عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
د. محمد عبد الكريم العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامى لـ «الأهرام»: رفض مجلس الرابطة التدخل التركى فى ليبيا خطوة عملية من علماء الأمة
14 فبراير 2020
أجرى الحوار نادر أبوالفتوح


تكريم الرئيس السيسى وسام أعتز به وأدعو له بالتوفيق ليواصل مسيرة التنمية



التنظير فى الخطاب الدينى استهلك الكثير من الوقت والمشكلة تكمن فى غياب الوعى



تأسيس مراكز تواصل حضارى لترسيخ قيم التعايش السلمى وتوعية الجاليات المسلمة



 



 



أكد الدكتور محمد عبدالكريم العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامى فى حوار مع «الأهرام» أن رفض مجلس رابطة العام الإسلامى التدخل التركى فى ليبيا يمثل خطوة عملية لعلماء الأمة الإسلامية، ويأتى انطلاقا من دور الرابطة فى الدفاع عن قضايا العالم الإسلامي، موضحا أن دور المنظمات والمؤسسات الدينية فى الدفاع عن قضيا الأمة ينبغى أن ينطلق من خطاب رصين، لأن الخطب الحماسية التى تلهب مشاعر الشباب وتلامس العاطفة الدينية المجردة عن الوعي، تؤدى إلى انعكاسات سلبية، ورأى أن التنظير فى الخطاب الدينى استهلك الكثير من الوقت، والمشكلة تكمن فى غياب الوعى بعالمية الخطاب الإسلامي، وأشار إلى أن الرابطة تتواصل مع مراكز الفكر والجامعات فى الغرب بهدف تصحيح المفاهيم المغلوطة، وبيان حقيقة الإسلام وكونه قائما على التسامح والتعايش السلمى، وذلك ضمن جهود دعم الجاليات المسلمة فى الخارج ومواجهة الإسلاموفوبيا.. وإلى نص الحوار.



 



قام الرئيس عبد الفتاح السيسى بتكريمكم فى احتفال المولد النبوى، ماذا يمثل لكم هذا التكريم ؟



هذا التكريم وسام أعتز به، كثيرا لكونه من مصر، لكونه من الرئيس عبد الفتاح السيسي، لحيثياته المشمولة بشهادة بإمضاء فخامته التى أثمن ثقتها وتزكيتها، مصر تعنى الشيء الكثير، وأدعو للرئيس السيسى بالتوفيق وأن يزيده الله توفيقا ليواصل مسيرة الإصلاح والتنمية التى يلمسها الجميع، فمصر تشهد نموا شاملا ونوعيا يقوده رئيس مُسَدَّد.



وماذا عن تعاون الرابطة مع وزارة الأوقاف والمؤسسات الدينية فى مصر؟



لدينا تعاون كبير مع وزارة الأوقاف المصرية والتى تقوم بجهد استثنائى ومتميز يقوده وزيرها العالم الدكتور محمد مختار جمعة، وإذا كنا نتحدث عن نشر الوعى بتجدد الخطاب الديني، فإن الأوقاف المصرية تعتبر مدرسة فى هذا التجديد نلمس إضاءتها فى مصر وفى مشاركاتها خارج مصر، وكذلك التعاون الإيجابى المتميز مع دار الإفتاء المصرية بقيادة عالمها الدكتور شوقى علام، مثمنين الفتاوى المستنيرة الصادرة عنها والتى تمثل كذلك خطابا إفتائيا رصينا، وقد تعزز هذا التعاون من خلال مشاركاتهم الفاعلة والمتميزة، ومشاركتنا معهم فى المؤتمرات والملتقيات العلمية والفكرية، ونثمن تأثيرهم الكبير فى الحضور العلمى والفكرى بخطابهم المنفتح، وما دمنا فى السياق المصرى العزيز على قلوبنا أحب أن أشير أيضا إلى علاقتنا مع الكنيسة القبطية المصرية، والتى بدأها نيافة الأنباء مرقس مطران شبرا الخيمة عندما زارنا فى المملكة العربية السعودية.



اجتماع مجلس الرابطة الأخير حذر من التدخل التركى فى ليبيا، هل هناك خطوات على أرض الواقع لتنسيق الجهود فى هذا المجال؟



المجلس الأعلى للرابطة أوضح موقفه من هذا التدخل فى بيان أصدره، وهو يدرك أن الحالة الليبية حالة عربية، وهناك جامعة للدول العربية تعالج من خلالها قضايا الدول العربية، وهناك منظمة التعاون الإسلامى فيما يتعلق بالإطار الدولى الإسلامي، والسؤال المتبادر والمُلِحُّ يقول: ما شرعية هذا التدخل؟ وهل سيعالج أو يزيد التعقيد؟ هذا سؤال مهم، والمجلس يريد حلا ولا يريد تعميق الجرح، وعندما يصدر هذا البيان عن كبار علماء الأمة الإسلامية من قبلتهم الجامعة بمكة المكرمة ومن منصة رابطتهم ورابطة الشعوب الإسلامية، فإنه يمثل الخطوة العملية التى يمتلكها علماء الأمة الذين يُسَيِّرُون المجلس الأعلى للرابطة، يمثل فى حقيقته برلمانها، ولهم تأثير كبير فى الوسط الإسلامي، وبخاصة أن الرابطة ذات انتشار واسع فى الدول الإسلامية، بل وفى عدد من الدول غير الإسلامية، من خلال مد جسور الحوار والتفاهم والعمل فى منطقة المشتركات، وهذا البيان هو فى حد ذاته خطوة عملية.



وكيف ترى دور المنظمات والمؤسسات الدينية فى الدفاع عن قضايا الأمة الإسلامية ؟



هذا الدور يعتمد فى أصله على أمرين: قوة المنظمة أو المؤسسة من حيث سمعتها وتأثيرها، وقوة الدور الذى تقوم به، لا أخفى أن هناك بعض التراجع فى هذا الدور، اللهم إلا من الخطب الحماسية التى لا أرى فيها إلا الانعكاس السلبى عليها فى عزلتها وضعفها والإساءة إليها، والأمر الثانى أن بعضها مع الأسف أصبحت وظيفته بروتوكولية رتيبة لا حياة فيها، وخطب تلامس العاطفة الدينية المجردة عن الوعي، وبالتالى بدل أن تكون جزءا من الحل أو الحل كله، أصبحت جزءا من المشكلة أو المشكلة كلها، ماذا أستفيد من إلهاب مشاعر الشباب المسلم تجاه أى قضية من القضايا؟ هل أطلب منهم حمل السلاح؟ أو أطلب منهم الحسرة والجزع والدخول فى متاهات التشدد والتطرف والكراهية ضد الآخر، لقد اطلعت على إصدارات لبعض تلك المنظمات والمؤسسات، فوجدت لها محتويات مقلقة لا تريد من الشباب المسلم إلا أن يكون أحمق، يلطم وينوح ويجازف ويكره ويحقد مع ترسيخ فكرة المؤامرة لديه .



وماذا عن دور رابطة العالم الإسلامى فى هذا المجال؟



تقوم الرابطة بأدوار عالمية محورية ومهمة، والتى كما قلنا يتم تدبير شئونها التشريعية تحديدا من قبل مجلسها الأعلى برلمان الرابطة ـ والذى يناهز أعضاؤه السبعين شخصية إسلامية، منهم كبار المفتين فى العالم الإسلامى وأعضاء بارزون فى هيئات كبار العلماء والمجامع الفقهية، وتعمل الرابطة على نشر الوعى بحقيقة الدين الإسلامي، والخطاب موجه فى هذا للداخل الإسلامى فى مواجهة التيه الحاصل لدى البعض، وكذلك فى مواجهة الأفكار المتطرفة، كما أنه موجه أيضا لغير المسلمين، لمواجهة الإسلاموفوبيا وكافة أساليب اليمين المتطرف فى الغرب، ولقد أدى هذا النشر المستنير إلى أن بعضا ممن يُعتبرون من أعتى اليمين المتطرف، أصبح لنا معهم علاقات جيدة، من خلال الحوار الحكيم والموضوعى معهم، ومن خلال مادة هذا الحوار التى تحمل الحقيقة بحجتها القوية، لكنها فى ذات الوقت مترفقة بهم، باختصار كان لدى هذا اليمين تصورات سلبية ظلت عالقة سنين دون حوار، ونُدرك أن هناك يميناً متطرفا لا ينشد الحقيقة، وإنما ينشد مصلحته الانتخابية والإثارة والشهرة، ومنهم من لديه كراهية متأصلة بعنصرية مقيتة، ومع ذلك فهؤلاء مشمولون بالحوار، نحن لا نيأس أبدا مهما يكن من أمر.



تجديد الخطاب الدينى قضية محورية فى مواجهة الجماعات المتطرفة، هل هناك مبادرات فى هذا المجال ؟



الخطاب الدينى متجدد دوما، لكن غير المتجدد هو الوعى بعالمية الخطاب الإسلامي، ولذلك أطلقنا فى سياق احتفالية الرابطة بإنشاء جائزة المجمع الفقهى الإسلامى وجائزة وثيقة مكة المكرمة مبادرات تدريبية تتعلق بالخطاب الديني، واصطلحنا على أن تكون بهذه الصيغة «تعزيز الوعى بتجدد الخطاب الديني»، لأن مؤتمرات الخطاب الدينى متعددة، ومع أهميتها إلا أن الأهم منها هو الأثر الملموس، ولذلك قمنا بإطلاق تلك المبادرات على ضوء أرضية بحثية مسبقة حول الخطاب الديني، وستشمل المبادرات جعل القادة الدينيين وعموم العلماء والمفكرين وطلاب العلم فى الحقل الدينى أمام مسئولية تطبيق هذا التجدّد، من خلال قناعتهم أولا به، ثم التطبيق العملى عبر منصات تأثيرهم، وفى المناسبات ذات الصلة، ونشر ذلك وتعليمه ليكون ثقافة تلقائية، وأثناء ذلك كله تكون رابطة العالم الإسلامى فى موضع الرقابة التقويمية والإرشادية المتعلقة بجهود منسوبيها وكل متحالف معها .



وكيف ترى ملامح هذا التجديد؟



أما ملامح هذا التجدد ففى الخطاب الإسلامى تحديدا انتهى وقت التنظير، والذى استهلك الكثير من المداولات عبر سنين مضت دون جدوي، سوى وضع توصياتها مع الأسف فى أرشيف المؤتمرات، هناك دون مبالغة أكثر من ثلاثمائة بحث فى هذا الموضوع، غالبها نتيجة مؤتمرات، نعود لنقول بقى وقت التطبيق والعمل الذى لم نر فيه أى مبادرة جادة ذات أثر على أرض الواقع، وعندما يشتكى بعضنا من الخطاب الدينى ويطالب بتجديده، فإنما يشتكى حقيقة من عدم الوعى به، ومن عدم الأثر الملموس لذلك، بمعنى وجود أخطاء كبيرة تمثل هوة بين مبادئ الإسلام وقيمه، وبين صحيح فهمها وصحيح تطبيقها، وبالتالى فشكواه محقة وهى دلالة قراءة صحيحة للواقع المؤسف الصادر عن البعض، وكل هذا يعالج بمبادرات عملية .



وهل هناك فعاليات حاليا على أرض الواقع ؟



نقوم حاليا بمشروع تاريخى وهو إنشاء متاحف للسيرة النبوية والحضارة الإسلامية، والتى جعلنا مقرها الرئيسى المدينة المنورة مع فروع لها فى مكة المكرمة والرياض وبعض الدول الإسلامية، وقد منحت أندونيسيا لرابطة العام الإسلامى أرضا تناهز المائة ألف متر مربع لإقامة هذا المتحف فى جاكرتا، كما نؤسس فى الجامعات فى الدول غير الإسلامية كراسى علمية، ونؤسس أيضا مراكز تواصل حضاري، وهذه الأخيرة لها طبيعة الاستقلال، فنحن لا نريد فرض هيمنة أو الحصول على أى عائد، سوى تحقيق الهدف بإيضاح حقيقة ديننا الإسلامى، وإبرازه كدين معتدل يحب الخير للجميع، ويتعايش مع الجميع، سمح متسامح مع الجميع، جاء بالرحمة وبإتمام مكارم الأخلاق، واحترم وجود الأديان، بل جاء مقررا لسنة الخالق سبحانه فى الاختلاف والتنوع والتعدد.



وماذا عن خطط وبرامج الرابطة للتعامل مع موجات العنف والإرهاب ؟



تقوم الرابطة بدور محورى فى تصحيح المفاهيم الخاطئة، والتى غالبا ما تكون مبنية على معلومات أحادية الجانب وهى كثيرة، ولا نزال نواصل هذه المهمة وبخاصة مع مراكز الفكر والجامعات والإعلام، سواء فى الغرب أو بعض دول شرق آسيا، علاوة على ما ننشره فى مواقعنا الإلكترونية وفى إصداراتنا بأكثر من لغة، خطط وبرامج الرابطة فى ذلك تتركز على تعزيز الوعى فى الوجدان الإسلامى ولا سيما الشباب من خلال الملتقيات الشبابية، ومن خلال الرسائل عبر كافة منصات التأثير، وكل هذه نعتبرها إجراءات احترازية وعلاجية، أما الإجراء الوقائى فيبدأ من الأسرة والمدرسة فهما اللذان يصوغان فى الحقيقة عقلية الطفل والشاب، لأن الإرهاب نشأ عن انحراف فكرى قديم بسبب خلل منهجي، أو طارئ لعدم وجود مناعة تقف أمام اختراقات الفكر الضال، ولذلك نعمل على ترسيخ القيم والفهم الصحيح للدين لأنه ضمانة لحماية الشباب من الفكر المنحرف .



فى رأيك ما هى أهم التحديات التى تواجه الجاليات المسلمة فى الخارج ؟



أهم تحدٍّ يواجهها هو عدم استيعاب بعضها الفرق بين الاندماج وبين الانصهار والذوبان، وعدم استيعاب بعضها أن الهوية الوطنية لا تتعارض مع الهوية الدينية، وعدم استيعاب بعضها أن ما صلح لغيرها من البلاد الإسلامية ليس بالضرورة أن يصلح لها، كما أن من التحديات التى تواجهها عدم قدرة بعضها على التعامل المناسب مع أساليب الاستفزاز وخاصة خطاب العنصرية والإسلاموفوبيا، وعدم التفريق بين أهمية دمج أطفالهم مع مجتمعاتهم وخطورة عزلهم، وبين محافظتهم على هويتهم .



وماذا عن دور رابطة العالم الإسلامى فى التواصل مع الخارج لتصحيح المفاهيم ودعم أبناء الجاليات المسلمة ؟



تسعى الرابطة لنشر الوعى لدى الجاليات الإسلامية فى الخارج، لكن لا نتدخل مطلقا فى نشر الفتاوى والاجتهادات الدينية خارج ظرفيتها المكانية، فسبق أن قلنا إننا تبنينا منع تصدير الفتاوى مراعاة للظرفية المكانية لكل بلد وهو مبدأ شرعي، لكننا ننشر الوعى فى سياق إطاره العام، مثل أهمية احترام الجاليات الإسلامية لدساتير وقوانين وثقافة البلدان التى يعيشون فيها، وأن يعززوا من اللحمة الوطنية لبلدانهم، وأن يكونوا أعضاء فاعلين يراهن عليهم فى ذلك، وأن الهوية الوطنية لا تتعارض مع الهوية الدينية، وتحذيرهم من اختراقات التطرف التى تسيء لهم وتسيء لسمعة الإسلام، وإرشادهم نحو الأسلوب الأمثل لتعاملهم مع ما قد يحدث من أساليب الاستفزاز الصادرة عن بعض المتطرفين، والتى يهدف بعضها إلى جر الجالية إلى المواجهة وخلق صدام فكرى وحضاري، للوصول إلى تصنيف الجالية بأنها تخلق أزمة وطنية أمنية واجتماعية، وهذا يتم من خلال وفود أعضاء الرابطة للتواصل المباشر مع المسلمين فى الخارج .



سبق للرابطة توقيع بروتوكول مع الفاتيكان لترسيخ قيم الحوار والتسامح، هل هناك خطوات تمت على أرض الواقع ؟



نعم هناك خطوات عملية، عموم مؤتمراتنا الخارجية يحضرها الفاتيكان تلبية لدعوتنا تفعيلا للاتفاقية، ونعمل معهم على إقامة أعمال مشتركة، مؤخرا ألقيت محاضرة بدعوة من رئيس الجامعة الكاثوليكية فى إيطاليا عن الصداقة والتعاون بين الأمم والشعوب، وقد حضرها رئيس المجلس البابوى للحوار الكاردينال ميخائيل أيوسو ضمن أعضاء هيئة التدريس والطلاب .