عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
المرويات الخرافية مصدر للتاريخ
24 يناير 2020
شيرين العدوى


كيف تصبح المرويات الخرافية مصدرا للتاريخ؟ وهل يجوز الاعتماد عليها كأحد الروافد الاساسية لدراسة التاريخ الذى من المفترض أنه يعتمد على الحقائق والوثائق التى تنفى بالقطع دخول أى نوع من الخرافة إليه؟



لقد درست هذه الفرضية أثناء انجاز بحثى لنيل درجة الدكتوراه, فلم أضع الفرضية قبل الدراسة ولكن بحثت أولا عن التاريخ الحقيقى فى الفترة التى وضعت للدراسة وهى الفترة التى تبدأ بالفتح الإسلامى لبلاد المغرب وتنتهى عند منتصف القرن الرابع الهجري, أى الفترة التى قرر فيها الحكم الفاطمى نقل مقر الحكم من المغرب إلى مصر. لقد سكت التاريخ الرسمى عن الكثير مما عاناه البربر قبل الفتح الإسلامى وبعده وكذلك عن الشخصية المغربية الأبية التى صنعت لنفسها مكانة أثناء الصراع الدائر هناك. واكتسى التاريخ طبقات معرفية كلسية متراكبة بفعل الأقلام التاريخية التى نقلت الخبر من عدة مظان فأصبح الخبر فى مجمله كالحفرية التاريخية التى يضاف إليها عبر الزمن ملامح وخطوط وتفاصيل ليست حقيقية. وقد مد الخيال ظله على تلك الأخبار. فإلى أيّ مدى يمكنُ الاعتماد على المروياتِ الخرافيةِ كمصدرٍ لدراسة التاريخ الإسلامي؟!.



لقد انقسم المؤرخون إلى فريقين: فريقٍ مرّ بالمروياتِ الخرافيةِ المبثوثةِ داخلَ المصادر فهوّن من شأنِها، وتغاضى عن وجودِها، واعتبرَها وهما لا يمكنُ التعويلُ عليه فى الكتابةِ التاريخية. وفريقٍ آخرَ تعاملَ مع المروياتِ الخرافية كحقيقةٍ تاريخيةٍ مؤكَّدةٍ دونَ التفكيرِ فيها وإعمالِ العقل بها.



وكلا الفريقين جانَبَه الصوابُ فى ذلك, إذ يحتاجُ موضوعٌ كهذا إلى مؤرخ موسوعيِّ المعرفةِ، يستطيعُ أن يثمنَ المرويةَ الخرافية ويسبُر غَوْرَها من خلال قراءةِ لغتها، والوقوفِ على رموزِها وعلاماتِها، واستكناهِ مدلولاتها، مع الأخذ فى الاعتبار الأحداث التاريخيةَ التى صنعتْها، وراوِيها أو كاتبَها واتجاهَه المذهبيَّ والعقديَّ وقربَه أو بعدَه من السلطة. إنه حقل معرفى جديد لدراسة التاريخ الإسلامي، أغفلَه المؤرخون فى الوقت الذى أفادت منه حقولٌ معرفيةٌ أخري: كعلم الإسلامي، والأنثروبولوجيا، والفلوكلور، وعلم النفس، والأدب، وغيرها. لقد طبقت دراستى على منطقة المغرب، أى غرب الخلافة الإسلامية والتى شملت المساحة المكانية من برقة حتى المغرب الأقصي, فقد تميزت تلك المنطقة المغربية، بخصوصية موقعها، وما شهدته من أحداثٍ وصراعاتٍ استمرت طويلا أثناءَ الفتح الإسلامى وبعدَه إلى قيام الدولة الفاطمية ورحيلِها بعدَ ذلك إلى مصر. يضافُ إلى ذلك طبيعة البنيةِ الاجتماعية لبلاد المغرب التى تعتمدُ على العصبيةِ القبلية، مما جعلَها أرضا بكرا لشيوع، تلك المرويات الخرافية؛ فقد جمعتْ فى ثقافِة أفرادها بين الواقع والمتخيل، وشاعت المرويات الخرافية نظرا للصراعات المذهبية على السلطة. فكانت أرضا بكرا لشيوع عدة مذاهب منها الخوارج الذين انقسموا إلى خوارج صفرية وإباضية وخرج من رحم الخوارج الإباضية الخوارج النكارية, ثم الشيعة الذين انقسموا إلى شيعة زيدية مؤسسى الدولة الإدريسية، وشيعة إسماعيلية مؤسسى الدولة الفاطمية؛ وأخيرا المذهب السنى الذى عاصر المذاهب السابقة، وعاد مرة أخرى فى صورة دولة المرابطين. لقد صاحبت نمو كل مذهب أقلام تاريخية روجت له وأضافت إلى مروياتها الخيالَ الشعبى الذى يتماشى وذهنيات العوام هناك للتأثير على البسطاء وجذبهم إليه للفوز بالسلطة. فى ختام هذا المقال لم أكن أتصور وأنا أبدأ فى دراسة هذا الموضوع أنى سأشهد بنفسى كيفية صناعة المروية الخرافية التاريخية فى العصر الحديث ليس فى المغرب هذه المرة ولكن فى مصر إبان ثورتين وكان ذلك عبر القنوات التليفزيونية المشبوهة ووسائل التواصل الاجتماعى وغيرها. فاحذروا التاريخ فمهما شاعت فيه الخرافة وراجت الأكاذيب فإنه سيأتى يوم من الأيام. يكشف الباحثون فيه عن المسكوت عنه، والمفكر فيه من قبل واضعى تلك الأكاذيب.