من الواضح ان بعض النواب لم يقرأوا قانون الموازنة قراءة جيدة, جاءت هذه العبارة على لسان د. على عبد العال رئيس المجلس عند مناقشة طرح الحكومة ممثلة فى وزارة المالية سندات دولارية، وهى تعكس أهمية ما قامت به وزارة المالية أخيرا من طرح لمشروع القانون الجديد للمالية العامة للنقاش والحوار المجتمعي، خاصة انه يعكس العديد من التوجهات والفلسفة الجديدة، حيث تم إدماج القانون الحالى للموازنة رقم 53 لسنة 1973 وقانون المحاسبة الحكومية رقم 127 لسنة 1981، فى قانون واحد، وذلك بهدف التوافق مع النصوص الدستورية والنظم القانونية الحديثة ودليل إحصاءات مالية الحكومة لعام 2014 الصادر عن صندوق النقد الدولي.
وتأتى أهمية هذا المشروع فى ضوء الدور المهم الذى تلعبه الموازنة حيث تحقق نوعين من الرقابة الأولى دستورية، والثانية اقتصادية ومالية. ومن حيث الوظيفة الأولى تعد الموازنة وثيقة سياسية وقانونية تخدم أهداف الرقابة الدستورية وتضمن المشاركة الفعالة من جانب جميع فئات المجتمع. وهو ما يتطلب بدوره المعرفة الكاملة بالأوضاع المالية وبالتالى الشفافية المطلقة فى عرض بنود الموازنة ليس فقط للأغراض الاقتصادية، ولكن من أجل المزيد من المساءلة السياسية أمام السلطات الرقابية والتشريعية والشعبية. وهو ما اهتم به المشرع المصرى فأورد الدستور العديد من المواد المنظمة لهذه المسألة، فضلا عن العديد من القوانين المرتبطة بالموازنة. وهنا يصبح التساؤل الى أى مدى ينسجم المشروع مع هذه القوانين وبصفة خاصة مشروع قانون الخطة الجديد، فهل تم أخذه فى الحسبان بعد ان تم إقراره من مجلس الوزراء؟.
ومن الأمور المهمة ان المشروع لم يتعامل مع مشكلة الاستقلال المالى والذى تكرر الحديث عنه كثيرا فى الدستور، اذ تكرر النص على حصول بعض الجهات (مثلا لوحدات المجالس المحلية والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والمجالس القومية والهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية) على موازنة مستقلة. واكتفى المشروع بتعريف الجهة المستقلة مشيرا الى أنها التى نص عليها الدستور او قانون إنشائها، ولكنه لم يوضح المعاملة المالية لها خاصة ان الموازنة المستقلة لفظ عام ليس له دلالة علمية محددة. فهذه الكيانات داخل الموازنة، وليست خارجها مثل الهيئات الاقتصادية فتلك التى تطلق عليها موازنات مستقلة ما داخل الموازنة فان كل جهة من هذه الجهات تعد لها موازنة مالية وفقا للقانون المنظم لها، ويتم تجميعها جميعا فى إطار اشمل هو الموازنة العامة للدولة.
وينطبق القول نفسه على الاستقلال المالى الذى نص عليه الدستور للعديد من الجهات فهو ايضا حديث غير دقيق علميا فمن المعروف ان هناك أسسا ومبادئ موحدة لجميع الجهات الداخلة فى الموازنة تصدر فى قانون ربط الموازنة او التأشيرات الملحقة به ويجب على الجميع الالتزام بهذه القواعد والاسس المحاسبية والمالية. ناهيك عن ان هذا الامر يعد مخالفة واضحة لمبادئ الموازنة، خاصة الوحدة والعمومية، كما ان التوسع فى هذه المسألة يهدر مبدأ الشمول والذى بمقتضاه يجب أن تتجمع جميع موارد الدولة ونفقاتها فى إطار واحد يسهل متابعته، وبالتالى لا يجوز ان تنشأ حسابات خارج هذا النظام.
وهنا يجب ألا نخلط بين هذه المسألة وموازنة البند الواحد التى تنطبق على القوات المسلحة والمحكمة الدستورية العليا وفقا للدستور. فهذه ليست موازنات مستقلة ولكنها توضع بند واحد فى الموازنة لاعتبارات يراها المشرع ضرورية لأغراض الامن القومى او الفصل بين السلطات وعدم تغول السلطة التنفيذية على غيرها من السلطات. وهنا نتساءل لماذا استثنت المادة 21 من المشروع المحكمة الدستورية العليا فقط فى موازنة البند الواحد ولم يمتد ليشمل جميع الجهات القضائية؟ والاهم من ذلك ماذا عن الجهات التى تنص قوانينها على حصولها على موازنة البند الواحد مثل مجلس النواب والجهاز المركزى للمحاسبات؟.
وعلى الجانب الآخر فقد توسع المشروع فى مفهوم الإنفاق الحكومى بصورة كبيرة وخلط بينه وبين الإنفاق العام، فالإنفاق الحكومى هو تلك المعاملات التى تقوم بها الحكومة سواء من خلال تعاملات الوحدات الحكومية مع بعضها البعض، أو بينها وبين أطراف أخرى وذلك من أجل توفير السلع والخدمات من ناحية، وإعادة توزيع الدخول عن طريق التحويلات بشقيها الجارى والرأسمالى من ناحية أخرى. بينما الإنفاق العام يمتد ليشمل كلا من الهيئات الاقتصادية وشركات القطاع العام والشركات العامة والوحدات الاقتصادية المملوكة للدولة، وهى تفرقة مهمة، ويبدو ان المشروع حاول التعامل مع الوضع الدستورى القائم والذى ينص على نسب محددة للإنفاق الحكومى على الصحة والتعليم والبحث العلمي. ويرتبط بهذه المسألة ماذهبت اليه المادة 3 من المشروع والتى اشارت الى ان الفائض الذى تحققه الهيئات الاقتصادية والوحدات الاقتصادية العامة يئول للدولة، وهذا غير دقيق اذ انه يئول للخزانة العامة لأن الدولة تعبير عام يشمل جميع قطاعات المجتمع. بالإضافة الى ذلك فقد اشارت المادة 13 فى المشروع الى الحسابات الحكومية دون ان تعرف هذه الحسابات ضمن التعريفات التى جاءت فى مقدمة المشروع، والاهم من ذلك ان المشروع أشار الى انها تصنف وتبوب وفقا لتقسيمات الموازنة ويصبح التساؤل عن كيفية حدوث هذه المسألة حيث تختلف الأصول والخصوم عن أبواب الموازنة تماما؟!
وعلى الجانب الآخر فقد سمحت المادة 25 من المشروع بجواز التعديل فى قوانين قائمة بالقدر اللازم، وهو ما قد يتعارض مع نص المادة 124 من الدستور والتى نصت على انه لايجوز ان يتضمن قانون الموازنة أى نص يكون من شأنه تحميل المواطنين أعباء جديدة، مع تسليمنا الكامل بالخطأ الكبير فى الدستور ، حيث خلط بين قانون الموازنة رقم 53 لسنة 1973 وتعديلاته وقانون ربط الموازنة الذى يصدر سنويا وهو المقصود هنا فى هذه الفقرة وليس قانون الموازنة.
ومن الأمور المهمة ماذهبت اليه المادة 52 من المشروع حيث استثنت وزارة الدفاع والهيئة القومية للتأمين الاجتماعى وهيئة البريد وهيئات التأمين الصحى ولم تشمل صناديق الرعاية الاجتماعية والصحية وصناديق التأمين الخاصة بالعاملين فى الجهات المشار إليها فى القانون، وهو استثناء يجب استمرار النص عليه فى القانون الجديد وإلا طبق عليها القانون، الأمر الذى قد يؤدى الى عواقب وخيمة.