عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
أبعاد مشكلة المرور بالقاهرة الجديدة (1)
18 ديسمبر 2019
د. سعد الدين عشماوى


وجه السيد وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة، بتنفيذ محاور وطرق وتطوير القائم منها فى ضاحية القاهرة الجديدة، للحد من تفاقم مشكلة التكدس المرورى . هذا رغم أن شبكة الطرق الحالية بها مصممة لمقابلة متطلبات عصر انتشار استخدام السيارة، كما أن هناك ضبطاً حازماً لارتفاعات المبانى الإدارية بما لا يتعدى ثمانية طوابق, والسكنية ثلاثة طوابق ترتفع لخمسة فى مناطق محدودة. بالإضافة لتخصيص مساحات ضخمة للعديد من الكمباوندات مرتفعة المستوى منخفضة الكثافة السكانية. هذا علماً بأنه لم يتم حتى الآن بناء إلاّ حوالى 50% من الأراضى المتاحة. والأهم أنه على وشك الإنتهاء من توسعة العديد من المحاور والشوارع الرئيسية وإنشاء عدد من الكبارى العلوية وأنفاق السيارات التى تكلفت المليارات من الجنيهات.



إن تفاقم مشكلات المرور بالقاهرة الجديدة, والقاهرة الكبرى بوجة عام, يرجع أساسًا لغياب وجود منظومة علمية للنقل بالتجمع السكانى للقاهرة الكبرى وتطبيق سياسات تؤدى لتعقيدات المرور لا لحلها، بالإضافة لعدم الرشد فى استخدام الإمكانات المتاحة على أساس التكلفة والعائد لكل مشروع. وهذا عكس ما هو مطبق بالعواصم الكبرى للدول المتقدمة والتى تحجم مشكلات النقل والمرور رغم الحجم الأكبر لتلك العواصم (طوكيو 35 مليون نسمة) ، وللعدد الأكبر لرحلات المواطن ومتوسط طول أكبر لرحلته (الخط الأحمر لمترو أنفاق لندن طوله 74 كيلو متراً بينما أطول خط بمترو أنفاق القاهرة 44 كيلو مترًا فقط)، كما أن الجزء الأكبر من حركة المرور فى اتجاه واحد خاصة فى ساعات الذروة. والأهم ارتفاع ملكية السيارة الخاصة (عددها بألمانيا حوالى 45 مليون سيارة وفى بريطانيا 34 مليونا وفرنسا 32 مليونا، أما فى مصر 7 مليون سيارة) .



ومن بين السياسات المتبعة بعواصم الدول المتقدمة لتحجيم مشكلات المرور، توجيه بعض الاعتمادات المتاحة لحلها لدعم النقل الجماعى بما يرفع من مستوى خدمته ويخفض من تكلفة استخدامه، بينما يخفض من مستوى خدمة السيارة الخاصة ويرفع من تكلفة استخدامها (الاتحاد الدولى للنقل UITP أوضح أن النقل الجماعى يتحمل حوالى 70% من تكلفة تشغيله).



إن توجيه الاعتمادات المتاحة لتوسعات طرق وإنشاء كبارى علوية للسيارات لحل مشكلات مرورية فى مناطق معينة ، عادة ما تؤدى لاستخدام مزيد من أصحاب السيارة الخاصة لها. ومن ثّم يذهب أثرها فى حل الاختناقات المرورية فى تلك المناطق بعد فترة محدودة ، وذلك لإغراء المزيد من السيارات لاستخدامها مما يُرجع الوضع لما كان عليه . بينما توجيه الدعم للنقل الجماعى يستمر أثره فى خفض حجم المرور للأمد الطويل . علمًا أن الأتوبيس ينقل أكثر من 60 راكب, بشكل تبادلى, خلال رحلته ، بينما السيارة الخاصة تنقل فى المتوسط 1.5 راكبا فقط . هذا ولايشغل الأتوبيس خلال تنقلاته إلا مكان سيارتين خاصتين فقط. ففى لندن على سبيل المثال يمنع مرور السيارات الخاصة من دخول أهم شوارعها أكسفورد، حيث يخصص بالكامل لأتوبيسات النقل الجماعى. هذا ولا يسمح للسيارة الخاصة بدخول منطقة وسط لندن إلاّ بدفع 11٫5 جنيه إسترلينيه منذ عام 2003 ــ وهو مايطبق فى العديد من عواصم الدول المتقدمة, ومنذ عام 2019 تضاعف المبلغ للسيارات التى تخرج عادما .



بينما بالقاهرة يطبق عكس هذا تماماً ، حيث لا يسمح لأتوبيسات النقل الجماعى بمجرد المرور فى شوارع مهمة بمنطقة وسط القاهرة مثل شوارع عبد الخالق ثروت وقصر النيل وعماد الدين وطلعت حرب، بينما يسمح للسيارات الخاصة ليس فقط بالمرور بها بل بالوقوف فى بعض مناطق وسط القاهرة (تكلفة وقوف سيارة خاصة بتلك المناطق يحّمل المجتمع بأكثر من 300 جنيه شهرياً ، بينما أتوبيس النقل الجماعى لا يحتاج خلال دورة تشغيله لمكان للانتظار) علماً بأن تكلفة انتظار سيارة خاصة بوسط نيويورك أكثر من 52 دولارا يوميا. هذا ويدعم بنزين مستخدم السيارة الخاصة بـ 25 ضعف ما يدعم به بنزين مستعمل النقل الجماعى بالقاهرة. وهو ما أدى إلى أن أصبح 70% من أصحاب السيارات الخاصة بلندن يستخدمون النقل الجماعى لرحلة العمل ، بينما فى القاهرة ــ نظرا لخلل السياسات والتنظيمات المطبقة, فإن أكثر من 60% من أصحاب السيارات الخاصة يتملكونها أساسًا لرحلة العمل. هذا علماً بانه فى دولة ناهضة مثل سنغافورة التى يصل دخل الفرد فيها أكثر من عشرة أضعاف دخله فى مصر، يتم التضييق على السيارة الخاصة بسياسات مدروسة، مما أدى لانخفاض عددها 18% عام 2015 بالمقارنة بعام 2013 الأعلى فى عدد السيارات الخاصة.



إن توجيه الإمكانات المتاحة لتوسعات الطرق وإنشاء الكبارى وأنفاق السيارات بالقاهرة الجديدة رغم أن شوارعها ومحاورها واسعة أصلاً (سعة كُل من محورّى التسعين الشمالى والسبعين الجنوبى القريبين والمتوازيين 90 مترًا، وبينهما شارعا الثمانين والسبعين) مع نقل جماعى بمستوى متدن (أتوبيس بسعة كبيرة ــ بعضها بدورين ــ و بتقاطر منخفض) يعمل فى مناطق محدودة ويغيب تمامًا عن الغالبية العظمى من أرجاء الضاحية . وهو ما أدى لظهور وسائل نقل جماعى عشوائية وأهمها ميكروباصات الأفراد, السرفيس, الذى انتشر بشكل سرطانى بالقاهرة الكبرى ومنها ضاحية القاهرة الجديدة، حيث أصبح له مواقفه العديدة، خاصة قرب مراكز الأعمال ومولات التسوق والترفيه. وبجانبه عشرات إن لم يكن مئات أتوبيسات نقل العاملين بالمؤسسات الاقتصادية والخدمية والتى لا تعمل إلّا لحوالى أربع ساعات يومياً ، ثم تقف طاقات عاطلة بقية اليوم. هذا بالإضافة لآلاف السيارات الخاصة بالعاملين والمتعاملين مع تلك المؤسسات والمولات مما يؤدى فى الكثير من الأحيان لتوقف حركة المرور لبعض الوقت.



ومن المعلوم أن ميكروباصات الأفراد «السرفيس» لا تعمل إلاّ فى المناطق كثيفة الحركة وتوقيتات الذروة ثم تختفى تمامًا. وقد سبق أن حذرنا من استخدامها عند بداية ظهورها. وللحديث بقية