مثقفون أضاءوا حياتنا: الرافعى.. حدوتة للحب وللحياة
لا يذكر اسم مصطفى صادق الرافعى إلا ويبتسم بحب واحترام كل من يعرفه؛ ربما لأنه قرأ له كلاما راقيا عن الحب أو اهتم بأبحاثه المبكرة عن التراث.
ولا يعرف الكثيرون من عشاق الرافعى قصة «كفاحه» وكيف انتصر على الألم ونجح «بتطويعه» ليكون خادما له ولإبداعه، ورفض السماح للوجع بالسيطرة عليه «وسرقة» طاقاته الإبداعية.
ولد 1 يناير عام 1880ورحل 10مايو 1937وبقى وسيبقى غرسه الصادق.
أصيب بالحمى وهو بالمرحلة الابتدائية، وبعدها أصيب فى أذنيه واستمرت معاناته حتى فقد السمع فى الثلاثين من عمره.
كان والده قاضيا وعالما، ولديه مكتبة تضم أهم الكتب، فشكل ذلك البيئة الخصبة لتكوين الرافعى وجدانيا وأدبيا ولزرع الشغف بالبحث والتنقيب بالتراث بعقله وبحياته، احسن الرافعى الاستفادة من الكتب ونفذ بصباه ما طالب به القراء عندما قال: ليكن غرضك من القراءة اكتساب قريحة مستقلة، وفكر واسع، وملكة تقوى على الابتكار.
اضطر، لضعف سمعه، إلى ترك التعليم وعوض نفسه بالنهل من الكتب. وبسبب عدم حصوله على مؤهل عمل كاتبا بمحكمة، وشق طريقه كمبدع متخطيا الصعاب. برزت مواهب الرافعى مبكرا، حيث أصدر ديوانه الأول وعمره 23عاما ولفت الأنظار فى زمن كبار الشعراء كحافظ إبراهيم والبارودى.
فى ديوانه الأول كتب مقدمة توضح مغزى الشعر وأهميته وصنوفه وتاريخه، ولم يقتصر على نشر الأشعار كما يحدث دوما. كتب النشيد الوطنى الرائع «اسلمى يامصر»، والنشيد الوطنى «إلى العلا»، والنشيد القومى لتونس.
عاش الرافعى حياته مخلصا لما يؤمن به؛ شجاعا لا يخاف من المعارك الأدبية ولو كانت مع العقاد وطه حسين؛ واتسع الحب عنده ليشمل حب العربية والدفاع عنها ضد ما سمى محاولات تجديدها، ورأى أنه سعى للنيل منها، وخاض معارك مع طه حسين عندئذ وأدارها برقى وعلم، وقدم للمكتبة العربية أهم كتبه وحى القلم وتحت راية القرآن، وكان معتزا بلغته العربية مدافعا عنها عاشقا لها.
برز الرافعى كمؤرخ للأدب العربى فى كتابه المتفرد ثلاثة أجزاء عن تاريخ الأدب العربى، وغاص فيه فى فنون الأدب، واهتم بالبلاغة وقدمها للقارئ بسلاسة غير مسبوقة.
كان عاشقا للقوة النفسية ولرفض الاستسلام لأى واقع مؤلم ـ وهو ما فعله بحياته ـ فانتصر على الصمم وكان نموذجا حيا لآرائه ومنها: لا يريد منك الهم أكثر من أن تريده يأتى.. فيأتى، وما حيلة الشمس فى الحيطان والأبواب التى تقيمها أنت..افتح لها..تدخل إليك.
فى كتابه «المساكين» نرى حبه للفقراء وتعاطفه معهم واحترامهم لمعاناتهم، وقد كتبه بعد الحرب العالمية الأولى وما أعقبها من كوارث إنسانية لمست قلبه ودفعته لتأليف هذا الكتاب. تعددت كتبه عن الحب وتنوعت أساليبه بها وتراوحت بين الرومانسية الخالصة وبعض الواقعية ودوما كانت صادقة ولأنها كتبت برهافة حس لذا يستمتع بقراءتها الجميع رغم مرور أعوام طويلة على كتابتها لتعبيرها عن مراحل الحب المختلفة وفلسفته وبداياته وأحلامه واندفاعاته وإحباطاته والتوق إليه رغم أوجاعه، من هذه الكتب «رسائل الأحزان» و«السحاب الأحمر» و«أوراق الورد» و«حديث القمر».
عندما تقرأ كتابات الرافعى العاطفية ورقتها البالغة ثم تنتقل لكتاباته الرادعة لأعداء اللغة العربية ولكتبه العاشقة للتراث العربى تجد أن هذا الرجل كان «الحب» مفتاح شخصيته، فلم يكتب كلمة إلا وهو يحبها ويصدق بها، وكانت حياته ترجمة لمقولته البديعة: «إذا لم تزد على الحياة شيئا تكن أنت زائدا عليها»، ولحكمته الرائعة: الحياة ثلاثة؛ المبدأ الشريف للنفس والفكر السامى للعقل، والحب الطاهر للقلب؛ هذه هى معانى الكمال الإنسانى.