عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
«الفيروس» ينخر فى قلب الاقتصاد الصينى
4 فبراير 2020
‎ هدير الزهار


«فى مثل تلك الأيام يحتفل الصينيون بأعياد رأس السنة القمرية الجديدة .. وكلهم أمل فى أن تجلب لهم السنة الجديدة الحظ ،إلا أن أصحاب الأعمال هذا العام لا يرجون سوى البقاء وتجاوز خساراتهم» .. هكذا استهلت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تقريرها حول الخسائر الاقتصادية، التى يتكبدها العملاق الصينى، منذ أن بدأت قطاعات كثيرة فى البلاد تتعرض للإغلاق الرسمى أوالطوعى لمكافحة تفشى فيروس كورونا.



 



فقد أغلقت كبرى الشركات متاجرها، والتى تسعى للخروج من مأزقها بتغيير الأساليب التى تمارس بها أعمالها، استعدادا للضربات المالية القاسية التى ستتعرض لها خلال الفترة المقبلة. ولن يكون رجال الأعمال الأكثر تضررا بل إن الضربات الأقوى ستسدد للمزارعين وأصحاب المتاجر والمشروعات الصغيرة، الذين نجحوا فى تحويل الصين لقوة اقتصادية بعدما كانت أمة فقيرة منذ نحو 4 عقود. فالصين، التى أصبحت جزءا أساسيا من آلة الصناعة العالمية، والمسئولة عن نحو سدس الناتج الاقتصادى العالمى تواجه أزمة تتفوق فى خطورتها على الاقتصاد ما تسبب فيه وباء «سارس»، الذى ضرب البلاد فى الفترة ما بين عامى 2002 و2003، حيث يتوقع الخبراء أن يتراجع الناتج المحلى الإجمالى للصين فى الربع الأول من 2020 بنسبة قد تتعدى 2 %، أى أعلى من معدل الانخفاض الذى تسبب به وباء «سارس» فى الربع الثانى من عام 2003.



فقد أدى ظهور الفيروس المستجد إلى إصابة قطاعات كاملة من الاقتصاد الصينى بالشلل التام بعدما سيطر الخوف على سكان البلد وجعلهم يفضلون البقاء فى منازلهم .. فالمطاعم ودور السينما التى تمتلئ عادة فى الأعياد، أصبحت خاوية، كما باتت حركة النقل الجوى والسياحة شبه متوقفة وأعلنت شركات عديدة أنها ستمدد تعليق نشاطاتها إلى ما بعد عطلة رأس السنة. ولفتت الصحيفة إلى أن مدينة ووهان الصينية، التى انطلق منها الفيروس، تعد أحد أكبر مراكز النقل الوطنية فى الصين وتضم متاجر لشركات سيارات كبري. وكانت مقاطعة ووهان، تلقت أعنف الضربات الاقتصادية منذ أن تم إغلاقها، فى محاولة لوقف انتشار الفيروس، تاركة الطرق شبه خالية وملايين الناس فى عزلة. فاقتصاد المدينة البالغ 214 مليار دولار، يشكل نحو 1.6 % من الناتج المحلى الإجمالى الوطني، إذ إنها مركز حيوى لصناعة الخدمات اللوجستية والسيارات والصلب وسط الصين.



وبعد أن كان أصحاب الأعمال الصينيون يشكون من تباطؤ النمو الاقتصادى فى الصين، الذى وصل لأبطأ وتيرة له منذ نحو 3 عقود وامتدت الحرب التجارية مع الولايات المتحدة إلى أجزاء من البلاد، بالإضافة لانتقادهم زيادة تدخل الحكومة الصينية، التى أصبحت مزاحمة لهم حيث تلعب الشركات الكبرى الحكومية دورا متزايد الأهمية فى الاقتصاد، فى عكس اتجاه الانفتاح على المشاريع الخاصة الصغيرة والمتوسطة التى ساعدت فى دفع آلية الإنتاج الصين .. إلا أن الفيروس جاء ليزيد من تفاقم الوضع، أو كما يقولون «أضاف الصقيع فوق الثلوج».



وقد التقت الصحيفة عددا من المتضررين حيث قال تشانج هوان، وهو مستثمر ورجل اعمال فى مدينة قوانجتشو: «هدفى لعام 2020 لم يعد النمو بل البقاء .. فنحن على مسافة شهر أو شهرين من الإفلاس»، كما ذكر أحد مربى الدواجن فى مقاطعة جيانجسو أن الأمر يزداد سوءا يوما بعد يوم، خاصة بعدما أمرت حكومة المقاطعة بإغلاق جميع المتاجر والأسواق باستثناء الضرورية للحياة اليومية، مثل المرافق والصيدليات ومحال البقالة، وذلك حتى 10 فبراير، مما جعله يشكو من عدم استطاعته بيع دجاجاته إلى المسالخ، وما هو أشد وطأة، أن كل ما لديه من أعلاف تكفى مزرعته، التى يوجد بها 40 الف دجاجة، مدة يومين فقط، وأن جميع مصانع الأعلاف قد أغلقت، مما يعنى أنه سيرى دواجنه تتضور جوعا حتى الموت، وأنهى كلامه قائلا: «الأمر لا يتعلق فقط بخسارة الأموال بل بفقدان كل شىء».



وتعد الشركات الصغيرة والمتوسطة فى الصين جزءا مهما من محرك النمو، لذا ذكر نائب رئيس مجلس الدولة، ليو خه، أن تلك الشركات تسهم بأكثر من نصف عائدات الضرائب الصينية و 60 % من ناتجها الاقتصادي، وما يقرب من 3 أرباع ابتكاراتها التكنولوجية. وقد حاولت الحكومة الصينية التخفيف من قلقهم، حيث أمر المسئولون البنوك بالتساهل مع الأشخاص الذين تضرروا من الازمة والذين يسعون لسداد ديونهم، كما شجع على المزيد من القروض مع خفض أسعار الفائدة للشركات التى تأثرت بشدة. ولكن هذا لا يعد حلا كافيا، خاصة مع استمرار الأزمة، التى أصبحت تتجاوز المسئولين ،حيث إن الشركات ملزمة بدفع الرواتب لموظفيها رغم توقف سير العمل، لذا انتقد وانج تشينيون، رائد أعمال عبر الانترنت، فى مدونته الشخصية حكومة بلدة شنغهاي، التى إلى جانب مدها للعطلات الإلزامية طلبت من الشركات دفع أجور مضاعفة للموظفين العاملين من المنزل، وكتب «تولى حكومة شنغهاى كثيرا من الاهتمام للمؤسسات الكبيرة.. ولا يهم ما إذا كانت الشركات الصغيرة تستطيع البقاء أم لا».



يأتى ذلك فى الوقت الذى باتت الحكومة الصينية ومسئولوها فى مواجهة الكثير من الاتهامات بالتقصير فى مكافحة الوباء والتصدى له، ويأمل حاليا أصحاب الأعمال أن تتمكن الحكومة من خفض الضرائب والإيجارات وتقديم بعض الإعانات لكى يستطيعوا تجاوز الأزمة.