عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
بحيرة قارون.. القضية الكبرى فى مصر الصغرى
4 ديسمبر 2019
د. جلال مصطفى السعيد


أما مصر الصغرى فهو الوصف الذى أطلقه الكثيرون على الفيوم، من حيث إنها مثل مصر، يخترقها بحر يوسف المتفرع من ترعة الإبراهيمية جنوب الفيوم ويمر وسط مناطقها الزراعية مثلما يفعل النيل مع دلتا مصر، ويصب فى بحيرة قارون مثلما يصب نهر النيل فى البحر الأبيض من خلال فرعى دمياط ورشيد. الفيوم محافظة تقع فى منخفض على منسوب يصل إلى أكثر من 40 متراً تحت سطح البحر وعدد سكانها أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة، ومساحة الأرض الزراعية نحو 400 ألف فدان، والنشاط الأساسى لسكانها هو الزراعة والصيد والحرف اليدوية، وهى محافظة ذات تاريخ موغل فى القدم وعلى أرضها آثار لإنسان ما قبل التاريخ، وأعلنت اليونسكو بها أحد أهم مناطق التراث الإنسانى فى العالم وهو وادى الحيتان، وبه هياكل للمئات منها يصل عمر بعضها إلى 40 مليون عام.



قضية مصر الصغرى تمثل تحدياً كبيراً بالفعل، لها نظام مائى مغلق ومعقد ولها نظام للرى يختلف عن كل محافظات الجمهورية وعن نظم الرى الأخرى فى العالم، حجم ما يدخلها من مياه للزراعة محكوم عليه بقدرة بحيرة قارون على استيعاب المتبقى من هذه المياه فى صورة صرف زراعى بعدما يتم استخدام المياه فى الزراعة، والمياه لا تخرج من الفيوم إلا من خلال بحيرة قارون وعن طريق البخر فقط، وحجم البخر محكوم بمساحة البحيرة والتى تبلغ 55 ألف فدان وبدرجات الحرارة صيفاً وشتاءً. تم التدخل للتعامل مع هذه المنظومة الخطرة وقت تولى المهندس عبد الخالق الشناوى وزارة الرى بزيادة المسطح المائى للبحيرة خلال السبعينيات بفتح أنفاق بينها وبين منخفض وادى الريان المجاور لها من ناحية الغرب ونتج عن ذلك بحيرة وادى الريان ومساحتها نحو13ألف فدان حتى يمكنها مع بحيرة قارون استيعاب كمية أكبر من مياه الصرف الزراعى وزيادة كمية المياه التى تتبخر نتيجة زيادة مساحة المسطح المائى وبالتالى يمكن زيادة حجم المياه المسموح بدخولها الفيوم لأغراض الزراعة ولمواجهة المعاناة الشديدة للمزارعين فى الحصول على مياه الرى لمحدودية المياه المسموح بدخولها إلى الفيوم للأسباب المشروحة من ناحية وبسبب توسع زراعى غير مدروس على أطراف المحافظة الغربية والجنوبية. فى الصيف يزيد البخر وينخفض منسوب المياه فى البحيرة مما يسبب شكوى الصيادين وهم بالآلاف، وفى الشتاء يقل البخر ويرتفع منسوب المياه فى البحيرة وتغرق القرى المجاورة لها.



مياه الصرف الزراعى تصل إلى البحيرة من عدة مصارف أهمها مصرف البطس شرقاً ومصرف المحيط غرباً وكلاهما يمر هو وروافده من المصارف الأصغر خلال كتل سكنية يفتقر عدد كبير منها إلى خدمات صرف صحى متكاملة وهو ما يؤدى إلى وصول مياه ملوثة إلى بحيرة قارون سواء بالأملاح التى تحملها مياه الصرف الزراعى أو بالمخلفات والفضلات البشرية (الصرف الصحي) التى تحملها نفس هذه المصارف من خلال مرورها بالكتل السكنية، ومع مرور الوقت وتوالى وصول مياه الصرف إلى البحيرة وتوالى البخر منها, مخلفاً هذه الأملاح والفضلات, تزايدت نسبة تركيز الأملاح والفضلات العضوية فى وضع أشبه بالكارثة فى الوقت الحالي.



المشكلة الحقيقية والمتمثلة فى تلوث البحيرة بالأملاح الناتجة من غسيل الأرض والواردة مع مياه الصرف الزراعي، تم التقليل من حدثها بإنشاء مصانع لاستخلاص الأملاح فى غرب البحيرة ( شركة أميسال) وهى تعمل منذ أكثر من 25 عاماً إلاَّ أن طاقتها السنوية من الأملاح المستخلصة والتى تقل كثيراً عن الوارد السنوى منها مما يعنى أن المتبقى منها بالإضافة إلى ما تجمع قبل إنشاء الشركة مازال يمثل تحدياً كبيراً مع تزايد درجة تركيز الأملاح بشكل يكاد يقضى على الثروة السمكية فى البحيرة تماماً.



التحدى الأكبر يتمثل فى وصول نسبة من الفضلات البشرية إلى البحيرة عن طريق المصارف الزراعية التى تمر فى كتل سكنية لا توجد بها مشروعات للصرف الصحى وعدد سكانها يفوق المليون نسمة وتحتاج إلى مشروعات للمعالجة بتكلفة لا تقل عن 5 مليارات جنيه، بدأ البعض منها قبل يناير 2011 وخصص لها الدكتورأحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء وقتها 500 مليون جنيه ثم توقفت بعد الثورة، ولا بديل عن استكمال العمل فيها والبدء فى باقى القرى حتى يتم تفادى مشكلة بيئية حقيقية فى الفيوم.



تشهد الفيوم مشروعات مهمة فى الوقت الحالي، أهمها مشروعات محطات مياه الشرب الضخمة وشبكاتها ومشروعات أخرى ضمن المشروع القومى للطرق ومنها تطوير طريق القاهرة-الفيوم، والطريق الدائرى الاقليمى الذى يمر شمال المحافظة ويربط الفيوم بالموانى ومحافظات شرق وغرب الدلتا وطريق جنوب المحافظة يربط محور القاهرة-أسيوط الغربى بمناطق محميات وادى الريان ووادى الحيتان، وحالياً يمتد العمران من مدينة أكتوبر شمالاً فى اتجاه الجنوب لتقترب الفيوم أكثر فأكثر من القاهرة وتم وضع حجر الأساس لمنطقة صناعية ضخمة مساحتها نحو 8 آلاف فدان على أطراف المحافظة الشمالية ويخدمها الطريق الدائرى الاقليمى بغرض جذب الاستثمارات وخلق فرص العمل، كما أن هناك مشروعات لتطوير جامعة الفيوم وزيادة ارتباطها بقضايا التنمية فى المحافظة، وهناك بعض المشروعات الواعدة فى مجال السياحة البيئية والتى سيخدمها بكل تأكيد برامج واضحة لتحسين البيئة وبخاصة فيما يخص بحيرة قارون وما حولها وعلى النحو الذى أسلفناه.



إن الفيوم تحتاج إلى عناية خاصة فى شأن التوسع فى مشروعات استخراج الأملاح، والاسراع فى مشروعات الصرف الصحي، والسيطرة على التوسع الزراعى العشوائي، وإعادة إحياء أنشطة الصيد من بحيرتى قارون والريان، والتوسع فى المشروعات الصناعية وبخاصة الصناعات الغذائية، وقبل كل ذلك تحتاج إلى الاهتمام بالثروة البشرية تعليماً وتدريباً وإلى السيطرة على مستوى الأمية الذى يكاد يصل إلى 40% وإلى تبنى برامج غاية فى الإحكام للسيطرة على الزيادة السكانية وبخاصة فى المناطق الفقيرة والبعيدة عن العمران، وقبل كل ذلك تحتاج إلى برامج خاصة لمواجهة الفقر والبطالة لقطع الطريق على جماعات الاسلام السياسى التى وجدت فى الفيوم بيئة خصبة منذ ثمانينيات القرن الماضى وحتى وقت قريب.