عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
ليالى المسرح تضىء عتمة صحراء الشارقة
21 ديسمبر 2019
باسم صادق
مطايا البيان - الشارقة


فى الطريق اليومى من الفندق الكائن بالقرب من مطار الشارقة إلى صحراء الكهيف انتشرت على الجانبين لافتات مضيئة انسيابية اللمسات.. تجمع بين الجمل والنخلة والتلال فى تصميم رشيق يحمل توقيع مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوى.. وعلى مسافات مختلفة عمقا وقربا تفترش العائلات رمال الصحراء..زاهدين رفاهية المدينة.. باحثين عن متعة التنزه بين الجذور وفوق حبات الرمال.. إلى أن نلمح الأضواء فى الأفق حتى الوصول إلى مقر فعاليات المهرجان.. وما أن تخترق السيارة عمق الصحراء حتى نكتشف عالما ساحرا من البساطة والجاذبية حرصت إدارة المهرجان على توفيره لضيوف هذا الحدث المثير.. فها نحن الآن أمام فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان المسرح الصحراوى الذى تنظمه إدارة المسرح برئاسة أحمد أبو رحيمة والتابعة لدائرة الثقافة والإعلام برئاسة عبد الله العويس.. وبمشاركة الكويت، موريتانيا والسودان والعراق والأردن والإمارات.






خصوصية المكان فرضت تفاصيل الاحتفاء بهذا الحدث المسرحى الذى يحمل فلسفة خاصة تؤكدها مقولة د. سلطان القاسمى حاكم الشارقة: «أخاف على أبنائى فى الصحراء أن يذوبوا، لذلك هم يعرفون أننى أحيطهم بكل عناية، لأننا لا نريد أن نشوه هذه الصحراء الجميلة، ولا نريد أن نغربهم، ولا نريد أن نبعدهم، نريد أن نحافظ على عاداتهم وتقاليدهم وموروثهم، ونأمل من الجميع أن يتذكر أن هذه الإمارات أصلها قبائل هى التى وقفت وقاومت وحافظت على هذه الأرض، ولا نريد أن نلغى هذه القبائل، بل بالعكس، نمكنهم ونرفع من شأنهم».. ومن هنا لجأ المهرجان إلى تخصيص 53 خيمة فندقية فى قلب الحدث تهافتت على الإقامة فيها أكثر من عشرين ألف أسرة لمعايشة تلك الأجواء المسرحية التراثية.. فكانت فرصة يلهو فيها الصغار فوق الرمال ويرتبطون أكثر بجذورهم بعيدا عن أسر التكنولوجيا الحديثة ويتسامر فيها الشباب والنساء ويستمتعون بركوب الخيل والجِمال.. والتنافس فى مسابقات يومية للطهى.. مع الاستمتاع بأجواء شواء الخراف على الحطب والتى تتجاوز 50 خروفا يوميا.. ومشاهدة الرقصات البدوية الخاصة بالبلدان المشاركة والتعرف على تراثها الشعبى.. مع توزيع المشروبات العربية المختلفة.. والليرات الذهبية كل ليلة على عامة الناس.. أجواء خاصة جدا تهيئ المتلقى لمتابعة العروض المسرحية فى فضاء رحب أكثر إثارة للخيال الإبداعى.. فكانت فرصة لمخرجى العروض الستة للتجريب فى الفضاء الصحراوى بمستوياته المتعددة بين التلال والأرض المستوية وداخل الخيام الموزعة بشكل نصف دائرى.. فجاء الافتتاح إماراتيا بامتياز شكلا وموضوعا من خلال عرض مطايا البيان تأليف فيصل جواد وإخراج محمد العامرى الذى تناول قصة رمزية عن شرف الكلمة وضرورة نقلها كما هى دون تحريف فى التأويل فذلك الأب الذى كلف أبناءه الثلاثة بنقل رسالة ما.. تسبب اختلاف تأويلها وتحريفها إلى صراع مرير بين القبائل.. فقدم المخرج صورة بصرية مبهرة تليق بأهمية المضمون مستغلا إسقاط الإضاءة الحمراء والزرقاء والبؤر اللونية الصفراء المتداخلة فوق التلال وإن كانت الحركة المسرحية المرسومة منمقة أكثر من اللازم خاصة فى المشهد الافتتاحى الذى ارتمى فيه ضحايا الحرب أرضا فى خطوط مستقيمة ودائرية بينما كان الأمر هنا كان يستدعى بعض الفوضى الإبداعية التى تعكس عنف الحروب ومرارتها..



بينما جاء العرض السودانى «الملك نمر.. حب فى الصحراء» تأليف إبراهيم العبادى وإخراج عادل حربى ليقدم صورة شاعرية غنائية معدة عن نص «الملك نمر» وهى من كلاسيكيات المسرح السودانى التى افتُتح بها أول موسم مسرحى عام 1969.. ولجأ العرض إلى البحث فيما وراء النص فرصد قصة صراع الحب بين طه وريا من جهة وزعيم إحدى القبائل الشهيرة.. واحتمائهما بالملك نمر.. وتميز العرض بهارمونية الأداء الغنائى الراقص مع الأزياء المبهجة الألوان لتبدو وكأنها لوحات تشكيلية محفوفة بالدراما.. ومن الأردن قدمت فرقة «مادبا» عرض «زين المها.. مهاجى الرمال».. تأليف وإخراج د. على الشوابكة وهى دراما بدوية لافتة بإمكانات ممثليه معتمدا على قدرات معتز أبو الغنم فى الفروسية والأداء الجماعى المحترف للفريق فى تجسيد قصة الإيقاع بين شقيقين بسبب زوجة إحداهما للآخر.. وحول انتشار مرض الطاعون القاتل عام 1830 رصد العرض الكويتى «الأصاخيب» من خلال شخصية الراوى قصصا متنوعة من عاداتهم تجمعها فكرة أنه لا فكاك من القدر فبين هذه المأساة الإنسانية نرى النظرة الدونية للمجتمع الذكورى تجاه المرأة.. وقدم فيها المخرج لوحات تعبيرية راقصة تجسد المعاناة النفسية لأبطاله.. وجاء العرض العراقى «سبيل الاصالة» مخيبا للآمال رغم قصته القائمة على سمات الشجاعة والفروسية فى إنقاذ شاب لأبيه المختطف.. فجاء مفككا بلا رؤية إخراجية واضحة.. وكذلك كان العرض الموريتانى «ليالى لعزيب» ضعيفا لم يستطع الجمهور التواصل معه بسبب ضعف رؤيته الإخراجية وصعوبة اللغة الموريتانية..



وبشكل عام أتصور أن المهرجان يوفر فرصة ذهبية للتجريب المسرحى فى الصحراء ورغم هذا لم يستطع مخرجو هذه الدورة، مجاراة الفضاء الشاسع بالتمرد على رؤى المسرح التقليدى فمازالوا يدورون فى فلك الحركة المسرحية المقيدة بجدران العلبة الإيطالية المعتادة باستثناء العرض الأردنى إلى حد كبير.. وكانت أغلب الحوارات تُلقى فى وضع ثابت جلوسا أو وقوفا.. وافتقدوا القدرة على امتلاك الإيقاع المسرحى بتجسيد مشاهد القتال المتلاحقة التى تحبس الإنفاس والرقصات التراثية المبهرة.. وبدا واضحا قلة البروفات فى مناطق تسليم وتسلم الجمل الحوارية بين الممثلين.. وعدم اتساق الأداء والمبارزات مع الصوت المسجل بتقنية الـ “play back “.. وهى تقنية تحتاج إلى إعادة نظر لما تسببه من ضعف التواصل بين الجمهور والممثل بسبب اختلاف مقومات التسجيل داخل الاستوديو عن الأداء الحى أمام الجمهور بكل ما يحمله الممثل من مشاعر متناقضة تضفى على المسرح حيويته وعنفوانه.. ومع هذا مازالت الفرصة متاحة أمام مبدعينا فى الدورات المقبلة.