عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
«رجل تحت الطلب».. زواج فاسد شرعا
28 نوفمبر 2019
أمل شاكر


لاتزال ظاهرة «المحلل» موجودة فى المجتمع وقد تناول العديد من الأعمال الدرامية هذا الموضوع فما هى حكايته وحقيقته؟!



تقول (ف) ــ 44 سنة مؤهل متوسط ــ عن قصتها مع (المحلل)، أنها تزوجت منذ 23 عاما، وكان زوجى يعمل فى مجال المقاولات، وميسور الحال، وكان يكبرنى بـ14 سنة، وأنجبنا خمسة أبناء ثلاث بنات وولدين فى مراحل التعليم المختلفة، ومنذ بداية الزواج وهو شديد العصبية والغيرة والقسوة والتلفظ بالطلاق، والتعدى على مع أى خلاف عادي، لدرجة أنه حدث لى ارتجاج بالمخ فى إحدى المرات حتى وقعت ثالث طلقة ولجأنا إلى المحلل الذى تم اختياره من بين الأقارب وبالاتفاق معه تزوجنا وكان رجلا فى منتهى الاحترام والحنان وأقمت معه شهرا وبعدها طلبت الطلاق ورجعت لزوجى الأول على أمل أن نربى أولادنا بيننا، وتشاركها محنتها (ث) 38 سنة، وتقول: تزوجت منذ 15 سنة رجلا يعمل فى مجال الاعمال الحرة، وكان يكبرنى بخمس سنوات، ورزقنا الله ببنتين وولد فى مراحل التعليم الأساسى والفني، لكنه مع أى خلاف يطلقنى حتى وقع آخر يمين، وكان لابد من البحث عن محلل وقد تم اختياره بمعرفة طليقى وشروطه، وبعد العودة لزوجى الأول تعهد بأنه سوف يغير من طباعه وعصبيته وسلوكه، ولكن للأسف لم يتغير وجعل إخوتى يقاطعوننى بسبب زواجى من المحلل.



ابتزاز الزوجين



د.صفاء إسماعيل أستاذة علم النفس والاستشارات الزوجية بكلية الآداب جامعة القاهرة تقول إن مشكلة «المحلل» هى فى الأساس فقهية ومفهومها عند الكثير من الناس خاطئ لأن الزواج يعنى المودة والاستقرار والاستدامة ولا يؤقت بزمن معين، ولكن للأسف على أرض الواقع هو أن الزوج تحت الطلب (المحلل) تكون لديه النية أنه سوف يطلقها أو يأخذ مبلغا من الطرفين وهنا يفقدالزواج معناه والغرض منه، وما يحدث من اتفاق على الزواج وبدون (نكاح) أو زواج مؤقت بغرض التحايل على الشرع، حيث يقوم الزوج نفسه بالبحث عن المحلل لطليقته، ويتم الزواج وعادة دون «نكاح» حتى ترجع الأمور إلى طبيعتها، وتعود إليه زوجته وهذا الوضع مرفوض دينيا واجتماعيا ـ ومن هنا ننصح الأزواج الرجال بالوعى والتعرف على فقه الأسرة، بشكل متعمق لكى لا يظلموا زوجاتهم ويعلموا الحلال من الحرام وتجنب التلفظ بالطلاق مرارا وتكرارا بسبب وبدون سبب وعلى أتفه الأسباب، لأنه قد يحدث ما لا تحمد عقباه فيجد الزوج زوجته أصبحت محرمة عليه إلى أن يطأها زوج غيره جديد مدة معينة وهو وضع مخز ومهين ويضحى بمبلغ كبير من المال نظير هذه المهمة وقد يرفض المحلل الطلاق، ويقول هى زوجتى وتظل على ذمته ولا يستطيع أحد إجباره على الطلاق، وقد يبدأ فى ابتزاز الزوجين ويطلب المزيد من المال لكى يطلقها حتى ترجع لزوجها الأول.



المحلل من الناحية



الشرعية والقانونية



د.السيد عبدالرءوف أستاذ التفسير وعلوم القرآن جامعة الأزهر، يقول: لقد جعل الله الزواج آية من آياته الدالة على عظيم حكمته قال تعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون)، ـ الروم ـ 21 فالزواج تترتب عليه مصالح عظيمة منها غض البصر وحفظ الفرج ودوام النسل وحصول الراحة النفسية والجسدية من أجل هذا أوصى الإسلام بحسن العشرة وجميل الصحبة لقوله (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) وقال تعالى (ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف) فإذا استشعر الزوج بوادر فتنة فى حياته الزوجية كنفور امرأته منه أو عدم طاعتها إياه فقد امره الله ان يعالج ذلك بالحكمة التى وضعها الشرع الحكيم، يقول تعالى (واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن وأهجروهن فى المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا) 34 ـ 35 سورة النساء، فإذا استمر الخلاف فقد أمر الله بإرسال حكمين أحدهما من أسرة الزوج والآخر الزوجة، فإذا استحالت الحلول فالطلاق هو المرحلة الأخيرة من مراحل العلاج، لقوله تعالى (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته) وأيضا قد توعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كل امرأة تطلب الطلاق من زوجها بدون مبرر شرعى فى قوله (أيما امرأة طلبت الطلاق فى غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة)، وإن كان أبغض الحلال عند الله الطلاق، لكننا نجد فى هذه الأيام كثيرا من المتزوجين خاصة الشباب يعبثون بإيمان الطلاق لأتفه الآسباب مما أورثهم خراب بيوتهم، وتشرد وضياع أولادهم سواء كانوا صغارا أو كبارا مما أوجد جيلا من الشباب فاقدا للقيم والمبادئ نتيجة التهلهل الأسرى والأزمات النفسية، ومن البلاء المنتشر أن الرجل بعد أن يطلق زوجته أو امرأته ثلاثا وتحرم عليه يبحث عن محلل فيستأجر رجلا يتفق معه على أن يعقد على طليقته ويتزوجها ويشترط عليه أن يطلقها بعد العقد وقبل الدخول بها، وهو بذلك يكون مخالفا للقرآن والسنة لقوله صلى الله عليه وسلم (لعن الله المحلل والمحلل له) وعلى من ابتلى بطلاق امرأته أن يرضى بقدر الله وألا يبحث عن محلل لأن من يفعل ذلك شبهه رسول الله بـ«التيس» المستعار وذلك للتنفير من هذا الفعل حيث شبهه (صلى الله عليه وسلم) بالحيوان المستأجر للتلقيح، وهى صورة بليغة فى التنفير من الإقدام على المحلل.



ياسر يحيى المحامى بالنقض يقول: يعتبر الزواج من اسمى العلاقات الإنسانية التى تقوم بين الرجل والمرأة وعماد الأسرة واستقرار المجتمع، وكما أحل الله الزواج فقد أحل أيضا الطلاق والفرقة بين الزوجين بالمعروف وللرجل على زوجته طلقتان يمكنه بعد كل واحدة منهما أن يردها إلى عصمته مرة أخرى مادامت فى عدتها فإذا انقضت العدة أصبح الطلاق بائنا بينونة صغري، وعندئذ لا يستطيع ردها إلا بعد موافقتها بعقد جديد ومهر جديد، أما إذا طلقها طلقة ثالثة فنصبح أمام طلاق بائن بينونة كبرى وفى هذه الحالة لا يمكن ردها نهائيا إلا بعد زواجها من زوج غيره زواجا كامل الأركان والشروط وفراقها منه بموت أو طلاق و لكن يشترط أن يكون هذا الزواج الثانى المراد منه المعاشرة والاستمرارية أما إذا حدد فيه موعد للطلاق وكذلك تم الاتفاق فيه على عدم المعاشرة فنصبح أمام زواج محلل، وقد لعن رسول الله «صلى الله عليه وسلم» المحلل والمحلل له، حتى وإن صح هذا الزواج لشروطه الشرعية والقانونية الظاهرة كسن الزوج والزوجة والآهلية القانونية والعقلية لإبرام هذا العقد،أما النيات فإن القانون لا يبحث فى نية الزوج من ناحية المعاشرة والاستمرارية، وفى الشرع يطلق عليه جمهور الفقهاء بالزواج «الفاسد»، وعلى ذلك لا تحل العودة لزوجها الأول، أما اذا كان هذا الزواج (المحلل) قد نتج عن غش أحد طرفيه للآخر بمعنى تستر أحدهما على نيته لاعتبار هذا الزواج »محللا« ولم تحدث معاشرة بين طرفيه جاز للطرف الواقع عليه الغش إقامة دعوى طالبا فيها بفسخ عقد الزواج لأن عقد الزواج قائم على المتعة فاذا استحالت المتعة بطل العقد، وتعود الزوجة لمركزها القانونى باعتبارها مطلقة طلاقا بائنا بينونة كبرى من زوجها الأول ـ وتعتبر فرقة الزواج بهذا النمط من أشد أنواع الفراق على كلا الزوجين الزوج والزوجة الراغبين فى العودة مرة أخرى لبعضهما البعض بسبب الألم النفسى للزوجة عندما يدخل بها رجل آخر فى فراش زوجية غير زوجها الأول أيضا بالنسبة لزوجها الأول عندما يعلم فى لحظة ما أن زوجته على فراش رجل آخر غيره فإن ذلك سيسبب ألما له إلا أن الشريعة الإسلامية جاءت بحكم حازم ليردع هؤلاء العابثين بأحكام ماحلله الله و لتأديب الزوج ليشعر بجرم ما صدر منه من عبث بآيات الله فإن الرجل ينفر من ان يعاشر امرأته رجل غيره ولو كان هذا فى نكاح صحيح فإذا استشعر الزوج هذا أمسك لسانه عن العبث بالطلاق وحافظ على كيان أسرته من الدمار.