عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
جولن بين فكى الطاغية
23 نوفمبر 2019
رشا عبد الوهاب
جولن


فى 2015، لم يخجل الرئيس التركى رجب طيب أردوغان من الدفاع عن توسيع صلاحياته فى التعديلات الدستورية عبر القول إن هناك أمثلة كثيرة ناجحة، ومن بينها «ألمانيا هتلر»، وذلك فى إشارة إلى الزعيم النازى بتاريخه المعروف، والذى أصبح اسمه تجسيدا للخراب والقتل والدمار الشامل والديكتاتورية.



وعلى الرغم من السخرية التى صاحبت هذا التشبيه بين أردوغان وهتلر، إلا أن أرض الواقع تثبت أنه لم يذهب بعيدا عن سياسات النازى وأفكاره، فالمهم الفرد الذى يحكم أيا كانت أدواته.



وفى جزء من سياسات أردوغان، تظهر طريقة تعامله مع الداعية فتح الله جولن، والتى شبهها بعض المؤرخين بأنها تشبه علاقة جوزيف ستالين بليون تروتسكى من حيث أنها صراع السلطة داخل الاتحاد السوفييتى السابق، أدت إلى نفى الأخير واغتياله فى النهاية. جولن، مؤسس حركة الخدمة، أكد أنه لم يكن هناك أى تحالف سياسى بينه وبين أردوغان، وحزبه «العدالة والتنمية»، وأنهما لم يلتقيا سوى مرتين، وأن الخلاف بينهما بسبب تراجع الأخير عن وعوده بسيادة القانون وتطبيق العدالة.



العلاقة بين الطرفين غامضة، ويشوبها الكثير من الجدل، فقبل إعلان الرئيس التركى الحرب على «الخدمة» أو ما سماه «الكيان الموازى»، وبعد حصول حزبه على تفويض انتخابى قوى فى 2007، دعا أردوغان إلى التعاون مع الداعية الإسلامى وحركته العالمية.



وعندما حاول صحفى تركى إزاحة الستار عن العلاقة بين الرجلين فى كتاب «جيش الإمام» فى 2011 تم اعتقاله ومنع صدور الكتاب. ومنذ 2012، بدأت الخلافات تظهر إلى السطح، بدون سابق إنذار، مع مطالبة هاكان فايدان نائب وكالة المخابرات التركية بتقديم أدلة على ترويج بعض أعضاء حزب العدالة والتنمية لحركة الخدمة، وهو ما دفع حسين جيليك نائب رئيس الحزب الحاكم إلى السخرية قائلا إن «الغربان سوف تضحك» على مزاعم أن الخدمة أقوى من الدولة.



وازدادت حدة الخلافات مع اشتعال مظاهرات جيزى بارك بميدان تقسيم فى 2013 ضد استبداد حكومة أردوغان، ودخل جولن على خط الأزمة قائلا إن «مستقبل الحديقة لا يساوى حياة تركى». ودفع أردوغان بقانون لإغلاق مدارس تابعة لحركة جولن، وهو ما دفع الأخير إلى التهديد بأن المعركة مستمرة ولن تتوقف. وفى 17 ديسمبر 2013، شهدت تركيا أكبر فضيحة فساد فى تاريخها، تورط فيها أربعة وزراء فى حكومة أردوغان، الذى كان يشغل وقتها منصب رئيس الوزراء.



وبالطبع كان المتهم الرئيسى فى الكشف عن الفضيحة حركة جولن، خاصة أن الفضيحة طالت 80 شخصا، بينما أصيب أردوغان بحالة من الذهول ووصف الفضيحة بأنها «عملية قذرة» و «مؤامرة قضائية». وبسبب هذه الفضيحة، ومطالبات لأردوغان نفسه بالاستقالة، اضطر الكثير من نواب الحزب الحاكم إلى الاستقالة.



وفى نهاية الشهر نفسه، تم تسريب وثيقة مخابراتية من مكتب أردوغان تؤكد أن «الكيان الموازى» لديه مكاتب فى 27 مقاطعة، ويتحكم فى ألفى ضابط شرطة إلى جانب أكاديميين وصحفيين ومحاسبين.



ولكن الطامة الكبرى، كانت تسريب تسجيل صوتى لأردوغان نفسه يتحدث مع ابنه بلال يطالبه بنقل الأموال من المنزل بسبب مطاردة الفاسدين، وهنا جن جنون زعيم الحزب الحاكم، الذى وصفه بأنه تسجيل مزور، خصوصا أن كمال كليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهورى المعارض أذاعه فى البرلمان، وطالب أردوغان ساخرا إما بالهرب أو الاستقالة.



وتوالت الأحداث والفضائح التى تضرب أردوغان وعائلته، وتفضح فسادهم ومساعدتهم لتنظيم داعش الإرهابى حتى جاءت مسرحية الانقلاب المزعوم فى يوليو 2016، ليقوم أردوغان بتصفية الحسابات مع «الخدمة» وأنصارها ومعارضيه على حد سواء.



وجرد أردوغان جولن من الجنسية التركية، وصنفه باعتباره الإرهابى الأول المطلوب، ولم يترك وسيلة لمطالبة الولايات المتحدة بتسليمه، لدرجة أنه حاول تقديم رشاوى إلى مساعدى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لترحيله من منفاه الاختيارى فى بنسلفانيا. وخلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن، وصف أردوغان جولن بأنه يشبه أبو بكر البغدادى زعيم داعش بالنسبة لتركيا.



وتشير التقديرات إلى أن هناك فى تركيا وحدها، أكثر من 5 ملايين من أنصار حركة الخدمة فى أكبرالمناصب فى القضاء والجيش والشرطة والإعلام، إلا أن أردوغان لم يترك أى فرصة للتنكيل بهم.



وفى آخر مقالاته بصحيفة «اللوموند» الفرنسية، أكد جولن أن أردوغان دمر الديمقراطية التركية، وشدد قبضته على الدولة وفكك الشركات الكبرى وكافأ المتآمرين. وبلغ ضحايا حملة قمع أردوغان مئات الآلاف، فقد تمت إقالة 150 ألفا، ووضع 200 ألف فى المعتقلات دون محاكمة، واعتقال 150 ألفا من باب التنكيل بهم، بتهمة الإرهاب أو بمعنى أصح الانتماء إلى حركة الخدمة أو لأنهم أتباع جولن.