عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
حديقة الأفيال الأيتام
24 يناير 2020
صخر صدقى;


المكان من أكثر المزارات السياحية شهرة فى العاصمة نيروبى، ويحتل بقعة من الحديقة الوطنية للحيوانات البرية هناك. وهو يتبع مؤسسة خيرية تقوم بدور الأم الحاضنة لرعاية أطفال الفيلة الذين تيتموا نتيجة قتل أو فقد الأبوين. ومن المعروف أن الفيلة من أكثر الكائنات تماسكا أسريا على وجه الأرض، والطفل الذى يولد بعد مكوثه سنتين فى رحم الأم يلقى الرعاية والحب والمداعبة من كل أفراد القطيع.



......................



وفى ملجأهم يعوضونهم عن هذا الفقد بتقديم رعاية كاملة، الرضاعة، والحب، واللعب معهم، هذا بجانب توفير الظروف المناخية والبيئية الملائمة لهم من مرعى، ودرجة الحرارة. وفى الليل ينام حراسهم معهم فى الجو البارد، يدفئونهم بالبطاطين، وفى أوقات الصهد يرشونهم بالمياه والطين لترطيب أجسادهم. والزيارة مسموح بها لمدة ساعة فى اليوم، وقت الظهيرة، وهو الوقت الذى يطلقونهم فيه ليمرحوا، ويلعبوا فى الجزء الذى استقطعوه من بيئتهم الطبيعية داخل الغابة وقاموا بتسويره. ولجمع تكلفة تنشئة هذه الأفيال فتحوا باب التبنى على سعته، على من يتبنى أحد الصغار أن يطلق اسما عليه، يتبرع سنويا بما يعادل 50 دولارا. تقدم للمتبنى استمارة تبن رسمية وبموجب هذه الاستمارة يكون من حقه متابعة أخبار الطفل الذى تبناه. يحيطونه علما بأخباره حتى الوقت الذى يطلقونه فيه إلى الغابة المتاخمة. ومن حق المتبنى أن يزوره فى أى وقت يشاء، حتى لو رغب فى رؤيته وهو يذهب للنوم. الشيء المدهش والطريف أنهم وبعد أن يكبروا ويطلقونهم فى بيئتهم الطبيعية لا ينسون ملجأهم الذى قام برعايتهم، يرجعون إليه لزيارته حتى بعد سنين من تركهم له، يرجعون ومعهم أطفالهم.



وإفريقيا تعد من أغنى القارات بما تئويه من ثدييات كبيرة، والأفيال الإفريقية بشكل عام تحتل مرتبة خاصة، بل ولها قدسيتها عند بعض القبائل، والشيء الطريف أن الأفيال تستطيع بحسها أن تفرق بين قبيلة وقبيلة، حيث يستطيعون تمييز القبيلة التى تشكل خطورة عليهم والتى تكون مصدر ضرر أوتهديد لأفرادها. وفى إحصائية نشرت فى أغسطس 2016 وجد أن واحدا من كل ثلاثة أفيال اختفى فى خلال السنوات السبع الأخيرة، وأن معدل نفوق الفيلة فاق معدل ولادتها. أعداد ضخمة من الفيلة تقتل كل عام من أجل التجارة فى العاج. وإلى ذلك فإن حملات التوعية مستمرة لحماية الفيلة من الصيد الجائر خوفا عليها من الانقراض خلال سنوات تعد على الأصابع للتناقص الرهيب فى أعدادها. وفى دراسة استغرقت خمسة عشر عاما أجراها المعهد الدولى لأبحاث الماشية فى نيروبى ILRI خرجوا ببعض البيانات التى تؤكد التراجع المخيف لأعداد الفيلة بالمحميات الطبيعية، وكانت بداية للحملة التى انطلقت فى كينيا تحت شعار ارفعوا أيديكم عن أفيالنا Hands off our elephants، والحملة من أجل رعاية وحماية الفيلة من الأمراض، والصيد الجائر، والتجارة فى العاج، وفى الجلود، حتى لا تنقرض واحدة من أضخم وأجمل وألطف الكائنات البرية على وجه الأرض. هذا القتل العشوائى يربك حياة هذه الكائنات التى تمتلك حواس غاية فى الرقى، فهم يستطيعون التواصل مع بعضهم عبر العشرات من الكيلومترات، ولهم لغتهم التى يتخاطبون بها، ولقد اكتشف العلماء مؤخرا أنهم قادرون على التواصل مع بعضهم البعض بما يصدرونه من ذبذبات كالموسيقى لا تلتقطها الأذن البشرية، وهم لا يصغون فقط بأذانهم، ولكن أيضا بأقدامهم وخراطيمهم، كما أنهم عاطفيون وعلى درجة كبيرة من الذكاء، وحياتهم ما زال يكتنفها الكثير من الأسرار التى يحاول الباحثون الكشف عن طبيعتها، ومن المعروف عن الفيلة تعاطفهم وحزنهم الشديد على موتاهم، ونحو بعضهم البعض، وهناك قواسم مشتركة بيننا وبينهم فى سلوكيات كثيرة. وقد شوهدت فى بيئتها الطبيعية وهى تمارس الحداد، وهى تدمع حزنا، وهى تساعد المرضى منهم على النهوض. احتلت التوعية الشاملة المرتبة الأولى من الحملات المنتشرة فى القارة للحفاظ على البيئة الطبيعية للأفيال، ومن أكثر العوامل تأثيرا القطع الجائر للأشجار، فهو يعرى ويكشف المراعى التى ترتع فيها قوافلهم مما يجعلهم فرائس سهلة. هذا بجانب فقدان بيئتهم الطبيعية لمقوماتها، مثل تقلص مساحات الرعى خاصة بعد الزحف العمرانى، تجريف الأراضى واختلاط السكان معهم، والتقاتل بين المواطنين المحليين والفيلة الذين يغيرون على زراعاتهم ويحطمون بناياتهم. بل وفى بعض الأحيان يقتلون الناس، وللانتقام منهم يقتلهم الناس. والحملات تهدف ضمن ما تهدف إلى تغيير السلوكيات من خلال التعليم، والميديا، لتغيير المفاهيم عن الحيوانات البرية، والتنبيه إلى الأضرار والمصائب التى تحيق بها وتهدد بانقراضها. ومن الإجراءات الفعالة التى اتخذت فى البلدان الإفريقية الغنية بالحدائق الوطنية National Parksالرقابة المشددة على المحميات الطبيعية بعد تدريب أعداد كبيرة من الحراس للقيام بهذه المهمة القومية. وكنتيجة للحملات المستمرة على المهربين والقتلة انخفض معدل صيد وقتل الفيلة بمعدل كبير، وإن ظلت الجريمة قائمة لكن فى حدود ضيقة جدا.



ومن الجدير بالذكر أن هناك يوما عالميا للأفيال قد بدأ عام 2012 بفيلم العودة إلى الغابة Return to the forest الذى تم عرضه فى حفل الافتتاح، والفيلم يحكى عن كيفية إعادة كل الأفيال المقيدة والمستغلة فى آسيا إلى بيئتها الأصلية فى الغابة. أما الفيلم الذى تلاه عن الأفيال فهو بعنوان عندما كانت الأفيال صغيرة When elephants were young وهو يصور حياة شاب مع فيل فى تايلاند. والذى قام بدور الراوى فى الفيلمين هو ويليام شاتنر. ومن القضايا التى أثيرت عن الأفيال فى هذا اليوم بخلاف الحفاظ عليهم من الانقراض، سوء معاملتهم فى محبسهم الإجبارى، فى حدائق الحيوانات، وفى السيرك، وفى الأماكن التى يعرضونهم فيها للسياح.