لا شك أن السلام والاستقرار يلزمهما قوة تحميهما وتضمن استمرارهما لأى بلد، من هنا تأتى أهمية القاعدة العسكرية المصرية الجديدة برنيس التى دخلت الخدمة الأربعاء الماضى بعد أن افتتحها الرئيس عبد الفتاح السيسى وتزامن افتتاحها مع ختام المناورة قادر 2020، وقبل الحديث عن القاعدة الجديدة والدور المنوط بها فى إطار الاستراتيجية العسكرية المصرية للتطوير والتحديث الشامل والمستمر، يمكن التوقف أولا عند الرسائل العديدة التى انطلقت من بوابة القاعدة الى الداخل والخارج فى آن واحد، فالداخل الذى تفاجأ بافتتاح القاعدة تساءل فى دهشة: متى أنجزت؟ إذ اعتادت مؤسستنا العسكرية مصنع الرجال التى ترفع شعار أفعال لاأقوال، أن تتحدى المستحيل ذاته وتبهر من حولها، وهاهى القاعدة العسكرية الاكبر فى الشرق الأوسط تشيد وتجهز بأحدث الامكانات العسكرية فى أقل من عام، إذ كانت البداية فى مارس 2019 عندما تفقد مكانها الرئيس وهاهو يفتتحها فى يناير قبل شهرين من إتمام العام، وهو تحد مبهر عندما نعرف أن مساحة القاعدة 150 ألف فدان وهى مساحة كبيرة جدا تعادل مساحة دول أعضاء بالأمم المتحدة وتقل قليلا عن مساحة العاصمة الادارية التى تعادل مساحة سنغافورة، مايعنى أن الأمر يستحق التوقف، خاصة أن موقع القاعدة أيضا له من الأهمية مايستحق التوقف إمامه، فموقعها الاستراتيجى عند ساحل البحر الاحمر شرق جنوب مصر بالقرب من أسوان حيث البوابة الجنوبية لمصر أمر يعنى الكثير، فالمهمة تستحق أن تكون هناك قاعدة جو بحرية بهدف تأمين حركة الملاحة العالمية من البحر الأحمر إلى قناة السويس.
وثانية الرسائل أن مصر وإن كانت منشغلة بالبناء الداخلى من أجل الارتقاء بمرافقها وتحديث مدنها واضافة الجديد لها وبناء شبكة طرق متميزة تربط محاورها جميعها، فإنها لاتغفل عن تأمين حدودها وتحديث أسلحة جيشها وتطوير قدراته، فتجد التدريب والمناورات تتم جنبا الى جنب مع البناء المنتشر فى شتى بقاع مصر، وثالثة الرسائل تمثل فى حضور عدد من القادة الذين نرتبط معهم بعلاقات قوية من الأشقاء والأصدقاء فهاهو الشيخ محمد بن زايد ولى عهد ابوظبى والشيخ ناصر بن حمد بن عيسى ممثل عاهل البحرين ومستشار الامن الوطنى ورئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، والأمير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع السعودي، وهم ممثلو دول التحالف العربى مع مصر ضد الإرهاب، إضافة إلى رئيس دولة أرمينيا ارمين سركيسيان، وبدا واضحا إعجاب ضيوف مصر بالقاعدة حيث التقطت صور للشيخ محمد بن زايد وهو يصور بهاتفه المحمول الطائرات التى رسمت علم مصر فى السماء، وغرد على صفحته الرسمية نشارك شعب مصر الشقيق إنجازاته الوطنية والتنموية والحضارية، وهاهو الشيخ ناصر بن حمد يدلى بتصريحات للصحف يؤكد فيها ان مصر تبين الوجه الاخر للتطوير الذى يبحث عن الاعتدال والاستقرار ويحدث التوازن فى الوقت نفسه، مشددا على أن الاستثمار فى الامن هو الركيزة الاساسية لنمو الاقتصاد فى ظل التحديات التى تشهدها المنطقة، أما الرسالة الأهم فكانت لمن ضله هواه وظن أنه يمكن أن يوقف مسيرة بناء الوطن بترتيب المكائد او من خلال منصات الكترونية جيش لها ذبابه ورصد من أجلها الملايين، ظنا منه أنه قادر على إيقاف المسيرة أو تعطيلها، أو أنه يستطيع ان يمس الأمن والاستقرار فى مصر، فعليه أن يراجع مواقفه وألا لايلومن إلا نفسه، وآخر الرسائل من وجهة نظرى أن مصر فى أيد قادرة تحسن القيادة والتخطيط وتعمل فى مسارات عدة لاتتقاطع مع بعضها وانما تحقق كل منها اهدافها التى وجدت من أجلها، وترد بقوة على من كان يتساءل عن انشغال القوات المسلحة بالعمل المدنى من خلال المصانع التى تنشئها لخدمة المواطنين، ومن كان يتساءل عن السبب فى إنفاق الأموال على التسليح العسكرى وكأننا فى عالم أفلاطونى يسوده السلام، فجاءت الأحداث الأخيرة التى شهدتها المنطقة العربية من محاولة دولة أجنبية التدخل فى الشأن الليبى الذى يعد أمنا قوميا لمصر، لترد على سبب تجهيز وتطوير وتحديث جيشنا الباسل.
الشاهد أن يوم افتتاح قاعدة برنيس التى تأتى بعد قاعدة محمد نجيب فى شمال غرب مصر يعد يوما من أيام الوطن المجيدة لتحفر لنفسها موقعا فى كتاب تاريخ مصر، يوم للفخار والزهو بالجيش الذى يحمى الوطن بيقظة وحزم وشرف، ولذا كان طبيعيا أن يواكب المصريون هذا اليوم بما يستحقه من إشادة، فامتلأت صفحات التواصل الاجتماعى بعبارات الثناء حتى تصدر تويتر هاشتاج حفظ الله المحروسة وبات اسم برنيس الأكثر انتشارا على الشبكة العنكبوتية، وأعلنت شركات السياحة والطيران عن سعادتها بالقاعدة التى تضم مطارا سيستقبل الرحلات الخاصة، ويبقى الحديث عن إمكانات القاعدة الجديدة والتى تشمل قاعدة بحرية وقاعدة جوية ومستشفى عسكريا ومطارا ورصيفا تجاريا بطول 1200 مترا وعمق 17 متر، وأرصفة للبضائع وأخرى متعددة الاغراض، وساحات للحاويات وميادين رماية ومحطة تحلية للمياه.