لا يخلو من حكمة النصح بأن تغيير كل إنسان نفسه يجب أن يسبق سعيه إلى تغيير مجتمعه أو محيطه. من لا يستطيع تغيير شىء ما فى حياته لا يمكن أن يقدر منطقيا على ما هو أكبر.
لكن هذا النصح يفترض أن التغيير الفردى أيسر من الجماعي، أو أنه سهل لا يتطلب إلا قرارا يتخذه الشخص. وهذا افتراض لم تثبت صحته, إذ يتبين فى كثير من الحالات أن المقاومة الداخلية لتغيير شىء ما فى حياة الإنسان لا تقل قوة. ولذا أُثير، ومازال، سؤال كبير عن سبب صعوبة التغيير الذاتي، وهل تعود إلى جمود التكوين الشخصي، أم إلى رسوخ المعطيات المراد تغييرها. والسؤال على وجه التحديد هو: ما الذى يعوق تغييرا فى هذا الجانب أو ذاك من نمط حياة شخص أو آخر، أو فى طريقة نظرته للأمور، أو فى علاقاته مع الآخرين، حتى إذا رأى أن هذا ضروري، أو سعى إليه؟ وما مصدر شعور هذا الشخص بأن شيئا فى داخله يقاوم تحقيق تغيير يفكر فيه، ويراه إيجابيا، وما الذى يجعل هذه المقاومة قوية مثلها فى ذلك مثل التى تعوق تغيير أنماط قيم ومعتقدات وسلوكيات مجتمعية اكتسبت قوتها عبر الزمن، وصارت لبعضها قدسية، أو كانت لها من الأصل؟. وقد سعى بعض الدارسين المعنيين بمسألة التغيير إلى البحث فى مصادر هذه المقاومة الداخلية. ولا يتسع المجال لنتائج هذه الدراسات، ولكن أهم ما توصل إليه أحدثها أن التعود على نمط حياة معين، والخوف من جديد غير مُجرب، هما أهم ما يجعل التغيير صعبا. إنه التعود على ما هو معتاد سواء كان أفكارا أو سلوكا. وينبغى ألا نستهين بقوة العادة التى قد لا تكون واضحة لدينا، وربما لا نشعر بتأثيرها فينا، وتحكمها بحياتنا أحيانا. وهذه القوة هى التى تقاوم التغيير، ما لم تكن هناك إرادة قوية لتحقيقه. وتزداد قوة العادة مع مرور الوقت، وتصبح عائقة حتى للتفكير فى التغيير، وتجعل الإنسان أسير ما تعود عليه، وارتاح إلى تكراره، دون أن يفكر فى مدى صحته، أو جدواه.