وفق آخر التقارير والإحصائيات لجامعة سيدنى، أكثر من مليار حيوان نفق بسبب حرائق غابات أستراليا التى دمرت 20 مليون فدان وآلاف المبانى فى أنحاء البلاد، وتحرم بعض البلدات من الكهرباء وخدمات الهاتف المحمول وأصبح الدخان السام يعبر إلى البرازيل والأرجنتين، أعلنت الحكومة الأسترالية قتل أكثر من 10 آلاف جمل، لأسباب متعلقة بالاحتباس الحراري والعلماء يؤكدون أن الحرائق التى تندلع بسبب الجفاف يغذيها التغير المناخى وظاهرة الاحتباس الحرارى..
يا الله.. كوكب الأرض يئن بعد أن تمادى البشر فى استنزافه بالحروب والأسلحة الكيمائية والبيولوجية ونفايات المصانع!!.. من زاوية بعيدة فى الذاكرة تخايلنى صورة الفتاة السويدية «جريتا تورنبرج» التى واجهت رغم صغر سنها قادة العالم فى قمة مناخ 2019 مُطالبة بحماية البيئة، ومنددة بسياستهم التى ألحقت الكثير من الأضرار بالبيئة.. فهل من مجيب؟
سرعان ما جاءت الإجابة، فيبدو ــ والله أعلم ــ أن الحرائق المتتالية للمساحات الخضراء التى تغذى كوكب الأرض بالأوكسجين على مدى الشهور الماضية حفزت الاتحاد الأوروبى لأخذ كلمات جريتا ودعوات نشطاء البيئة وتحذير العلماء موضع الاعتبار، فأعلن صفقته الخضراء!!. ففى منتصف ديسمبر الماضى أقرت دول الاتحاد الأوروبى، باستثناء بولندا، ويتحدد هدف تحقيق الحياد المناخى (أى خفض الانبعاثات الصافية من الغازات المسببة للاحتباس الحرارى الكوكبى إلى الصِفر) بحلول عام 2050.كما أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير خطتها لتقديم «قانون المناخ» فى مارس المقبل لضمان توجيه جميع السياسات الأوروبية والموافقة على خفض انبعاث الغازات بنحو 50% إلى 55% فى 2030، واقتراح فرض ضريبة على انبعاثات غاز الكربون..
ورغم أن البعض يؤكد أن الصفقة الخضراء (التوجه نحو حماية البيئة) هى المهمة الجديدة المميزة للاتحاد وأن فشلها يلحق الضرر الشديد بشرعيته، إلا أن علينا فى منطقتنا التى طالها الضرر جراء التغيرات المناخية والاحتباس الحرارى (والذى تجلى بوضوح فى اختلال فصول العام والمواسم الزراعية) أن ندرك أن فرض هذه القوانين وخروجها لحيز التنفيذ وبالتالى استفادتنا منها، قد يكون أمرا مشكوكا فيه وغالبا سيستغرق وقتا نظرا للمعارضة الشرسة لها من قبل أصحاب المصالح والساسة والقطاعات والصناعات الكثيفة الاستخدام للطاقة.
وإذا كانت عملية الإحلال والتبديل لتقليل انبعاثات الكربون عالميا أو محليا تتطلب ميزانيات وسن قوانين تستغرق وقتا، فإن الحد الأدنى المتاح أمامنا الآن هو ابتكار صفقتنا الخضراء الخاصة، وبمعنى أوضح استعادة ثقافة ومنظومة قيم ولدت على ضفاف نهر النيل. فالأرض التى بات العالم يدرك المخاطر التى تتعرض لها ويحاول أن يعيد لها مكانتها واحترامها،عرف المصرى القديم قدرها وأدرك أن دورة الحياة مرتبطة بتجدد حياة الأرض والنماء فكانت بالنسبة له أما وشرفا وعرضا، وكان لها أعياد ليس كمثلها أعياد، لكن.. هذا ما كان..!! واليوم وفيما يعيد العالم تصدير ما وقر فى وجداننا، ولكننا لأسباب مجهولة تناسيناه، مثلما تناسينا الكثير مما شكل تركيبة المصرى الفريدة!!،أظن أن علينا احتراما لموروثنا القديم وإدراكا للكارثة التى تهدد منطقتنا نتيجة الدمار واشتعال آبار البترول واستخدام أسلحة غير معروف طبيعتها خلال السنوات الماضية، إضافة إلى تأثرنا بالأوضاع البيئية فى العالم من حولنا، أن نبادر بتبنى صفقة خضراء تخصنا بإحياء ثقافة أجدادنا الذين احترموا الأرض والنيل..ثقافة تبدأ من الأسرة والمدرسة ودور العبادة لإعداد جيل جديد يدافع عن أمنا الأرض ويمتنع عن التجريف والتعديات على الأراضى الزراعية ويستوعب أن أمواج البحر التى تداعب رمال شواطئنا ليست مقالب للقمامة نلقى فيها فضلات سرعان ما سترتد إلينا سموما!!..
وإذا كان شعار يوم الأرض الذى يحتفى العالم بعيدة الخمسين فى أبريل المقبل محوره دعم المدارس الخضراء - وفى قول آخر المدارس الذكية - التى تحمى البيئة وتشجع محو الأمية البيئية وتحافظ على صحة المعلمين والطلاب، أظن أن من الأولى بنا أن نكون أول من يطبقه بنشر ثقافة تحتفى بكل أخضر يانع ولو بتعليم صغارنا زرع نبتة فى شرفة بيت أو مدرسة..