عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
العدالة الاجتماعية والخصوصية.. أبرز المخاوف
29 أكتوبر 2019
000;


> تثير المدن الذكية نقاشات جدلية محتدمة بين المتخصصين فى مجالات عدة، حيث يشتبك التخطيط العمرانى والتطور الحضرى مع التكنولوجيا والعلوم الاجتماعية. وعلى الرغم من أن البعض يرى المدن الذكية كـ «يوتوبيا » تجسد أحلام الرفاه والحياة السلسة التى تدار كل خدماتها وأنشطتها بضغطة زر فإن البعض الآخر يحذر من إمكان تحولها إلى «ديستوبيا» إذا لم يتم الالتفات لمعالجة عدد من القضايا المرتبطة بسيطرة التكنولوجيا على مفاصل هذه المدن.



لا يمكن اعتبار التحذيرات التى يطلقها إخصائى التخطيط العمرانى والحضرى معاداة للتكنولوجيا بقدر ما تسعى بعضها إلى إبراز قضية جدلية تحتل مساحة كبيرة فى النقاشات حول المدن الذكية، فهناك من يرى أن مركز الاهتمام يجب أن يكون البنية التحتية التقنية المسلحة بالذكاء الاصطناعى، بينما يرى البعض الآخر أن الأولوية يجب أن تكون للبشر الذين سيسكنون تلك المدن.



هذا الجدل حول ما يمكن أن يحدث عندما تتم صياغة القضايا الاجتماعية والسياسية المعقدة كألغاز تقنية يتناوله كتابان يرفضان بشدة اعتماد المدن الحديثة بشكل مفرط على البيانات والتكنولوجيا.



يقدم كتاب «ضد المدينة الذكية» لآدم جرينفيلد حجة تنتقد الخطاب التقنى التجارى لشركات التقنية الكبرى مثل سيسيكو، وآى بى إم، وسيمينس، الذى يسعى لتسويق تلك المدن، ويكشف جرينفيلد ما يصفه بـ «الزيف المقنع» لما يطلق عليه «مدينة ذكية» بينما هى أبعد ما يكون عن مفهوم المدينة من وجهة نظر خبير فى التخطيط الحضرى، مشيرا إلى أن الأمر لا يتعلق بفكرة نشر المزيد من التكنولوجيا لإدارة الحياة الحضرية. بدلاً من ذلك يتعلق بخصوصيتها وخصوصية سكانها، حيث يتم انتهاك تلك الخصوصية طوال الوقت من قبل الشركات. ويناقش ما إذا كان يمكن لتلك المدن أن تعمل كما يروج لها ، فإذا تم تعطيل النظام لأى سبب فستصاب المدينة بكامل مرافقها بالشلل التام.



ويجادل بأن طبيعة الملكية والحقوق والصلاحيات الخاصة بالتقنيات المسيطرة على المدينة الذكية تجعلها غير مرنة أو آمنة، لأن التكنولوجيا تخفى أجندة سياسية وتجارية خاصة تدور حول تحقيق الربح عبر خصخصة الخدمات المحلية وامتلاكها، مما قد يسهل من خداع المسئولين فى المدينة للحصول على تكنولوجيا لا يفهمونها جيدا ، وقد يؤدى ذلك إلى تقويض الاقتصاد المحلى عبر ممارسات احتكارية خفية أو حتى تقويض الديمقراطية عبر التكامل بين الخدمات العامة والخاصة، مما يقود لإزالة المساءلة الديمقراطية العامة عندما يسيطر القطاع الخاص على المرافق والخدمات التى يفترض دعمها من قبل الدولة ، وهو الأمر الذى سيلقى بتبعاته على اتساع الفجوة الطبقية والاجتماعية بين المواطنين، سواء بين من يعيشون فى تلك المدن من القادرين على دفع تكلفتها أو بينهم وبين من يعيشون خارجها فى مدن تقليدية داخل نفس الدولة.



ويسير« بن جرين» فى نفس الاتجاه معبرا عن مخاوفه بشأن العدالة الاجتماعية وانتهاكات الخصوصية خلال كتابه « المدينة الذكية الكافية: وضع التكنولوجيا فى مكانها لاستعادة مستقبلنا الحضري»، محذرا من الاستسلام لتيارات البيانات الكبيرة التى تطغى على المدن الذكية. يتساءل جرين: لماذا ، فى كثير من الأحيان ، تؤدى تطبيقات التكنولوجيا فى المدن إلى عواقب وخيمة؟.



هو يرى أننا من خلال السماح لأنفسنا بالغرق فى ضجيج البيانات ، فإننا نقوم بإعادة صياغة القضايا الاجتماعية والسياسية المعقدة كألغاز تقنية. وحل هذه الألغاز يستنزف تركيزنا على التحديات الحقيقية.



فبدلاً من تقسيم العالم إلى مدن «ذكية» والمضاد الضمنى لها مدن «غبية»، يرى جرين أن المدن عليها أن تركز على تحسين خدماتها أولاً ودمج البيانات والتقنيات التى تتطلبها تلك التحسينات فقط.