عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
أمريكا والغرب.. لا وقت للعراق
24 ديسمبر 2019
شريف الغمرى
> مظاهرات الشعب العراقى ضد الفساد والنفوذ الأجنبى


بينما كانت الأزمة تشتد داخل العراق، وتتواصل عمليات القتل وسفك الدماء للمتظاهرين، وأصابع الاتهام تشير إلى أكثر من طرف فى مقدمتهم إيران، كانت الأنظار تتجه نحو دول الغرب عامة، تلقى عليها بجانب من المسئولية عما يجري، بعد أن لوحظ أن قادة وزعماء دول حلف الأطلنطي، الذين اجتمعوا أخيرا فى لندن، لم يجدوا لديهم وقتا يتم تخصيصه للوضع المأساوى فى العراق.



وعلى ضوء هذه النظرة للغرب، قالت صحيفة «تايمز» البريطانية إن ما يحدث فى العراق هو بمثابة هزيمة استراتيجية للغرب واستمرار لفشل جديد للولايات المتحدة.



كانت البداية تأييد دول غربية للقرار الأمريكى لإدارة الرئيس الأمريكى جورج بوش بغزو العراق عام 2003، بحجة امتلاكه أسلحة دمار شامل دون سند يثبت هذه الذريعة، ثم ما ثبت بعدها من كذب هذا الادعاء.



ثم استكملت الخطة التى تركت نتائجها المأساوية تضرب استقرار الوطن العراقى إلى اليوم، بالتسوية الدستورية، التى وضعت الولايات المتحدة خطوطها وبنودها، والتى قامت على توزيع طائفى للمناصب فى الدولة للمجموعات الرئيسية وهي، الشيعة والسنة والأكراد، بحجة أن هذا النظام يحقق الاستقرار فى العراق. ولكن ما أدى إليه كان مجرد إشعال التنافس والتناحر والعصبية وتحصين النخبة السياسية من كل فريق، والتحكم فى موارد الدولة الاقتصادية مما أدى بدوره إلى تدهور الوضع الاقتصادي، وانتشار الفساد والبطالة ومعاناة المواطن معيشيا، فى دولة تعد من أضخم الدول امتلاكا لاحتياطات البترول فى العالم.



وبعد أن كان الهدف من حرب العراق هو تحقيق الحرية والديمقراطية، فإن ما تحقق فى واقع الأمر هو الدمار والتناقضات، ومضاعفة حجم الإرهاب ثلاث مرات عما كان عليه قبل الغزو، وذلك حسب تقرير وكالة المخابرات المركزية.



ومع انتشار الفوضى الداخلية والفساد بين النخبة السياسية، واستمرار التدخل السافر لقوى خارجية فى الشأن الداخلي، والاستفزاز لمشاعر العراقيين من جانب إيران حتى بدا فى كثير من المواقف وكأن إيران هى التى تحكم العراق، تفجرت المظاهرات المستمرة لأكثر من شهرين فى مختلف المدن العراقية للمطالبة بمحاسبة الفاسدين أيا تكن مناصبهم، وعدم السماح بوجود ميليشيات مسلحة خارج إطار السلطة الشرعية، وأن يكون العراق وطنا خاليا من النفوذ الأجنبي، خاصة الوجود الإيراني، وإجراء انتخابات حرة جديدة وتحت إشراف دولي.



وفى هذا الإطار نشرت صحيفة «التايمز» ضمن أكثر من تقرير أخيرا، الكثير من التفاصيل التى تكشفت للعراقيين حول انتماء رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، قبل تقديم استقالته نتيجة إصرار المتظاهرين عليها، لحزب لديه ارتباطات بإيران تعود إلى عقود مضت، وأن المرشد الإيرانى آية الله خامنئى قد كلف قاسم سليمانى المنتمى للحرس الثورى الإيرنى وقائد فيلق القدس، بأن يلتقى فى بغداد مع عادل عبد المهدي، وأن يحثه على قمع المظاهرات. ولكن عبد المهدى قدم استقالته تحت ضغط المظاهرات الشعبية، بعد أن اتهم المتظاهرون ميليشيات تدعمها إيران بأنها وراء ارتكاب العنف ضدهم، وهو ما أكد لهم صحة المعلومات.



ونقلت صحيفة التايمز عن أحد المتظاهرين، وهو مدرس، قوله إننا خرجنا للاحتجاج على ما يجري، لأننا نريد التخلص من جميع الأحزاب السياسية الموجودة ومن الحكومة بأكملها، وأن هذه الحكومة مدعومة من إيران، ولذلك لا يوجد مستقبل إذا لم يكن العراقيون هم من يحددون ملامحه.



ويرى المراقبون أن صمود المتظاهرين حتى الآن، ورغم الخسائر الفادحة فى الأرواح، هو الذى حال دون تدخل إيرانى صريح. كما أن هذا الصمود هو الذى يحمى العراق من حرب أهلية كان يمكن أن تندلع نيرانها، لولا التعاطف الشعبى العام مع مطالب المتظاهرين. ووضوح صورة ما يجرى فى العراق لدول العالم، وهو ما أكسبها تعاطفا دوليا كبيرا، خاصة وأن المظاهرات حرصت على الابتعاد عن الطائفية والعنصرية، المظاهرات القائمة على الوطنية أثبتت من جديد فشل الغرب وبصفة خاصة الولايات المتحدة، فى تحديد مصير العراق على مدى 15 عاما انتقلت فيه من فشل إلى فشل بدءا من الغزو مرورا بوضع دستور طائفى وصولا إلى اندلاع المظاهرات العراقية الرافضة لأى تدخل خارجى أو نفوذ أجنبى عليها. ومما زاد الطين بلة أنه عندما اجتمع المسئولون الرئيسيون عن المأساة التى يعانيها العراقيون فى لندن أخيرا، لم يجدوا وقتا لبحث مأساتهم أو محاولة ايجاد حلول للوضع المشتعل!