة جهود الإعمار والتنمية التى شهدتها مصر عقب النصر العظيم، وفتحت أبوابها للكوادر المصرية التى أسهمت تحويلاتهم المالية فى دعم الاقتصاد الوطنى المصرى بشكل مباشر، وتبنى الصندوق الكويتى للتنمية العربية خطة طموحة لتمويل المشروعات التنموية والإنتاجية لا تزال حلقاتها مستمرة حتى اليوم، بما جعل الشقيقة مصر فى مقدمة دول العالم التى تتلقى تدفقات تمويلية لمشروعاتها فى شتى القطاعات بما يتجاوز 50 قرضا و18منحة فنية تقترب قيمتها من اربعة مليارات دولار.
وتواصلت محطات الشراكة فى السراء والضراء بين البلدين الشقيقين، لتصل الى منعطف جديد عام 1990، وهو العام الذى تعرضت فيه الكويت لاعتداء غاشم وغزو مباشر لأراضيها مهددا وجودها كدولة وكيان، ورغم المصالح المتشعبة التى كانت تربطها مع المعتدى، فأنها لم تتردد، ولم تستغرق وقتا طويلا لتحسم خيارها، وكانت استجابتها الفورية لنداء الكويت درسا فى معانى الإخوة والانحياز للحق الذى ينسجم مع تاريخ التعاون بين الأشقاء، وبادرت بتصدر الجهود الدبلوماسية لإدانة العدوان وطرد المعتدين، وعندما بدا ان لا مفر من استخدام القوة لإعادة الحقوق لأهلها ، لم تتأخر عن إيفاد طليعة قواتها للمشاركة فى حرب التحرير التى نحتفل بذكراها التاسعة والعشرين هذه الأيام فى موقف لا ينساه الكويتيون، ويذكرونه دائما بكل التقدير والعرفان.
وكانت بداية العقد الحالى على موعد جديد مع محطة أخرى فى مسيرة الإخوة والمشاركة بين البلدين الشقيقين، فقد شهدت مصر تطورات داخلية أسفرت عن تغيير النظام، ولأن الكويت تدرك ان الشعوب تبقى، أما الأشخاص فإنهم الى زوال، فقد كان انحيازها السريع لمطالب المصريين، وأعلنت موقفها الواضح بدعم خيارات الشعب المصرى، وقدمت كل صور المساندة تأكيدا لهذا الموقف.
ومع كثرة التجارب والمواقف التى تمر بها الدول، يكون من اليسير على المراقب ان يتبين درجات التقارب والتفاهم، ويتوقع مسار التطور فى هذه العلاقات، واستطيع ان أؤكد من واقع معايشتى لجانب من مسيرة التعاون العريقة بين مصر والكويت أن العلاقات فى أبهى صورها، وتسير من تقدم الى تقدم دون ان تشوبها شائبة، كما ألمس رغبة مشتركة فى دفعها الى آفاق اكثر رحابة عبر أدوات التعاون القائمة بينهما، وفى مقدمتها اللجنة المشتركة التى ستعقد دورة جديدة لاجتماعاتها بالقاهرة فى غضون أسابيع قليلة، برئاسة وزيرى الخارجية مدشنة لانطلاقة متجددة لصالح البلدين الشقيقين فى ظل رعاية كريمة من حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح، وشقيقه فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي.
ولا يفوتنى فى هذه المناسبة الطيبة التى نستعرض فيها لمحات من ملحمة التعاون الاخوى بين البلدين بمناسبة الاحتفال بأعيادنا الوطنية، ان اتوجه بأسمى آيات التهانى والتبريكات إلى مقام صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، ولسمو ولى العهد وسمو رئيس مجلس الوزراء وجميع أبناء الشعب الكويتى، داعيا الله عز وجل ان يحفظ الكويت وأهلها، ويديم نعمة الامن والازدهار فى أرضنا الطيبة، ويبارك سعينا المشترك فى مصر والكويت نحو مزيد من التقارب والمودة.