عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
الخلاف فى فهم النصوص الشرعيّة
20 ديسمبر 2019
د. شوقى علام مفتى الجمهورية


اقتضت إرادة الله تعالى الكونية والشرعية أن يكونَ الخلاف الفقهى موجودًا فى الشريعة الخاتمة؛ سواء من جهة القطعية والظنية فى الدلالة والثبوت فى نصوص الوحى الشريف، وقد بينَّاه فى المقال السابق، أو من جهة الإذن بالاجتهاد البشرى فى فهم هذه النصوص وكذا فى تطبيقها وإنزالها لتكون واقعًا، ولقد حثَّ الشرع الشريف كل مختص فى علم من العلوم على الاجتهاد وبذل الوسع والطاقة فى هذا التخصص وفق قواعده الْمرعية حتى يحوز الأجور الموعودة؛ فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قضى القاضى فاجتهد فأصاب فله عشرة أجور، وإذا اجتهد فأخطأ كان له أجر أو أجران»(مسند الإمام أحمد). أما من لم يكن أهلًا لذلك فهو متكلف ولا يعذر بخطئه، بل يخاف عليه أشد الوزر وأعظم العقاب .



وفى المجال الفقهى حدد النبى صلى الله عليه وسلم الإطار العام للاجتهاد وبيَّن قواعد تشريع الأحكام العامة واعتماد أدلتها الكلية، التى شكلت أسس فقه الاستنباط والاجتهاد وأصوله العلمية والمنهجية؛ وذلك فى حديث معاذ بن جبل رضى الله عنه حيث بعثه إلى اليمن قاضيًا؛ وسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم معلمًا: «كيف تقضى إذا عرض لك قضاء؟»، قال: أقضى بكتاب الله، قال: «فإن لم تجد فى كتاب الله؟»، قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «فإن لم تجد فى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا فى كتاب الله؟» قال: أجتهد رأيي، ولا آلو، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره، وقال: «الحمد لله الذى وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضى رسول الله»(سنن أبى داود).



ومن هنا تظهر أهمية وجود الاجتهاد فى فهم النصوص الشرعيَّة، وتبرُزُ حاجة الدين والناس إليه، وتتأكد ضرورة إحياء مفاهيمه وطرائقه وموضوعاته، لأنه مشروع فى الإسلام بل هو من فروض الكفاية المطلوبة من الأمة، امتثالا لقوله تعالي: «..وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» ..[النساء:83]، وهو ما تضمن إشارة حكيمة إلى الإقرار بوجود الاجتهاد وما يتفرع عنه من وجود الخلاف الفقهى خاصة فى المستجدات، وأنه سبيل لمعرفة الأحكام الشرعيَّة بعد انقطاع الوحى الشريف.



وتظهر طبيعة الخلاف الفقهى من جهة الإذن بالاجتهاد البشرى فى فهم النصوص الشرعيَّة فى كل عصر من أمرين: أولهما: ظنية كثير من النصوص الشرعيَّة فى أكثر من وجه، وهذا من حكمة المولى القدير ورحمته الواسعة بالعالمين؛ حيث جعل تعالى المسائل الجزئية محل اجتهاد ونظر واختلاف بين العلماء المجتهدين، ومن ثَمَّ تحصل السعة والسماحة للمكلفين فى أمور معاشهم وآخرتهم، وتتحقق مرونة الشرع الشريف بعدم وقوفه عند صورة جامدة واحدة يتجاوزها الزمن وواقع الناس.



والثانى : كثرة الحوادث الجديدة والنوازل المستحدثة، وغالبها لم يرد بشأنه نص جزئى خاص، فى حين أن نصوص الكتاب والسنة منحصرة ومقصورة ومواقع الإجماع معدودة مأثورة، وفى ذلك يقول إمام الحرمين الجوينى فى كتابه «البرهان» فى أصول الفقه: «نعلم قطعا أن الوقائع التى جرت فيها فتاوى الصحابة تزيد على المنصوصات زيادة لا حصر لها.. أنهم مع اختلاف مذاهبهم فى مواقع الظنون ومواضع التحرى ما كانوا ينكرون أصل الاجتهاد والرأى وإنما كان بعضهم يعترض على بعض ويدعوه إلى ما يراه هو ولو كان الاجتهاد حائدًا عن مسالك الشريعة لأنكره منهم منكر».



وما سبق يؤكد أن طبيعة الخلاف الفقهى فى الشريعة الإسلامية نابع من أمرين أساسيين؛ الأول طبيعة النصوص الشرعيَّة من حيثية القطعية أو الظنية دلالة وثبوتًا، وكذا من حيثية تعرضها من جهة المنطوق أو المفهوم للمسائل الجزئية أو عدم ذلك، والثاني: الإذن لأهل الاجتهاد المعتبرين ببذل جهدهم فى فهم هذه النصوص وتنزيلها على الوقائع سواء اتفقوا فى الرأى أم اختلفوا