عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
حكايات مدحت العدل على رصيف نمرة خمسة.. شطارة الفنان تظهر عندما يعرف متى يقول
24 يناير 2020
وليد فاروق; محمد المراكبى ;


اختراع «الأعلى مبيعا» نجح فى التسويق لمؤلفين بلا مضمون

مصر تتخلى طواعية عن قوتها الناعمة

قلت لعادل إمام: لا يصح أن تكون كلمتك أقوى من بعض الرؤساء وتقدم «الجردل والكنكة»!

أم كلثوم مازالت موجودة بيننا ولكننا فشلنا فى البحث عنها واكتشافها

أمى توفيت وهى تشاهد مباراة للنادى الأهلى .. لكن تشجيعى الزمالك له سبب آخر

محمد فؤاد بلا طموح.. وتامر حسنى مصمم على أن يفعل كل شىء.. وعمرو مصطفى يستهلك موهبته

مشروع عمرو دياب الفنى تأثر بعدم اهتمامه بلحظات انكسار وانتصار الوطن








«ولا البحر باين لآخره مراسى.. ولا حد راسى منين الفرج».. بمجرد أن تستمع أجيال التسعينيات لهذه الكلمات من أغنية رصيف نمرة خمسة» يسرحون بخيالهم فى نوستالجيا تستلهم أيام الكاسيت وذكريات الجامعة وأول حب وأصدقاء العمر وأحلام الشباب والحنين لكل المؤثرين فى شبابهم.. والذين ربما أصبحوا غائبين الآن، هذه الأغنية البسيطة فى كلماتها والعميقة جدًا فيما بين سطور معانيها رصدت بصوت عمرو دياب أحوال المجتمع أيامها بكل دقة.. وهذا هو الهدف الذى سعى إليه مؤلف الأغنية السيناريست والشاعر د. مدحت العدل منذ قطع خطوته الأولى فى عالم الفن قبل نحو 30 عامًا معبرًا عن أحلام جيل من الشباب المتمرد فى فيلمه «أيس كريم فى جليم»، فالرجل الذى ظل نحو 10 سنوات يعمل طبيب أطفال شاءت الظروف أن يبدأ من حيث انتهى الآخرون وكان صاحب السبق فى تقديم ما توصف بـ»الأفلام الشبابية» وأبرزها «أمريكا شيكا بيكا» و»صعيدى فى الجامعة الأمريكية» و»قشر البندق» و»أصحاب ولا بيزنس» و«مافيا» وغيرها، إلى جانب عشرات الأغنيات الناجحة والتى عبرت عن مشاعر جيل بأكمله فى جميع أحوالها الرومانسية والوطنية، وفى السطور القادمة سنتوقف ليس مع حكايات عن جيل التسعينيات بقدر بحثنا مع د. مدحت العدل عن تفسيرات عديدة لما يعيشه الآن شباب 2020 فى مجال الفن والثقافة:



أنت من الجيل الذى تربى على أشعار صلاح جاهين وعبدالرحمن الأبنودى وفؤاد حداد.. جيل الشباب من الشعراء اليوم تربية من؟!



الجيل الحالى تربيتنا نحن، وأثرنا فيه تأثيرًا غير عادى، وأعتقد أننا كنا الملهمين له ومهدنا له الطريق، فلا يوجد جيل يأتى ويظهر بمفرده، وأعتقد أن فيلمًا مثل «أيس كريم فى جليم» نجح فى تربية أجيال والأمر نفسه لفيلم «أمريكا شيكا بيكا»، هذا طبعًا بالإضافة لتجارب سينمائية سابقة مثل «كابوريا» و»الطوق والأسورة» وأفلام محمد خان، فهناك مايسمى بالتراكم الكمى الذى يحدث تغييرًا نوعيًا فى الأفكار، وحتى هذه اللحظة أتذكر يوم افتتاح فيلم «أيس كريم فى جليم» سنة 1992 بسينما التحرير، فالجمهور استقبله بدهشة واستغراب من الفكرة لأنها كانت جديدة وقتها، بينما عندما عرض نفس الفيلم منذ شهرين فى إحدى الزاويا الثقافية كان استقبال الجمهور من أبناء هذا الجيل رائعًا وفوجئت بتصفيق حاد رغم أنهم شاهدوه تليفزيونيًا كثيرًا، حتى الجمل الحوارية فى الفيلم الذى كان يقولها البطل عمرو دياب أو أشرف عبدالباقى ظلوا يرددونها، هذا الفيلم وغيره من الأفلام التى أنتجت فى تلك الفترة أصبحت من «كلاسكيات» هذا الجيل.



مسيرة فنية عمرها 30 سنة ولكن ملاحظ أن محطاتك بعيدة عن الكم، مثلًا لم تصدر سوى ديوانين فقط بينما نجد الآن شبابًا صغيرًا لديهم 5 أو 6 دواوين.. ما تفسيرك؟



أنا تربيت فى زمن لا ينشر فيه كتبًا أو دواوين شعر إلا العباقرة فقط، ليس أى شخص يمكنه النشر بسهولة، ولا كل شخص يملك شجاعة أن يعبر عما بداخله على الورق وبين غلافى كتاب حتى لو كان موهوبًا، وحتى بعد سنوات طويلة من تقديمى لأشعار نجحت جدًا بأصوات كبار المطربين.. كنت أندهش وأسأل نفسي: هل ما كتبته يصلح للنشر؟!، ولكن الآن الثقافة تحولت إلى سلعة وهذا بالنسبة لجيلى صدمة، واختراع «الأعلى مبيعًا» إلى جانب أوهام الطبعات المتتالية التى تجدها أحيانا وصلت للسابعة والثامنة لكتاب بلا مضمون.. كل هذا نجح فى التسويق لمتوسطى الموهبة كتاب العصر الحديث، وهذه الثقافة سمحت فى يوم من الأيام لأحد الناشرين لأن يقول للرائع جمال الغيطاني: أنت لا تبيع مثل «فلان»! مما كان سببًا فى اصابة الغيطانى بأزمة قلبية، وهو يجعلنى أقول لنفسي: هل بعد هذا العمر أنشر مع هؤلاء؟، ولم أنشر حتى الديوانين إلا بسبب اصرار أبنائى، فعندما ظهرت أنا وجيلى كانت هناك وحدة قياس لقيمة المضمون اساسها أسماء بحجم نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ويوسف السباعى وتوفيق الحكيم وغيرهم، لكن للأسف وحدة قياس الجيل الحالى من المبدعين فى مصر هى أنصاف الموهوبين!.



وهل حديثك عن وحدة القياس هذه مقتصرة على الشعر فقط أم يمكن تعميمها على بقية فروع الفنون؟



الوضع فى الأدب مختلف عن باقى الفنون، الأدب صناعة ذاتية، لكن السينما مثلًا صناعة جماعية وكبيرة جدًا، فنجد دولًا حولنا تملك المقدرة المادية لكنها لا تستطيع صناعة سينما مثل مصر، خاصة أن صناعة الفن يتم توريثها جيلًا بعد جيل، فالرجل الفنى الذى يحمل كاميرا السينما أيضًا كان والده أو جده يفعل ذلك فى استوديو مصر أيام طلعت حرب باشا، ومهما استطعت أن تنتج فيلمًا جيدًا فى تونس أو الأردن أو أى دولة عربية فإن صناعة السينما لا توجد إلا فى مصر، لكن يجب أن نعترف ونقول إن صناعة الأغنية انسحبت من مصر، فكل دولة من حقها تنشر لهجتها والموسيقى الخاصة بها، لكن أنت أين من كل هذا؟.. أنت كبلد لابد وأن تعى قيمة القوة الناعمة والتى جعلت مصر على مدار 100 سنة داخل عقول ووجدان كل بيت عربى، والمؤسف أننا نتخلى طواعية عن هذه القوة الناعمة، فمثلًا.. عندما يظهر مطرب مصرى لا نقف بجانبه ولا ندعمه، الأوبرا نستطيع من خلالها أن يكون لنا منفذ حضارى عظيم بشرط التسويق الجيد.. عبدالحليم حافظ رغم ذكائه وموهبته لكن لولا وقوف المؤسسات الثقافية وقتها بجانبه ودعمه بصفته صوت ثورة 1952 ربما لم يكن يصل إلى المكانة التى مازال محافظًا عليها رغم وفاته منذ 43 عامًا، والغريب أننا فى الستينيات كنا مدركين لقيمة وتأثير الفن أكثر من فهمنا الحالى فى عام 2020.



بمناسبة الحديث عن القوة الناعمة هل الانفتاح الثقافى والفنى الذى يحدث فى السعودية الآن وأنت واحد من الذين يشاركون به يمكن أن يجعل تلك الدولة المحافظة طوال تاريخها قوة ناعمة مؤثرة؟



هناك تغيير حقيقى ومبهر يحدث فى السعودية، لكن شكل التغيير بالسعودية لا يشبه التغيير الذى تم فى مصر على مستوى الحركة الفنية فى مطلع تسعينيات القرن الماضى، فمصر طوال عمرها موجودة، يحدث صعود وهبوط لنا، يغزو عقولنا وثقافتنا لفترة الفكر السلفى الوهابى ويسيطر علينا لكن لم نتأثر، فكانت المقاومة موجودة طوال الوقت، تلك المقاومة كانت موجودة فى السعودية لكنها لم تكن ظاهرة، وعلى فكرة الأدب فى السعودية يسبق الفن، فالسعودية مليئة بالأدباء مثل عبده خال وغازى القصيبى، القائمون على التغيير فى السعودية الآن يسيرون بسرعة شديدة نحو الانفتاح على جميع الثقافات، والأجيال الجديدة فى المملكة استقبلت هذا التغيير بسرعة شديدة وهضمته أيضًا، فالطلاب عندى فى السعودية 90% منهم بنات وسيدات، والمناقشة تحدث فى المحاضرة بدون أى محاذير، رأيى الشخصى أن السعودية ستصبح قوة ناعمة فى المنطقة من خلال الدراما والمسرح والأغنية خلال 5 سنوات.



بمناسبة صناعة النجوم.. نجحت من خلال «العدل جروب» ومن خلال مسلسل «حديث الصباح والمساء» فى تقديم عشرات الوجوه الجديدة والموهوبين الذين أصبحوا الآن فى مقدمة نجوم السينما والتليفزيون، لماذا لم تتكرر التجربة؟



النص الدرامى لمسلسل «الحديث الصباح والمساء» نادر جدًا، نحن نتكلم عن قصة كتبها نجيب محفوظ وصاغ السيناريو والحوار محسن زايد، عمل يتكرر كل 100 سنة، وعندما طلبوا منى كتابة الجزء الثانى رفضت وقلت لهم «لن استطيع كتابته بنفس جمال قصة نجيب محفوظ وصياغة محسن زايد»، وهذا المسلسل كان أول إنتاج تليفزيونى لنا، حاولنا بالفعل تكرار التجربة لكن بأشكال مختلفة مثل مسلسلات «قضية رأى عام» و»واحة الغروب» و»حارة اليهود» وغيرها، ولا ننسى أنه جاء علينا وقت واجهت فيه الدراما المصرية منافسة قوية من الدراما التاريخية السورية، ولذلك لجأنا للتصوير بكاميرات حديثة وتكنيك سينمائى، كما بدأ توافد مخرجى السينما للتليفزيون، ومع كل مسلسل ننتجه يكون لدينا نفس الشغف والرغبة ولكن ربما لا يتخيل المشاهد تكلفة الديكورات بمفردها، فهناك أعمال لا نكسب من ورائها ولا نخسر أيضًا لكن يكفى أنك تقدم بصمة مثل مسلسل «واحة الغروب».



كتبت الأفلام والأغنيات لجيل التسعينيات والجيل الحالى.. أى من الجيلين الكتابة لهم كانت أمتع وأصعب؟



الامتع الكتابة لجيل الثمانينيات والتسعينيات بحكم تقارب العمر بينى وبينهم، وبحكم أن طريقة الشغل كانت أجمل ومختلفة، فلم اكن استطيع أن انتج غنوة إلا والملحن يجلس أمامى، فكنت أنا ورياض الهمشرى وصلاح الشرنوبى وفاروق الشرنوبى نجلس معًا ونلحن الأغنية فى جلسة فنية ممتعة، وكنا غالبًا نترك العمل ونظل ندندن على العود أى أغنية أو نشاهد التليفزيون أو نخرج، الآن الملحنون الشباب لا يفعلون هذا، بل نرسل الكلمات على «الواتس آب» ثم يلحنها وبعدها يرسلها لى ثم نعدل وهكذا، طبعًا هذا مرهق وليست به روح، الصحبة و»القعدة الحلوة» هى التى تمنح الفن إنسانيته، ومشكلة الجيل الحالى أنه مشغول دائمًا بأكثر من مشروع فى وقت واحد وليس عنده وقت لتثقيف نفسه، فلدينا فى الورش الفنية الخاصة كتاب سيناريو قدموا أعمالًا درامية كبيرة ولهم إنتاج معروض فى السوق رغم أنهم حتى لم يشاهدوا كلاسيكيات السينما المصرية والعالمية، تخيلوا أننى تعاملت مع كاتب سيناريو لم يشاهد فيلم «الأرض»؟!، والمشكلة أن الكتاب الآن لا يبذلون جهدًا لصقل موهبتهم بالاطلاع والمعرفة والتجويد.



هل هذا فقط ما تلاحظه على الجيل الحالى؟



أيضًا يفتقدون القدرة على التواصل، مثلًا.. الملحن عمرو مصطفى لديه موهبة غير عادية واعتبره «بليغ حمدى» هذا الجيل، لكنه يشتت نفسه ويفعل ألف شيء فى نفس الوقت، دائما أقول له «لا تستهلك موهبتك»، لكن للأسف هو يستهلك ألحانه فى الأغنيات والإعلانات والتترات، فى رأيى أن شطارة الفنان لا تظهر فقط من خلال أعماله المتميزة.. ولكنها أيضًا عندما يعرف جيدًا متى يقول «لا» ويتوقف.



من تعتبره «تميمة الحظ» فى مشوارك الفنى؟



عمرو دياب طبعًا، فهو نموذح حقيقى للمثل القائل «من جاور السعيد يسعد»، أول فيلم لى كان هو بطله، وعمرو ميزته الاعتراف بفضل الآخرين عليه، وأنا أحب هذه النوعية من البشر، فأنا صعب أتحدث عن مشوارى بدون التطرق لفضل خيرى بشارة ومساعدته لى، ولذلك عمرو دياب لا ينسى مثلًا مجدى النجار وغيره الكثيرين من الذين بدأوا معه وساهموا فى نجاحه، وكل أغنية قدمتها له لها ذكرى وقصة، مثلًا كنت أنا وهو وهانى شاكر ومحمد فؤاد وطارق علام وحسام وإبراهيم حسن نذهب للعب الكرة أسبوعيًا فى نادى النيل بالمنيل، ووقتها كتبت له أغنية اسمها»جت من الغريب ومجتش منك»، وبعدها كلما التقينا يقول لى «أنا عايز أغنية زى اللى فاتت»، وكان وقتها عمرو دياب يبحث عن طريقه وشكل لهويته الغنائية، وكتبت أغنية «وإيه يعنى» وكنت أعمل وقتها مع سامى الحفناوى الذى قدم «لولاكى»، وكلما قلت لسامى مطلع «وإيه يعنى» يقول لى إنه كئيب جدًا، وفى يوم بعد ما انتهينا من لعب الكرة سألنى عمرو دياب عن أغنية جديدة فقلت له جزء من أغنية «وإيه يعنى» وأعجب بها جدًا، فى نفس اليوم الساعة 3 فجرًا وجدته يتصل بى فى البيت ويطلب منى أن أذهب إليه فى الاستديو ووجدت معه حميد الشاعرى وسجلنا الأغنية.



رغم تقديرك الدائم لعمرو دياب وأعمالكما الناجحة معًا لكن آخر أغنياتكما «أحلف بالليالى» كانت سنة 1996.. لماذا الغياب؟



أنا انشغلت بالدراما، وبعد ذلك كتبت له مسلسلًا كاملًا عن قصة حياته وهو «الشهرة» ولم يصور، وهناك جزء به «أنانية الفنان»، فعمرو دياب نجح من غيرى، وبالتالى عندما أقرر الآن وضع اسمى على أغنية له يجب أن أكون اضافة، وبعد هذا الغياب الطويل عندما أكتب لعمرو دياب يجب أن تكون أغنية مختلفة عن كل ما يغنيه، وهناك اختلاف الآن بين دماغى ودماغ عمرو.



هل هذا الاختلاف فى التفكير هو ما يبرر مثلًا أن عمرو لا يغنى «رصيف نمرة خمسة» للجيل الحالى، والأمر نفسه بالنسبة لمحمد فؤاد وأغنية «يعنى إيه كلمة وطن»؟



طوال الوقت عندى شعور بأنه لا يمكننى تكرار نفسى فى الكلمات وأفكارها أو ألحانها، عبدالحليم حافظ كان يعبر عن الوطن بكل حالاته وهذه كانت قيمة فنه ولهذا عاش، وهذا ما يفعله محمد منير، فلايجوز ولايصح أن تعيش فى بلد يمر بأحداث ولحظات فاصلة ولا تعبر عن ذلك بالغناء وأظل واقفًا فى منطقة معينة، وأردد نفس الكلام لكن بطرق مختلفة بدون أن اضيف أو أنظر إلى زاوية أوسع، ولهذا أكرر.. عندما اكتب الآن لعمرو دياب احب ان أكتب له شيئًا مختلفًا وأغنية تعيش بعد سنوات طويلة مثل «رصيف نمرة خمسة».



ترى أن عبدالحيلم حافظ كان مشروعًا غنائيًا كبيرًا كان صادقًا واستحق أن يعيش طويلًا.. فهل مشروع عمرو دياب تراه كذلك؟



عمرو دياب مشروع هو وجمهوره يشاهدونه من وجهة نظر، وأنا أشاهده من وجهة نظر أخرى، هو مشروع فنى طبعًا لأنه على مدار 30 سنة نجم كبير، لكن مشروعه كان يمكن أن يصبح أكثر اكتمالًا وقيمة على مر الزمن، فقيمة مشروع سيد درويش الفنى الذى يعيش منذ 100 عام وحتى اليوم هى غناؤه للنجارين والعمال والفلاحين والتلاميذ وكل فئات الشعب، وشارك الوطن فى كل لحظاته وغنى له أعظم أغنية «بلادى بلادى»، الحقيقة أن هذا ما يفعله محمد منير طوال مشواره الفنى، عبدالحليم حافظ ماذا كان سيتبقى منه لولا غناءه لثورة 1952 والعدوان الثلاثى وما بعد النكسة وحرب الاستنزاف ونصر 1973 وبين كل هذا حكايات البشر مع السد العالى والعدالة الاجتماعية ومحاربة الاستعمار، لو حذفت ما سبق من أرشيفه لن تتبق سوى اغنيات رومانسية تصنع مطربًا ناجحًا وليس أسطورة.



لنكن واضحين أكثر.. بعد 50 سنة من اليوم، فى اعتقادك كم أغنية يمكن أن يتذكرها الناس وقتها لعمرو دياب أو محمد فؤاد؟



بصراحة.. لا أعلم، لكن كما قلت عمرو دياب كان يمكن أن يكون مشروعًا أكثر اكتمالًا لو اهتم بلحظات انكسار وانتصار هذا الوطن، بعض الناس تحسبها بشكل آخر وتقول: أنا أقف فى مربع الأمان وأنتج ألبومات وأحيى حفلات وأكسب ماديا وناجح جدًا.. وبالتالى المهمة اكتملت، لكن لو أنا املك قبول وقوة تأثير عمرو دياب لكانت حساباتى مختلفة تمامًا، وهذا الكلام قلته للأستاذ عادل إمام عندما قدم «الجردل والكنكة».. قلت له: «لا يصح أن تكون كلمتك وتأثيرك أقوى من بعض الرؤساء وتقدم الجردل والكنكة»، لكن تملك أن تقدم «الإرهاب والكباب» و»اللعب مع الكبار» و»الحب فى الزنزانة»، هناك توقيت يجب أن تكون فيه عينك على الناس وهمومها وأحلامها، لكن بالمناسبة حتى لا يتم فهم كلامى بشكل خاطيء.. عمرو دياب ذكى جدًا ويعرف كيف يتطور مع افكار الأجيال الجديدة سريعًا، فعندما غنى «يوم تلات» كان ذكاء منه فى مخاطبة الجيل الحالى بلغته وموسيقاه وألحانه وإيقاعه، وقمت بتهنئته على هذه الأغنية، لكن بجانب هذا هناك أحداث يجب أن تغنى لها بشكل أو بآخر، ليس مطلوبًا أن تكون الشيخ إمام أو أحمد فؤاد نجم.. لكن أيضًا الانفصال تمامًا خطأ، فعمرو دياب مثلًا غنى للقاهرة فى «رصيف نمرة خمسة» وغنى لها أيضًا فى أغنية «القاهرة ونيلها»،.. لكن هناك فرق بين القاهرتين، فى «رصيف نمرة خمسة» كان يغنى عن الناس والشوارع، لكن فى «القاهرة ونيلها» كان يغنى للقاهرة من فوق فندق 5 نجوم، مع كامل احترامى طبعًا لهذه الأغنية.



تراجع بعض أصوات التسعينيات والتى كنت شريكًا فى صناعتها، هل هذه هى سنة الحياة أم أنهم مسئولون عن ذلك؟



عودتهم سهلة جدًا، نوال الزغبى مثلًا ظلت 15 سنة مختفية وبعدما غنت «الناس العزاز» عادت للصورة مرة أخرى بقوة، أى مطرب له رصيد عند الناس يمكنه العودة لكن بصفة عامة هم المسئولون عن تراجعهم، صعب اقتناعى بأن صوتًا مثل محمد فؤاد يتراجع بدون أن يكون هو السبب، فكيف تكون نجمًا وتقدم برنامجًا مثل «فؤش فى المعسكر» لا يليق بتاريخك وموهبتك وصوتك، محمد فؤاد لا يملك الطموح ولا يستشير، واتذكر كيف لعب بطولة فيلم «امريكا شيكا بيكا»، فى ليلة كنا فى المهندسين أنا وخيرى وبشارة فى مطعم، وظهر محمد فؤاد فذهبت لأسلم عليه وقلت له: تعالى معى لخيرى بشارة لتسلم عليه، فرفض وقال إنه زعلان منه لأنه كتب لعمرو دياب فيلمًا وهو لا، وقتها كانت المنافسة الشريفة قوية جدًا بين عمرو دياب ومحمد فؤاد، بعد عودتى لخيرى بشارة حكيت له الحوار الذى دار بينى وبين فؤاد، فضحك وقال «أنظر لفؤاد هو يرتدى بدلة تساوى قيمتها آلاف الجنيهات.. لكنها لا تشبهه، فؤاد هو أفضل شخص يستطيع أن يجسد دور أحمد المنسى بطل أمريكا شيكا بيكا»، وبالمناسبة.. أحمد زكى كان من المفترض أن يقوم ببطولة هذا الفيلم لكنه رفض لأن البطولة جماعية، وذهب خيرى بشارة لفؤاد بنفسه وعرض عليه الدور.



كما قلت إن المنافسة كانت قوية جدًا بين فؤاد وعمرو.. فهل هذه المقارنة كانت طبيعية وقتها أم مفتعلة بسبب حسابات السوق؟



الاثنان كانت تنتج لهما شركة واحدة، وتقريبًا يتعاملان مع نفس مؤلفى الأغانى والملحنين، لكن هناك فارق شاسع فى الرؤية بينهما، عمرو دياب دائمًا كان يعلم ماذا يريد، ودائمًا مشكلة أى مطرب جيد فى كيفية إدارته لموهبته، تامر حسنى فى رأيى يملك صوتًا جميلًا لكنه يصمم أن يفعل كل شيء بنفسه من تلحين وكتابة أغنية وتأليف وتمثيل، لماذا لا تدع الناس تسمعك من زاوية مختلفة، إدارة الفنان علم مثل إدارة المشاريع، فنجاح موهبة مثل نجم مصر محمد صلاح سببها أن هناك فريق عمل محترفا يدير ويخطط له حياته.



استمرارك فى كتابة الأغنية لجميع الأجيال منذ 30 عامًا.. هل سببه مرونتك فى التكيف مع جميع الأفكار أم هناك قلة فى مؤلفى الأغنيات الموهوبين حاليًا؟



لا نستطيع القول إن مصر نضبت من الشعراء وكتاب الأغنية، وقديمًا قيل نفس الكلام على جيل الأبنودى وجاهين وعبدالرحيم منصور، ثم ظهر جيلى، فكل جيل له من يمثله، ورأيى أن أم كلثوم مازالت موجودة بيننا ممثلة فى أصوات أخرى نحن فشلنا فى البحث عنها واكتشافها، ومصر عمرها ما كانت حكرًا على جيل معين من الموهوبين، لكن استمرارى فى العمل مع الجيل الجديد سببه عدم انفصالى عن الواقع والحاضر، دائمًا أجدد أفكارى بالتواصل المباشر مع الناس بجميع طبقاتهم، بالإضافة إلى أننى كفنان وسيناريست وكاتب أغنية أدرس جميع الظواهر التى تبرز فى مجتمعنا فى شتى المجالات، مثلًا ظاهرة نجاح محمد رمضان الكبيرة يجب أن أدرسها وأفهم لماذا استطاع أن يحقق كل هذا النجاح وسط هذا الجيل.



فى التسعينيات قدمت فيلم «أيس كريم فى جليم» ليعبر عن تمرد شباب هذا الجيل على ظروفهم، وفى بداية الألفية عبرت عن جيل آخر من خلال فيلم «صعيدى فى الجامعة الأمريكية»، لو أردت اليوم كتابة فصل ثالث عن جيل 2020، ماذا سيميزه؟



هم الأقدر لأن يكتبوا عن أنفسهم، الجيل الحالى مثقف وروح العولمة موجودة لديهم، وتمردهم زاد أكثر وأكثر، وأنا ضد مهاجمة أى فكرة أو ظاهرة جديدة فى الفن، ولكن لابد من محاربة الفكرة بالفكرة، فلست من الناس التى تهاجم أغانى المهرجانات ويطالبون بمنعها، بالعكس أنا أفضل تحليل هذه الظاهرة ومحاربتها بالفن الصادق، فإذا كنت وزيرًا للثقافة ولم أستطع أن أحدث تغييرًا يجب أن أرحل فورًا، فما الفارق بين شيرين مثلًا وأى مطربة كبيرة ظهرت فى الستينيات مثلًا؟! أعتقد بغض النظر عن حجم الموهبة فإن الفارق الرئيسى فى الكبار الذين كانوا يحيطون بمطربات الزمن الماضى مثل محمد عبدالوهاب وبليغ حمدى وصلاح جاهين وكامل الشناوى وإحسان عبدالقدوس ومصطفى أمين وكمال الطويل وغيرهم، هذا ليس عيبًا فى شيرين لكنها طبيعة الجو العام.



بعد 30 سنة عمل، إلى أين أخذت الأغنية المصرية؟



رغم كل الجوائز التى حصلت عليها، إلا أن أكثر جائزة أحبها وأعشقها شهادة تقدير حصلت عليها من قناة النيل للمنوعات وقت أن كانت هالة خليل تترأسها، هذه الشهادة مكتوب عليها جملة جميلة جدًا»شكر وتقدير للدكتور مدحت العدل لإعادة صياغته للأغنية الوطنية»، أنا كنت جزءًا من الذين كتبوا عن الوطن وذكرياته وأحلامه من خلال البشر قبل الحجر، مثلًا.. أغنية «يعنى إيه كلمة وطن؟» كتبتها وأنا أعمل طبيبًا فى السعودية، وقتها فى غربتى تذكرت الفتاة التى كنت أحبها فى الجامعة وذكرياتنا ونحن نتمشى على كورنيش المعادى فى مطلع الثمانينيات، ورائحة «تقلية ملوخية» أمى فى بيتنا بشبرا.



الكتابة بشيء من التقديس واضفاء المثالية فى مسلسلات السير الذاتية مثلما فعلت فى مسلسل «العندليب».. ألا ترى أنه يضعف العمل أحيانًا؟



مسلسل «العندليب» كان من أهم ما كتبت، وراض عنه كورق وكتابة، لكن لست راضيًا عن أداء الممثل الذى قام بدور العندليب، وعندما كتبت بشيء من التقديس عن حليم لتأثرى بقصة هذا الرجل، وشعرت تجاهه بتعاطف إنسانى لا محدود، فرحلة تبدأ بعناء وجهد كبير وعندما ضحكت له الدنيا يكتشف مرضه، بالإضافة أنه لم يكن فى حياته أشياء يمكن انتقادها بشكل كبير.



مواقع التواصل الاجتماعى أظهرت الجانب الإنسانى للفنانين والذى ربما كان صادمًا لجمهورهم، مثلًا أنت تنشر عبر حسابك على «تويتر» آراء هجومية خاصة فيما يتعلق بكرة القدم، ألم تشعر أنك فتحت أبواب خصوصيتك أمام الجميع؟



متفق جدًا، وبدأت حملة ترشيد لآرائى على «السوشيال ميديا» فيما يخص كرة القدم، لكن آرائى فى غير الرياضة أكون متعمدًا لأن تكون معبرة عنى وحتى لو بدت صادمة للناس، لأنه فى عمرى هذا وبعد خبراتى يجب أن أقول رأيى، فمن حقى أقول رأيى فى أغنيات كاظم الساهر وضرورة أن يستعين بألحان غيره فى قصائده أو الرجل الذى يظل يتحدث 90 دقيقة بدون توقف، نجيب ساويرس دخلت معه فى اشتباك على «تويتر» بسبب محمد صلاح، أنا فى مرحلة عمرية تسمح لى بتوجيه رأى عام.



بمناسبة الكرة، هل صحيح أو والدتك توفيت وهى تشاهد مباراة للأهلى، وهذا هو سر تعلقك بالزمالك وهجومك الدائم على الأهلى؟



فعلًا أمى توفيت نتيجة ارتفاع ضغطها وهى تشاهد مباراة للنادى الأهلى الذى كانت تشجعه، لكن هذا طبعًا ليس سببًا فى تشجيعى للزمالك الذى أعشقه منذ طفولتى، وأنا تربيت فى وقت كانت الكرة تلعب فيه من أجل المتعة، وأنا أحب فنيات الكرة جدًا، ونحن كجمهور للزمالك لا نحب أن يكسب الفريق بلعب سيئ.



ما ظروف القصيدة التى كتبتها وتنعى فيها نفسك؟



الشاعر جمال بخيت وقتما كان رئيسًا لتحرير مجلة صباح الخير نشر تحقيقًا بعنوان» انع نفسك قبل أن ينعاك أحد»، وقتها كنت فى لندن مع زوجتى وهى تجرى عملية جراحية خطيرة جدًا، فتخيلت نفسى مكانها فكتبت القصيدة، ولم أقل لأبنائى عنها أى شيء، وأرسلتها للنشر بدون علم أحد، وبالمناسبة عبدالرحمن الأبنودى له قصيدة هو الآخر عن الموت ومشهد جنازته وأصدقائه يحملون نعشه، الموت فى عمرنا هاجس موجود طوال الوقت إما أن تقابله بكآبةص أو تقابله بشكل فلسفى، أنا أقابله بشكل فلسفى، وهذا ما يجعل لدى رغبة أقول رأيى فى كل شىء.