عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
هل تغيير العملة يفيد الاقتصاد؟
28 ديسمبر 2019
جمال وجدى


ثارت دعوات لتغيير شكل العملة المصرية بدعوى المساهمة فى حل مشكلات البلاد الاقتصادية بضم الأنشطة القائمة بالقطاع غير الرسمى إلى الاقتصاد الرسمى وإجبار أصحاب الأموال العاملة والمدخرة خارج الجهاز المصرفى على ضخها به وبالتالى إحداث طفرة كبيرة بالإيداعات وزيادة الحصيلة الضريبية والشمول المالى، ولكن تغيير شكل العملة ليس هو الأسلوب المناسب لتحقيق تلك النتائج التى يمكن تحقيقها بوسائل أخرى أقوى أثرا وأقل تكلفة ولكن يمكن لمثل هذا التغييرتحقيق مزايا ووفورات أخرى فى ظروف معينة.



تعتبر نسبة النقد المتداول إلى الناتج المحلى الإجمالى هى المقياس الأمثل لمعرفة ما إذا كان هناك ارتفاع بالنقد المتداول ومقداره وهذه النسبة لا ترتبط عكسيا بدرجة التقدم الاقتصادى أو الشفافية، فالنسبة الأعلى عالميا باليابان تبلغ 20% فى حين تبلغ 1.5% فى نيجيريا رغم تدنى مرتبتها فى الاقتصاد والشفافية، وفى مصر بلغ النقد المتداول خارج البنك المركزى فى يونيو الماضى 482 مليار جنيه يمثل 10.5% من الناتج المحلى الإجمالى، أى أقل من النسبة السائدة بدول منطقة اليورو والبالغة 11.1%، وبالنظر إلى كبر حجم الاقتصاد غير الرسمى الذى تباينت تقديراته ما بين 40% و90٪ من حجم الاقتصاد الرسمى وبافتراض أن التقدير الأقل هو الصحيح فإن النقد المتداول يمثل فقط 7.5% من الناتج المحلى الإجمالى وهى نسبة لا تعد مرتفعة بالمقاييس العالمية وتشير إلى أن الفكرة الشائعة عن أن المجتمع المصرى نقدى تحتاج للمراجعة، وحتى بافتراض ارتفاع النسبة فإن الارتفاع يعود بالأساس لوجود الاقتصاد غير الرسمى وليس سببا لوحوده.



ومن الضرورى ملاحظة أن قيام أصحاب الأموال العاملة والمدخرة خارج الجهاز المصرفى بضخها به نتيجة تغيير شكل العملة سوف يحدث مرة واحدة فقط وسيمكن للأنشطة الساعية للعمل خارج الاقتصاد الرسمى القيام بذلك سواء السابق إدماجهم بالاقتصاد الرسمى أو القادمون الجدد، وسيكون تغيير شكل العملة لمرة ثانية أمرا مكلفا جدا ومثيرا للارتباك بالسوق، وعلى العكس من هذا الحل القصير الأجل فإن وجود آلية تعالج المشكلة من جذورها سيكون له أثر مستديم ويجعل العمل خارج الاقتصاد الرسمى أمرا مستحيلا أو صعبا جدا.



من جهة أخرى هناك أسباب أخرى تدعو الدول لتغيير شكل عملاتها فى حالة الانخفاض الشديد فى قيمة العملة ورغبة الدولة فى استعادة الثقة بها وتخفيض تكلفة إصدارها وأيضا لتسهيل المعاملات، فالتضخم الجامح يؤدى إلى تآكل قيمة العملة إلى درجة تدفع الدولة إلى إصدار فئات بقيم مرتفعة جدا إلى درجة مثيرة للاندهاش من فرط ارتفاع القيمة الاسمية لعملات ضعيفة القوة الشرائية، مما يسبب ارتباكا كبيرا بالمعاملات وفقدان الثقة المحلية والعالمية بالعملة وهو أمر يستوجب معالجة الأسباب الحقيقية للتضخم مصحوبة بإعادة تقييم العملة بإزالة أصفار من قيمتها أى استبدال عملة جديدة بالقديمة لتزيد قيمة الجديدة عن قيمة القديمة بدلالة عدد الأصفار المحذوفة، وقد لجأت إلى تلك الخطوة عدة دول تتباين درجة تقدمها الاقتصادى مثل ألمانيا والبرازيل وإسرائيل وتركيا، وحققت الكثير من الحالات نجاحا وفى البعض الآخر اضطرت ذات الدولة إلى تكرار إعادة التقييم وصلت فى البرازيل إلى ست مرات.



وفى حالة مصر فبالرغم من التضخم المرتفع الذى ساد عامى 2016 و2017 فإن الأمور لم تصل إلى الدرجة التى تستدعى اللجوء إلى تلك الخطوة، ولكنها قد تمثل خيارا متاحا ليس كعلاج لمشكلات اقتصادية ولكن لتحسين منظومة إدارة أوراق النقد من حيث التكلفة وتلبية احتياج السوق، فمع تطور تقنيات الطباعة واستخدام وسائل فنية أكثر تقدما لتحسين نوعية أوراق النقد وتأمينها ضد التزييف والتزوير زادت تكلفة إصدار النقود بدرجة كبيرة تقلص معها امتياز الإصدار الذى يجنيه البنك المركزى من إصدار النقود (وهو الفارق بين تكلفة طباعة أوراق النقد والعائد على الأصول المقابلة لها)، ويمكن بإعادة التقييم معالجة ذلك بتقليل عدد أوراق النقد المطبوعة، وبالتالى تكلفتها وتعديل الفئات، وهى تمثل بديلا أكثر كفاءة من إصدار عملات جديدة من فئات أكبر من الموجودة.



تغيير العملة إذن يجب أن يكون مبنيا على فهم صحيح لأثره الممكن والنتائج التى يمكن تحقيقها من ورائه وأنه بذاته لا يمثل علاجا ولكنه يأتى تاليا أو على الأكثر متزامنا مع إجراءات العلاج.