عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
صيحة سقوط البغدادى!
4 نوفمبر 2019
أسامة سرايا


لم يشبع الرؤساء الأمريكيون، المتعاقبون، بعد، من أن يطربوا، ويستعرضوا، ويسعدوا، كلما قضوا على أحد زعماء عصابات الإرهاب، والتطرف، الشرق أوسطي، فهم يكررون الصورة، فى منطقتنا، وبالمقاس نفسه، مع اختلاف فى الرتوش، ونحن، فى المكان ذاته، من الحدث، مازلنا نرى أن الأمر لا يخصنا، فى حين أننا، نحن أهل الشرق، معنيون، قبل أى أحد آخر، بأن نجفف منابع الإرهاب، والتطرف، ونستأصله، فى منطقتنا.. مازلنا لم نأخذ خطوات كافية فى هذا المسار الخطير.



مرت 8 سنوات على صورة أسامة بن لادن فى كهوف باكستان، وأوباما أعلن أنه تخلص منه, ذلك الرجل، الذى أوضحت التحقيقات الأمريكية أنه كان وراء أحداث سبتمبر 2001 فى واشنطن ونيويورك، ومن أجل اصطياد تنظيم خاضت الولايات المتحدة حروبا فى الشرق (أفغانستان والعراق.. وما بعدهما) للقضاء عليه.



لقد أعاد ترامب تصوير المشهد نفسه، وبأسلوب وصورة مبتكرة، فى أكتوبر 2019، ولكن، هذه المرة، لاصطياد المتهم الأول، الذى سجل الرقم القياسى فى قتل المسلمين، والجنسيات الأخري، وهو الإرهابى زعيم الدواعش، الذى حصل على ألقاب عدة، ومسميات مختلفة، بين سامراء العراق (الخليفة إبراهيم - البغدادى قائد عظيم الدولة، زعيم الدواعش)، ذلك الرجل، الذى أرعب العالم، لسنوات، كان فريسة سهلة،وتم قتله، أو انتحاره، فى نفق، ومات مذعورا، خائفا، طريدا، وملثما، فى المناطق الصحراوية، بين سوريا والعراق.



لقد خطط الأمريكيون لكيلا يتحول زعيم الدواعش إلى أسطورة لدى شعوبنا فى الشرق، ونحن نطمئنهم أننا لم نعد نؤمن بالأساطير، ونحن نعرف الإرهابيين.. قد نكون عاجزين عن استئصالهم، لكنهم لم يعودوا يخيفوننا، وهم مكشوفون لدينا، ونطلب منكم أن تتوقفوا عن صنع الأساطير، وتمويلها، وتثمينها، حتى لحظة الاصطياد.. لن نقلل، أو نتهرب من مسئوليتنا, بأننا قصرنا فى مواجهتهم، مما جعل بعض بلداننا حاضنة لهذا الفكر المتخلف، والجاهل، والذى ليس من الإسلام، أو أى دين آخر، فى شيء، ولكننا لا نستطيع أن نتجاهل أن الدعم، والأموال، التى رصدت لتشجيع هذه التنظيمات، مازالت موجودة، ولم تجف بعد، بل تجرى تحت أنظار المجتمع الدولي، ومؤسساته المختلفة، وقد يرى الكثيرون أن بعض حلفاء أمريكا، خاصة فى تركيا وقطر، يمولون هذه التنظيمات، ويتعاملون مع قادتها، من القاعدة إلى داعش إلى الإخوان إلى النصرة إلى أنصار الله.. وكل التيارات، والتنظيمات، تذهب إلى هناك, للحصول على الدعم، والتشجيع، بل إن هناك منصات إعلامية أطلقتها هذه البلدان، لتشجيع الإرهاب، والتطرف، فى مختلف الدول العربية، بالشرق الأوسط، وتجنيد الأنصار، وإرسالهم إليها، لزعزعة استقرارها، ليظل التساؤل: ما الهدف من تثمين هذه التنظيمات، ثم قتالها، والقضاء عليها بعد ذلك؟.. ألم يكن من الأفضل أن يشتركوا معنا فى تجفيف منابع هذه التنظيمات، والقضاء على فكرها، وتخليص منطقتنا من سمومها، ومنع نشأتها أصلا، والتى تحصل على دعم دولي؟..



إننا نجد أن التنظيمات المتأسلمة تتحرك بحرية فى العالم الغربي، خاصة الإخوان، على الرغم من أنه التنظيم الأم لكل هذه التنظيمات، بل يحصل على دعم الكثير من المؤسسات العالمية، العاملة فى مجال حقوق الإنسان، وقد تكون بلادنا تنفست الصعداء بالتخلص من بن لادن والبغدادي، وبينهما الزرقاوي، ومواجهة التنظيم الدموى داعش الإرهابي، الذى أذهل العالم بقدرته القتالية، ونجاحه فى استقطاب الأنصار، وتجرؤه على التاريخ الإسلامي، حينما أعلن الخلافة فى سوريا والعراق، وتحكم فى الأراضى الشاسعة، وملايين البشر، ومارس كل أساليب التعذيب الإجرامى على أهل الشام والعراق.. لقد رحل هذا البغدادى البشع وفى رقبته، ورقبة تنظيمه الوحشى عشرات الآلاف فى منطقتنا العربية والعالم، ونحن فى مصر مازلنا نكتوى منهم، ومن الذئاب الفردية، التى أطلقها فى سيناء، ومازالت صور الضحايا المصريين المسيحيين، الذين قتلوا فى الصحراء الليبية، ماثلة فى الوجدان المصري، لا تُخطئها عين، ولا نتغافل عنها، بمرور الزمن والأيام، فنحن واجهنا هذا التنظيم، البشع، فى صحراء سيناء، واستأصلناه، تقريبا، ولم نطلب من أحد، فى العالم، مساعدتنا، وتحملنا، بشرف، حرب هذه التنظيمات، ودفعنا ثمنها من قوت، ودماء، أولادنا، وعرق جبين الفلاح المصري، ولم نصرخ.. ولكننا الآن ننظر إلى المستقبل.



إننا، إذا كنا نحتاج إلى إحداث تغييرات كبيرة، فى كل المجتمعات العربية، فإن أول ما يجب أن نفعله هو تشجيع المفكرين، والأدباء، لكى يعود طه حسين من جديد، وكل المبدعين، الذين رحلوا، فالمجتمعات الحية تتحرك لحفظ حياتها قبل أن يخربها المجرمون، السفاحون، الإرهابيون، الذين ظهروا فى أعماق كتب، أو أفكار سطحية، وجاهلة، لم تجد من يواجهها، ويضعها فى مكانها الصحيح.



علينا أن نقف ضد الجماعات، التى تبذر بذور الشقاق العرقي، والسياسي، والطائفي، وتؤججه، بجانب تقويض الثقة فى السلطات الوطنية، القادرة على مواجهتهم، وعلينا أن نكشف السياسات، التى تفتح هذا الباب، وتلعب عليه.. لماذا لا نكشف دور أردوغان فى انهيار سوريا، ويدخل الآن فى شمالها لإنشاء مناطق آمنة للإرهابيين الذين يخطط لاستخدامهم فى الخليج العربى ومصر؟.. لماذا لا نسارع إلى علاج مناطق التوترات العربية.. سواء فى سوريا أو اليمن أو ليبيا، وحاليا فى لبنان والعراق؟..



إن صيحة سقوط البغدادى وداعش ليست نهاية المشهد الدموى فى الشرق الأوسط، لكنها نقطة ضوء يجب أن نبنى عليها، لمضاعفة جهودنا، على كل الأصعدة، لاجتثاث تلك الظاهرة، التى أعادت بلادنا، ومنطقتنا، قرونا إلى الوراء، ومنعت تقدمها، وتطورها، وأعاقت ارتباطها بعالمها المعاصر.