عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
خفض سعر الفائدة.. إلى أين؟
27 نوفمبر 2019
عبد الفتاح الجبالى


للمرة الرابعة على التوالى يعلن البنك المركزى عن خفض سعر الفائدة على الجنيه، بزعم انخفاض معدل التضخم وفقا للأرقام القياسية لأسعار المستهلكين، لأدنى معدل له منذ ما يقرب من أربع سنوات كما تضمنت الأسباب كذلك استمرار الارتفاع فى معدل النمو وانخفاض معدل البطالة، وتزامن ذلك كله مع استمرار التباطؤ فى نمو الاقتصاد العالمى والتأثير السلبى للتوترات التجارية على آفاق النمو، مما أسهم فى تيسير الأوضاع المالية العالمية من خلال خفض أسعار العائد الأساسية لعدد من البنوك المركزية، وعلى رأسها الاحتياطى الفيدرالى بالولايات المتحدة.



فضلا عن انخفاض الأسعار العالمية للبترول أخيرا. والاهم من ذلك كله ما أشارت إليه لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى من كونها سوف تستمر فى اتخاذ قراراتها بناء على معدلات التضخم المتوقعة مستقبلاً وليس معدلات التضخم السائدة، وبالتالى ستستمر وتيرة وحجم التعديلات المستقبلية فى أسعار العائد الأساسية لدى المركزى فى الاعتماد على مدى اتساق توقعات التضخم مع المعدلات المستهدفة، وذلك لضمان الاستمرار فى تحقيق المسار النزولى المستهدف لاستقرار الأسعار على المدى المتوسط.



وهو ما رحبت به أوساط المستثمرين، بل طالب البعض بالاستمرار فى هذه العملية حتى تصل الى الصفر، انطلاقا من فرضية أساسية مفادها ان أسعار الفائدة تؤثر على جانب العرض لأنها تؤثر على حجم الاستثمار ونوعيته وبالتالى التأثير على حجم الاقتراض وتوزيعه بوصفه عنصرا من عناصر التكلفة، ومن ثم على نمو الإنتاج والاستثمار.



وإذا كانت أسعار الفائدة تؤثر على جانب العرض فإنها تؤثر أيضا على الطلب الكلي، عن طريق التأثير فى حجم الاستهلاك ومن ثم الادخار. وإذا كان تحقيق مستوى مرتفع للنمو الاقتصادى يتطلب إحداث زيادات منتظمة فى رأس المال وكذلك فى فاعلية استخدامه، فان ازدياد حجم الاستثمارات لن يكون قابلا للاستمرار إلا إذا تحقق بشكل ينسجم مع وجود وضع اقتصادى سليم وبيئة استثمارية مناسبة. وهو ما يتطلب ايضا الاهتمام بتعبئة المدخرات المحلية.



من هذا المنطلق نرى ان هناك العديد من الآثار السلبية المحتملة لخفض الفائدة يجب العناية بها ودراستها دراسة متأنية ودقيقة حتى لا يحدث مالا تحمد عقباه فى الاقتصاد القومى. ويأتى على رأسها أن أسعار الفائدة المنخفضة قد تدفع المؤسسات والشركات الى المزيد من الاقتراض ليس فقط لتمويل الاستثمار الثابت، كما هو مأمول، ولكن أيضا لتمويل المخزون السلعى والاستهلاك. خاصة مع توقعات استمرار انخفاضات الفائدة، فى ظل موجة التراجع التى تسود معظم بلدان العالم



وهنا تشير الإحصاءات الى ان تراجع معدلات الفائدة خلال الفترة الماضية أدى إلى ارتفاع الائتمان العائلى بنحو 19% خلال الفترة يوليو- مارس 2018/2019 مقابل 15% خلال نفس الفترة من العام الماضي، وفقا لتقرير البنك المركزى عن الاستقرار المالى والذى أشار أيضا الى ارتفاع قيمة الواردات الاستهلاكية المعمرة بمعدل 41% مقابل انخفاضها بمعدل 11% خلال نفس الفترة بينما ارتفعت الواردات الاستهلاكية غير المعمرة بمعدل نحو 8% مقابل 1% هذا فضلا عن أن أسعار الفائدة المنخفضة سوف تؤدى الى زيادة الاستثمارات المحلية التى لا تغل عائدا ملائما على الاقتصاد القومي، خاصة على المدى البعيد.وهو ما حدث بالفعل خلال الفترة الراهنة حيث لوحظ التوسع المستمر وغير المدروس فى الأنشطة الاقتصادية والدخول فى مجالات ليست بالضرورة نفس مجالات التخصص، وهى أحد الأسباب الأساسية التى تكمن فى فشل العديد من المشروعات التى أنشئت أخيرا وترتب عليه تعثر العديد من المستثمرين والمقترضين من البنوك، وأدى إلى استفحال مشكلات المشروعات المتعثرة.



ويأتى على رأس هذه القطاعات الاستثمار العقارى حيث ينظر إليه البعض على انه الاستثمار الأفضل والآمن، ومن ثم قد يؤدى ذلك إلى المزيد من هذا الاستثمار وتكمن المشكلة فى كون الوضع الحالى للسوق العقارية يخيم عليه الركود لدرجة أن هناك شركات خرجت من السوق مع تراجع واسع فى حركة البيع والشراء مما يثير قلق ومخاوف المستثمرين، خاصة أصحاب الفوائض المالية الصغيرة هذا فضلا عن أن السياسات التى تبقى على أسعار الفائدة دون مستوى التوازن تؤدى إلى تحيز لمصلحة الاستثمارات ذات الكثافة الأعلى لرأس المال، وهو ما يؤثر على معدلات البطالة، ناهيك عما تحتاجه هذه النوعية من تمويل خارجى ضخم، الأمر الذى يزيد من الطلب على العملة الأجنبية ويضغط بدوره من جديد على سعر الصرف.



والاهم التأثير على حجم المدخرات خاصة المدخر الصغير، حيث يمكن ان تؤدى هذه السياسة الى قيام البعض، بسحب جزء من ودائعه لدى الجهاز المصرفى إما للاكتناز أو للاستهلاك او للمشاركة فى شركات توظيف الأموال وهى الظاهرة المنتشرة فى المجتمع المصري،وهو ما يؤدى إلى تراجع حجم المدخرات المحلية ومن ثم الاستثمارات. وهو ما حدث بالفعل حيث شهدت معدلات نمو الادخار بالبنوك تباطؤاً خلال التسعة أشهر الأولى من العام الحالى لتنمو بنحو 8% مقابل نمو 11% خلال نفس الفترة من العام السابق



ومن أهم الآثار التى قد تنجم عن هذه العملية هى التحول للنقد الأجنبى والعودة إلى ظاهرة الدولرة من جديد. خاصة مع الأوضاع الحالية فى ميزان المدفوعات، حيث ارتفع العجز فى الميزان التجارى الى 38 مليار دولار عام 2018/2019 ووصل عجز المعاملات الجارية إلى 8 مليارات دولار ومن ثم تحول الفائض فى الميزان الكلى والذى وصل الى نحو 13 مليار دولار عام 2017/2018 الى عجز بنحو 102 مليون - ناهيك عن ارتفاع نسبة الديون قصيرة الأجل لإجمالى الدين الى نحو 12% هذا فضلا عن انها قد تؤدى إلى تعرض السندات السيادية الحكومية المطروحة بالأسواق العالمية الى عمليات بيع تقلل من قيمتها ومن ثم ترفع العائدات المستحقة عليهاويرتبط بذلك احتمالات التأثير على استثمارات الأجانب فى الدين المحلى وخروجهم من السوق.



لكل هذه الأسباب وغيرها نرى ضرورة ان دراسة أثر سعر الفائدة على معدلات الادخار جنبا الى جنب مع الاستثمار لمعرفة سعر الفائدة التوازنى الذى يجب ان يسود بالأسواق ويحقق الأهداف التنموية للبلاد