عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
«ما يشبه القتل» رحلة البحث عن الحرية والمصير
18 فبراير 2020
وفاء نبيل


فى أجواء غرائبية فانتازية تأتى الرواية الجديدة للكاتب الشاب الموهوب أحمد الملوانى »ما يشبه القتل«، الصادرة أخيرا عن الدار المصرية اللبنانية، حيث تتبع الرواية رحلة سحرية لأربعة أشخاص ينطلقون معًا بحثا عن شجرة الحكمة. رحلة واحدة لكنها تتشابك مع رحلة كل منهم الخاصة للبحث عن ذاته، لتطلق الكثير من التساؤلات عن الحرية والمصير والتناقضات الحادة التى تحويها النفس البشرية. رحلة تجسد المعاناة النفسية لأبطالها، وسعيهم لإعادة التعرف على ذواتهم.



تبدأ الأحداث بشاب قتل والده لاختلافه معه، خوفا من أن يتزوج الأب وينجب المزيد من الذكور، فيشاركوا معه بالميراث، وقام الابن القاتل بدفن جثمان الأب فى حقل قمح بعيد عند مجرى النهر، ومن جسد الأب المدفون فى الأرض تنبت شجرة تنمو كل يوم ببطء حيث يتمازج كل صباح الجسد العجوز مع طين الأرض، وتعلو قامته المتخشبة نحو السماء، وعند حالة الإكتمال، تتسرب روح الرجل ويصير شجرة مكتملة، تمتلك الحكمة، لكنها بكماء، لا تعرف كيف تنقل حكمتها للآخرين، وتمهيدا للقارئ لفكرة الرواية القائمة على الصراع البشرى للحفاظ على المكتسبات، تتهادى أحداث الرواية التى تبدأ بحكى أصوات مختلفة لأبطالها، كل منهم يحكى مأساته مع آخرين، حتى يجد القارئ نفسه يتابع رحلة لأربعة أشخاص من طبقات مختلفة بالمجتمع، كلهم هاربون من واقع مؤلم للبحث عن مكان شجرة الحكمة، لعلهم يجدون حلولا لمشكلاتهم، ونهاية لمعاناتهم بالحصول على أجوبة على أسئلتهم من الشجرة العتيقة.



ومما يميز الرواية ويضفى عليها الواقعية، رغم أنها قائمة على فكرة متخيلة، هو اختيار أربعة أبطال من مستويات طبقية وفكرية مختلفة، »بدر« هو صحفى متحول، متفق تماما مع كل نظام، ورغم ذلك فهو يتعرض لأذى من النظام، حيث يطمع »صفوت« بيه فى زوجته الجميلة، ويستحوذ عليها لنفسه، فلا يجد الصحفى المقهور ما يدارى به سوءته سوى الهروب، أو بمعنى أدق التخفى من المجتمع ، ولا يجد إلا صديقه القديم »عبد التواب« أمين الشرطة المعروف بجبروته، وقسوته الشديدة فى تعذيب بعض الشباب، والذين كان أحدهم هو هذا الصحفى نفسه، لكنه يخفى عنه أنه تلقى تعذيبا ذات يوم على يديه، لأنه لمس جانبا إنسانيا منه، يتمثل فى تخلى جميع من خدمهم عنه، ورفضهم السماح لابنه »علي« بالدخول لكلية الشرطة كآخر تكريم له على خدمته لهم طوال حياته، فيشعر الصحفى بأنهما متشابهان فى الألم.



وتمثل شخصية »حمزة« فكرة خيالية أخرى موازية لفكرة شجرة الحكمة، وهى فكرة الحرية التى يطمح لها الجميع، وأن يظهر بين هذا المجتمع الفاسد رجال يستطيعون الطيران، وقد تكون هذه هى إحدى وسائل الدفاع عن النفس التى يطورها جسد الإنسان المهزوم فى عصره، ليستطيع الهروب من مفترسيه، كما تفعل بعض الزواحف والحيوانات التى تتطور فى أجسامها بعض الخصائص مع الزمن، لتستطيع أن تحمى نفسها من الأعداء. جعل الملوانى »حمزة« شابا مولودا بخفة وزن فى جسده تمكنه من الطيران حتى يلامس السحاب، لكنه يرتدى بعض الأثقال فى قدميه، وحول جسده ليستطيع أن يلامس الأرض ويتعامل كشخص طبيعي، لكن للمفارقة يحدث لديه نوع من العرج يعيبه الناس عليه، رغم قدراته التى يخفيها عنهم صامتا.



و«ياسمين« هى ابنة أحد الأثرياء التى تعيش حياة مرفهة، لكنها ترغب بشدة فى توصيل رسالة ما إلى والدها ليشعر بوجودها، فتسعى لترتيب فضيحة له فى مجتمعه الراقى ، لإحراجه على الملأ، جزاء له على إهماله لها، والتعامل معها كإحدى صفقات أعماله، فلا تجد لذلك سبيلا سوى الانخراط فى علاقة عاطفية مع »علي« ابن أمين الشرطة الذى يعمل بكافيتريا أحد النوادي.



ترصد الرواية صراع الطبقات بما يتضمنه من تصوير لطبقة الأسياد، وطبقة العبيد، وطبقة أخرى بينهما، وهى الطبقة التى يستخدمها الأسياد فى الدفاع عن أنفسهم بتجميل صورتهم لمن هم أقل منهم. نجح الملوانى فى رسم رواية جديدة فى تراكيبها وبنائها وغير معتادة، تعدد فيها الأصوات مما أضفى حيوية على تصوير الأحداث، رغم ما تعانيه من بعض التطويل فى الحكي.



أحمد الملوانى فاز بجائزة ساويرس لعام 2019 عن روايته »الفابريكة«. كما حاز عدة جوائز منها جائزة أخبار الأدب لعام 2015، وجائزة إحسان عبد القدوس للعام نفسه.