عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
عشرون ثانية حياة
18 أكتوبر 2019
حنان العطار


عند عتبات السلم الكهربى، داخل المحطة الكبيرة المزدحمة، تراجعت، وقررت أن تصعد الدرج الموازى له، صارت تخشى كل ما قد يودى بها إلى السقوط، لم تعد تأمن عواقب أى خطوة لا تجيد السير إليها، أو التوازن فيها.. لكنها سمعت صوته يقول لها: أعطنى ذراعك، صمتت لحظة، ونظرت إليه بدهشة، وخجل.. هذا الذى جاء إليها، وشغل عالمها مثل جنى الفانوس، صدفة يخرج لينعش الأحلام، ويحقق الأمنيات..تعثرت به فى دربها للحياة، ما حسبته إلا وجها عابرا مثل كل العابرين؛ لكنه بقى لها ومعها دون تفسير أو تبرير. ترددت أن تمد ذراعها وهى تعلم أنه رغم عشقه لها متحفظ،متعفف،فى البوح ليس بمقدام، لم تقدم على ذلك إلا عندما هيأ هو ذراعه؛ لتمسك به...؛ لتمضى اللحظات.. هل كانت ثوان معدودة؟ أم أنه زمن كاف لأن تشعر وهى فى قبضته بأمان اشتاقت مذاقه؟ مضى عمرها، وهى ترجوه، وتهرول لكل من يلوح به، طعم حقيقى لإحساس تجرعت مرارا من زيفه، حتى أتقنت تمييز صدقه من باطله، لم تدر إلا بتشبثها به واعتدال ظهرها الذى ظل عاريا من كل سند وقارب على الانحناء لثقل الرحلة... يصعد بهما السلم من أسفل إلى أعلى وكلما صعد لاح لها الضوء لتتضح الرؤية وتغمرها النسمات، فيتسع صدرها الذى ضاق بكل شيء.. ملتصقة به، متوحدة معه، وهو الذى لم ينثر حولها الوعود، ولم يقسم أنه سيبقى للأبد، ولا أطرب مسامعها بأحاديث العشق، ليس مضطرا لبسط شباكه، ولم يلجأ لمطاردة مشاعرها، هو فقط يتواجد دوما فى محيطها، يحيا بوضع الاستعداد لطمأنتها، يفعل دون ثرثرة وأقوال، ثوان متتابعة، السلم فى صعود، ونبضات قلبها التى اتصلت بنبضه تتراقص رقصة صوفى، يدور ويدور؛ ليطوى سنواتها العجاف، ويمرر لعينيها كل لقطات الخذلان، وصور المسوخ، ومحطات السقوط؛ فتبهت معالمهم، ولا يتبقى إلا نشوة الرقصة، وخفة الروح. ثوان أخرى تمر وكلاهما يحكم القبضة تجاه الأخر فى اعتراف أن كل روح وجدت شبيهتها فى رحلة ارتقاء السلم،التى استغرقت ما يقارب عشرين ثانية وعند نقطة الوصول أفلتت ساعدها فى بطء وتراخ، بينما هو يسرع السير ويحثها على الإسراع، تشكو له ألم قدميها وقدرتها على مجاراته فى العدو والقفز بخطوات واسعة، منهكة هى، يحفزها أكثر ويناديها:فلتحتملى، ولتسرعى، حتى نتمكن من اللحاق بأخر قطار يخرج من المحطة، فمضت تغالب ضعفها وتحاول.