عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
ديتوكس النفس فى العام الجديد!
28 ديسمبر 2019
د. أحمد عاطف دره


تصلح بعض الأيام ان تكون فرصة لإعادة حساباتنا مع الحياة. اغلبنا يلهث من موعد لآخر، ومن تحد لآخر، بحيث لا يجد اى فرصة لالتقاط أنفاسه. لكن من نعمة الخالق علينا انه يبعث لنا بلحظات مضيئة تمكننا من إعادة اكتشاف أنفسنا من جديد. موعد نهاية كل عام هو احد المواعيد المثالية لذلك. انه يأتى غالبا فى الشتاء فى معظم بلاد الكرة الأرضية، وهو ما قد يسمح بأن تدفئ نفسك وتتأمل. نحتاج ان نهرب من تقليب المواجع الى حب النفس بشكل بناء ومثمر. هناك من يفهمون حب النفس بشكل خاطئ، فيجعلون انانية نرجسية لا تلتفت ألا لذاتها، فتجعل من كل نشاط لها هدفه الفوز والاقتناص والتملك، وهناك من أيقن بأن حب النفس بجعلها كائنا يساعد كل الكائنات فى الكون، ويطبق قيمة الايثار، وهى احد اهم الأسباب التى خلق الله الإنسان لأجلها. حتما يفسد الكون بالأنانية والاستئثار والشللية وجماعات المصالح، وحتما يصلح بالمحبة والمشاركة والإيثار. لو لم يفضل الأهالى أبناءهم على أنفسهم، لتركوهم دون تضحيات والتفتوا لأنفسهم و فسدت الدنيا. لو لم ينقل كل صاحب معرفة معرفته إلى الآخرين، لانغلق سبيل التطور، وأصبح كل علم سرا، وتفشى البخل النفسى وتقاتل البشر. لو أحب البشر انفسهم فقط، لما كانت لهم أوطان تحميهم وتدافع عنهم ولسادت الفوضى. إن بعض المؤمنين بنظريات ما بعد الحداثة فى العلوم الاجتماعية يدعون أن تكون الأوطان مثل الشركات، ذات حقوق وواجبات للمنتسبين لها، لضرب فكرة الأوطان فى مقتل، ولخدمة المشروع المسمى المواطن العالمى الذى يعمق اللاانتماء، ويجعل من حب الوطن شوفينية وتمسكا فارغا بأفكار بالية. لكن الأوطان اكبر من ذلك بكثير. لذا فكثرة حبها ليست آفة، وقلة حبها مرض عضال.



يصلح العام الجديد ان يكون فرصة لإعادة إنتاج أنفسنا من جديد. الانسان كائن ضعيف بقدر ما هو قوى. تجتاحه الهموم والأحزان مما يحدث له مهما كان باطشا. بعض البشر من النموذج الاخير يزيدهم التحدى قسوة تجاه الآخرين، وكأنه ينتصر على الدنيا بالعنف، ويباغت الآخرين قبل ان يقضوا هم عليه . حتى هؤلاء يحتاجون للرحمة ولتنقية انفسهم من صديد التحدى ومرارات المعارك. كلنا محتاجون فرصة ثانية، محتاجون وقفة مع النفس، حتى الطيبون. محتاجون عملية ديتوكس ضرورية بقوة لتنقية أرواحنا مما يعلق بها فى رحلة الحياة. والديتوكس هو تنقية الجسم من السموم باتباع نظام غذائى قائم على الخضار والفاكهة والمياه. اى انها المواد الطبيعية (غير الملوثة بالطبع). التى تطرد بدورها كل أذى ترك اثره داخلنا.كل ميكروب، كل فيروس، كل سم. كل كائن ميت داخلنا. لقد أصبح ما بداخنا كالمقبرة. والنفس تتأثر مؤكدا أكثر من الأجسام، بل إن الأجسام نفسها تتأثر كلما أصاب النفس الم. فى ظنى أن أغلب الأمراض الجسمانية لها جانب نفسى، وهو ما يسمى سايكو سوماتيك. النفس هشة أكثر، تعطب من اى قدر من العدوان. إذا شتمك أحدهم أو اغتابك أو عنفك أو حسدك او خطط ضدك مؤامرة أو أرادك بسوء ايا كان، فإنك تتأذى. واغلب البشر يخطئون فى حق بعضهم مهما كانت سريرتهم سليمة. فما بالك بالمؤذين الذين لا هم إلا الإساءة للآخرين وتعطيل مراكبهم السائرة. وهم يكثرون فى الأزمنة السيئة، ولا مهرب منهم طوال تاريخ البشرية. وربما تتساءل لماذا خلقهم الله، مؤكد لحكمة يعلمها هو، خلقهم مثلما خلق جل جلاله، الامراض والأعاصير والكوارث. لهذا لزم الديتوكس من كل ما يفعله هؤلاء المؤذوين المنتشرين فى حياتنا. والديتوكس عملية يقوم بها الكون بنفسه لنفسه، من خلال اكثر من تقنية. التولد التلقائى أو التخلق التلقائى مثلا هى العملية الطبيعية التى نتجت عنها الحياة من مواد غير حية، مثل المركبات العضوية. والانتقال من المواد غير الحية إلى الكيانات الحية لم يكن حدثا واحدا، وإنما عملية تدريجية زيادة فى التعقيد، والتى تتضمن التضاعف الذاتى الجزيئى والتجميع الذاتى والتحفيز الذاتى. ومن اجل ان ينتهى الشتاء ويأتى الربيع على الدنيا اجمل فصول السنة وأرقها، لابد أن تحدث تقلبات الطقس وتلفظ الارض الحشرات والامراض، التى لو تركت لهلك العالم، فيرسل الله الغبار ليقتلها. وديتوكس النفس وسائله كثيرة وطرقه متعددة، إلا أن الطريق الرئيسى الموصل لها هو الحكمة. الحكمة تجعلك تتسامح و ترى الامور نسبية. تجعلك ترى النعم التى ترفل فيها رغم النواقص والمحن.



لدينا دائما فرصة للحب والفرح, ومهما كنت قويا فأنت محتاج لأن تعيد نفسك إلى فطرتها الاولى، بسيطة وطيبة ومتقبلة. فقط حاول، وسيساعدك الله حتما.