عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
عشوائية تداول الأدوية.. قرار بالموت!
21 ديسمبر 2019
تحقيق ـ صلاح غراب
الدواء



  • د. عادل عبدالمقصود: أدوية المنشطات والصداع تباع بلا رقابة د. سميرة عزت: 30% من المضادات الحيوية بالمستشفيات غير مناسبة للاستخدام


  • د. ناصر عبدالبارى: 900 دواء تسبب أضرارا للكبد


  • د. محمد العمارى: مطلوب رقابة التفتيش الصيدلى وتغليظ العقوبة



 



 



تضطر الظروف المادية وكثرة انشغالات البعض إلى عدم القدرة على الذهاب إلى الأطباء، وفى الكثير من الحالات المرضية الخفيفة يتخذ المواطن المصرى قرارا بالدخول إلى الصيدلية، فيقول للصيدلى «عندى مغص» أو أعانى نزلة برد أو آلاما فى الظهر أو التهابات فى العين وهكذا.. فيسأله الصيدلى سؤالا مكررا هل لديك ضغط أو سكر وماذا عن درجة الحرارة.. وبعد هذا الحوار القصير يحصل المريض على الدواء وينصرف على



أمل الشفاء ولا يدرى ماذا فعل هذا الدواء به؟، هل أسهم فى الشفاء أم ضاعف الآلام؟.. وتكون المأساة أكبر إذا تناول هذا الشخص جرعة من المضادات الحيوية دون طبيب بشرى متخصص. والسؤال الذى يطرح نفسه هل هناك حلول لمنع التناول العشوائى للأدوية خاصة المضادات الحيوية؟ وماذا عن تجارب الدول الأخرى فى ضبط صرف الأدوية؟.. «تحقيقات الأهرام» رصدت الواقع.. والتفاصيل فى السطور التالية....



 



فى البداية يقول الدكتور ناصر عبدالبارى، أستاذ علاج الأورام، وكيل طب المنوفية، إن الإفراط فى تناول الأدوية قد يؤدى إلى حدوث مضاعفات وآثار جانبية معينة لا تحدث نتيجة مباشرة لدواء معين أو لآخر، وإنما نتيجة لنقص غذائى ينجم عن تناول الأدوية لفترة زمنية طويلة، وإن تناول الأدوية دون استشارة طبيب بات أمرا شائعا، وأصبح شيئا روتينيا وعشوائيا فقط للشعور بأى ألم، فقد اعتاد الغالبية من المرضى على تناول الدواء بشكل يومى لمجرد شعورهم بالارتياح، وهذا مفهوم خاطئ جدا، ويتسبب فى حدوث أضرار للكبد، وأمراض على المدى البعيد.



ويوضح وكيل طب المنوفية أن الكبد يلعب دورا محوريا فى تنقية الجسم والتخلص من المواد الكيميائية، لذا يكون عرضة للتسمم من هذه العوامل. فقد يؤدى أخذ بعض الأدوية بجرعات زائدة، والعوامل الكيميائية الأخرى، مثل تلك المستخدمة فى المختبرات والصناعات، والمواد الكيميائية، والعلاجات العشبية، إلى تسمم الكبد، مما يكون سببا فى مرض الكبد الحاد والمزمن.



تناول عشوائى



ويشير الدكتور ناصر عبد البارى إلى أن أكثر من 900 دواء تؤدى إلى إصابة الكبد، وهذا هو السبب الأكثر شيوعا لسحب الأدوية من السوق غالبا، بينما تتسبب المواد الكيميائية فى إصابة الكبد دون أعراض ظاهرة، فقط يحدث ارتفاع إنزيمات الكبد كعلامة أولية للتأثير الحاد فى الكبد، حيث تُعد إصابة الكبد نتيجة أدوية مسئولة عن 5% من جميع حالات دخول المستشفيات، و50% من حالات فشل الكبد الحاد، ويلفت النظر إلى أن الأدوية العشوائية تقتل الجراثيم المفيدة للجسم، وتترك الجراثيم الضارة، حيث إن التناول العشوائى للمسكنات يؤدى إلى الإصابة بالتهاب أسفل المرئ وجدار المعدة، وقد يتطور الأمر إلى الإصابة بقرحة المعدة والإثنى عشر، وكذلك التهابات الكلى والكبد، وقد تسبب أمراضا خطيرة قد تختلف نسبة الإصابة بها من شخص لآخر، ولكن من المؤكد أن الإكثار منها يؤدى إلى الفشل الكلوى الحاد عند استعمالها فترات طويلة، مثل العقاقير المسكنة للألم والشائعة الاستعمال، والتى تؤدى إلى رفع ضغط الدم، التى بدورها تؤدى لزيادة احتمالية الإصابة بأمراض القلب.






ويوضح أن البعض يسرف فى استخدام مشتقات الباراسيتامول بصفته خافض حرارة آمنا، إلا أن زيادة جرعاته عن الحد المطلوب، كتكرار الجرعة إذا لم تنخفض الحرارة بعد الجرعة الأولى، تسبب مشكلات كبيرة للكبد وتؤذى الكلى، حيث إن تأثيره الضار يظهر على المدى القصير فى صورة تدهور وظائف الكبد، محذرا من أن خطورته قد تصل إلى احتياج زراعة كبد نتيجة للتسمم من جرعاته الزائدة، التى تسبب نزيفا وغيبوبة كبدية، لذلك تستدعى الحالة التدخل الجراحى.



وينكأ الجراح بأن الاستخدام العشوائى للأدوية يمتد إلى المضادات الحيوية، حيث تحمل المقاومة للمضادات الحيوية تهديدا خطيرا على صحة الإنسان ورفاهيته، وتنهك الاقتصاد الوطنى عالميا، وتقدر الخسائر السنوية الناتجة عن المقاومة للمضادات الحيوية بما يتراوح بين 21 و34 مليار دولار أمريكى فى الولايات المتحدة الأمريكية، وبما يقرب من مليار ونصف مليار يورو فى أوروبا.



ويضيف الدكتور ناصر عبدالبارى أن زيادة فهم مقاومة المضادات الحيوية، وتشجيع الاستخدام المنطقى للمضادات الحيوية لدى من يصفها ولدى عموم الناس مفتاح مكافحة الاستخدام غير الضرورى لهذه الأدوية. وقد أُطلقت بعض البرامج المهمة للتوعية فى البلدان المتطورة تحت عنوان: كن ذكيا واعرف متى تعمل المضادات الحيوية، التابع لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها فى الولايات المتحدة، والحملات المتعددة العمومية الوطنية فى أوروبا، حيث إن المرضى غالبا ما يمتلكون أفكارا ضالة ومعتقدات خاطئة حول المضادات الحيوية، ونادرا ما يعرفون بوجود المقاومة للمضادات الحيوية، لذلك ركزت التدخلات التى تتمحور حول تثقيف المريض على أن المبدأ الموجه للاستخدام الحكيم للمضادات الحيوية هو أن المضادات الحيوية لا ينبغى أن تستخدم لمعالجة العدوى غير الجرثومية، ويُشتق هذا المبدأ من القاعدة الأساسية للاستخدام المنطقى للأدوية التى تقول بوجوب استخدام الأدوية بالشكل المناسب بما يتوافق مع الاحتياجات السريرية، وقد بدأ الاستخدام الحكيم للمضادات الحيوية بمحاولة إنقاص الاستخدام غير الضرورى للمضادات الحيوية لدى المرضى فى حالات عدوى الجهاز التنفسى العلوى، ولاسيما الزكام، مع التهاب الحنجرة، والإسهال الحاد، والجروح البسيطة.



منتجات سامة



وتتناول أطراف الحديث الدكتورة وفاء زهران، عميد صيدلة المنوفية، بأن من أهم وظائف الكبد إزالة وتحليل الأدوية والمواد الكيمياوية من مجرى الدم، ولكن قد يؤدى تحليل تلك المواد إلى خروج منتجات ثانوية سامة قد تكون ضارة بالكبد وتتسبب فى تلفه، وعلى الرغم من القدرة الفائقة للكبد على تجديد خلاياه، فإن التعرض المستمر للمواد السامة يُحدث ضررا خطيرا قد يتعذر معه العلاج، فقد يحدث ما يعرف بالالتهاب الكبدى السام الذى قد يحدث سريعا فى غضون ساعات أو أيام من التعرض للسم، وقد يستغرق الأمر شهورا من الاستخدام المنتظم قبل ظهور العلامات والأعراض. وغالبا ما تختفى أعراض الالتهاب الكبدى السام عند إيقاف التعرض للسم، ولكن يمكن أن يؤدى الالتهاب الكبدى السام إلى إحداث ضرر دائم بالكبد، والفشل الكبدى الذى قد يودى بحياة الإنسان.



أسباب التهاب الكبد



وتستعرض عميدة صيدلة المنوفية أهم أسباب التهاب الكبد السام، التى تتمثل فى تناول الكحوليات، والإفراط فى تناول المسكنات، خاصة إذا كانت دون وصفة طبية، ومنها الباراسيتامول والأسبرين والإيبوبروفين، وكذلك بعض الأدوية المقررة بوصفات طبية، مثل أدوية علاج ارتفاع الكوليسترول (الستاتينات)، وبعض المضادات الحيوية، مثل الأوجمنتين، والأزاثيوبرين، وبعض مضادات الفطريات، مثل الكيتوكونازول، كما قد تمثل بعض الأعشاب والمكملات الغذائية خطرا كبيرا على الكبد، كما قد تؤدى المواد الكيميائية الصناعية التى يتعرض لها الشخص فى العمل إلى إصابة الكبد وتلفه، ومن أشهر هذه المواد مذيب التنظيف الجاف الكربون رباعى الكلوريد، وكذلك كلوريد الفينيل المستخدم فى صناعة المواد البلاستيكية، والمبيد العشبى الباركوات.



وتشير الدكتورة وفاء زهران إلى أن هناك عوامل خطر تزيد من احتمالية حدوث هذا الالتهاب، منها الإصابة بمرض كبدى، مثل تليف الكبد أو الكبد الدهنى، أو الإصابة بعدوى الكبد المزمنة «بى أو سى» أو غيرهما من الفيروسات الكبدية، أيضا مع التقدم فى العمر، يكون معدل تكسير المواد الضارة والتخلص منها أبطأ جدا، وهذا يعنى بقاء السموم بالجسم فترات أطول، كما تزيد فرص الخطر عند النساء، وذلك أيضا بسبب بطء عمليات التمثيل الغذائى، كما يأتى دور الوراثة، إذ أن بعض الطفرات الوراثية تؤثر فى إنتاج وعمل إنزيمات الكبد التى تقوم بتكسير السموم.



وللحد من خطر الإصابة بمشكلات الكبد، تطالب وفاء زهران بعدم تناول أدوية دون وصفة طبية، وفى حالة وجود مرض مزمن، يجب اختيار الأدوية المعتمدة، كما يجب توخى الحذر عند استخدام أعشاب أو مكملات غذائية، واتخاذ احتياطات عند التعامل مع المواد الكيميائية الخطرة، ومنع تناول الكحوليات للحفاظ على هذا العضو الحيوى المهم.



قتل البكتيريا



وتتفق الدكتورة سميرة عزت، وكيلة معهد الكبد بالمنوفية، مع الرأى السابق، مضيفة أن المضادات الحيوية هى أدوية تستخدم خصيصا للوقاية أو لعلاج أمراض بكتيرية، عن طريق قتل البكتيريا المسببة للمرض، أو إيقاف تكاثرها، مما يعطى الجسم فرصة لتقوية مناعته، والقضاء على البكتيريا، ولا تعمل على قتل الفيروسات، ومع ذلك فإن 30% من المضادات الحيوية فى المستشفيات تستخدم استخداما غير ضرورى أو غير مناسب.



وتلفت سميرة عزت إلى أن استخدام المضادات الحيوية بشكل غير مناسب يتسبب فى ظهور بكتيريا مقاومة لها، ويعد استخدامها على نحو مفرط، أو استخدامها على نحو ناقص، أو سوء استخدامها من العوامل التى تسهم جميعا فى ظهور هذه المشكلة، وتعد مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية مشكلة عالمية لا تهدد الصحة العامة فحسب، ولكن أيضا تهدد النمو الاقتصادى والأمن القومي. وتشير وكيلة معهد الكبد إلى أن مقاومة المضادات الحيوية تؤدى إلى ارتفاع التكاليف الطبية، وتمديد فترة البقاء فى المستشفى، وزيادة معدل الوفيات، حيث إن مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية لديها القدرة على التسبب فى وفاة 10 ملايين شخص بحلول عام 2050 على المستوى العالمى، بناء على سيناريوهات عالمية متطورة. وسيكون هناك ما يصل إلى تريليون دولار من الإنفاقات العالمية فى تكاليف الرعاية الصحية بحلول عام 2050 بسبب مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية، حسب تقديرات البنك الدولي.



إذن الطبيب



ويقول الدكتور محمد العمارى، رئيس لجنة الشئون الصحية بمجلس النواب، إن صرف الأدوية دون روشتة من الطبيب أمر مجرّم فى العالم كله بالقانون إلا للأصناف المرخص بتداولها، التى يبلغ عددها 134 صنفا، حسب وزارة الصحة، منها البانادول والأسبرين مثلا، التى لا تحتاج إلى إذن الطبيب لصرفها، مطالبا بتغليظ العقوبة، والمراقبة المستمرة، والتفتيش الصيدلى، والضبطية القضائية، كل فى مجال تخصصه.



ويتفق معه الدكتور عادل عبدالمقصود، رئيس شعبة أصحاب الصيدليات بغرفة تجارة القاهرة سابقا، عضو مجلس إدارة المؤسسة الخدمية لشعبة أصحاب الصيدليات، مضيفا أن عملية بيع ورقابة الدواء انتقلت إلى العيادات الخاصة، والمراكز الطبية، ومخازن الأدوية المرخصة، وغير المرخصة، كما أن أدوية الجنس والصداع أصبحت تباع جهارا نهارا على الأرصفة دون حسيب أو رقيب.



ويفجر مفاجأة هى أن عيادات ومراكز علاج السرطان تشترى أدوية السرطان من التجار، وذلك لأن أثمانها باهظة جدا، وتبيعها بأضعاف مضاعفة، فأصبحت العملية تجارية بحتة، ويشير إلى أن للتفتيش الصيدلى حق الضبطية القضائية فقط داخل حدود الصيدليات، طبقا للرسم الهندسى المحدد فى وزارة الصحة، أو المنطقة الطبية، بينما لا يحق لها الضبطية خارج الصيدلية بمتر واحد، أو فى أى مكان آخر كالعيادات، والمراكز الخاصة، والمخازن، إلا بإذن من النيابة العامة. ويلفت أيضا إلى أن وسائل التواصل الاجتماعى والفضائيات الخاصة تقوم هى الأخرى بإعلان عن تخفيضات كبيرة على بعض الأدوية، الأمر الذى أوجد فوضى فى سوق الدواء بمصر، مطالبا بتطبيق القانون بشكل صارم، ومحاربة الأطباء الذين يصرفون الدواء فى عياداتهم ومراكزهم الخاصة، وتغليظ العقوبة حتى تصل إلى الإعدام كما يحدث فى الصين مثلا.