عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
الأهرام.. وأحاديث على بساط المودة
9 أغسطس 2019
أنور عبداللطيف


السطور التالية ليست تأريخا للصحافة لكنها نوع من أحاديث الذكريات فرضتها مناسبة العيد 144 لصدور الأهرام،جلسات للمحاسبة واستلهام العبر من دروس الماضى لكنها أيضا فرصة لاجترار الذكريات وذكر محاسن من سبقونا، لاستلهام عناوين جرانين المستقبل كما قال صلاح جاهين.



وإذا كانت الكتابة هى أرفع مراتب التحرركما قالت سناء البيسى سيدة الكتابة على ورق الورد، فإن الأحاديث التى هى على بساط أحمدى أرفع مراتب الصراحة فى سرد محاسن الصدف التى جمعتنا بطلائع البنائين فى صرح صحفى دخل ‭‬‮‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬تدخل‭ ‬صحيفة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬امة‭ ‬من‭ ‬امم‭ ‬الشرق.



اقول‭ ‬هذا حتى لا أتهم بالتحيز أو الإسراف فالمناسبة عيد للبهجة وليست جلسات للمحاكمة وهو ما لا يدخل فى اختصاصى ولا أقدر عليه، وقيمة من قابلناهم وعاشرناهم من قيمة الأهرام، وبفضل الآباء والأجداد ‬ما‭ ‬عرف‭ ‬الشرق قبل ‭»‬الأهرام‮» ‬‭‬صحيفة‭ ‬استطاعت‭ ‬ان‭ ‬تفرض‭ ‬نفسها‭ ‬علي‭ ‬تاريخ‭ ‬بلادها‭ ‬بما‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬النهضة‭ ‬وتوجيه‭ ‬الحياة،‭ ‬ولاعرف‭ ‬قومنا‭ ‬قبل ‭»‬الأهرام‮»‬‭‬ صحيفة‭ ‬استطاعت‭ ‬ان‭ ‬تجعل‭ ‬من‬‮‮كتابة الجرنالجية كما قالت بنت الشاطئ ‬‭ ‬صوتا‭ ‬بالغ‭ ‬النفوذ‭ ‬بعيد‭ ‬الصدى، وهنا تأتى أهمية الجانب الغاطس من حياة الجورنالجية داخل مبنى الجلاء خلف واجهة زجاجه الفيميه.. كماعشته أو سمعته من حكايات الأولين.



يوسف إدريس وصلاح جلال وفريد مجدى..مباراة فى الاحتواء



‎شاهدت الأسى على وجه عم طه صراف الخزنة، نظر فى شريط القبض وتصعب وكلم نفسه: «حرام والله.. إلا الخصم ولقمة العيش».. مد يده بباقى مرتب الشهر وقدره 34 جنيها قائلا: أمرك لله يا بنى، مخصوم لك نص يوم، ومددت يدى واستلمت المرتب ناقصا جنيها واحدا، ثم سألنى: أنت عملت إيه للحاج فريد، فكرت قليلا ولم أرد، وإن كنت شعرت بفخر للحظات أننى كبرت وصار لى رأى وصار لرأيى ثمن، لكنى لم أصمد بل سارعت بدخول الحمام المواجه لغرفة الخزنة وانخرطت فى البكاء، من الشعور بالظلم بسبب تأييدى لكامل زهيرى.



‎والحكاية حدثت فى غمار انتخابات نقابة الصحفيين أول الثمانينيات، بين المرشح الرسمى للأهرام الأستاذ صلاح جلال، وبين الاستاذ كامل زهيرى الذى كان من مناصريه فى الأهرام الدكتور يوسف إدريس وأطلق عليه مرشح «الثائرين» لوقوفه ضد التطبيع مع إسرائيل وضد رغبة الرئيس السادات.



‎وكان ذلك بعد تعيينى بسنة واحدة وأثناء جولة صلاح جلال الانتخابية على الأقسام؛ سأل صديقه ـ يرحمهما الله ـ الأستاذ فريد مجدى رئيس القسم: رجالتك جاهزة بأصواتها يا فورد؟ فأجابه الأستاذ فريد: عندى ثمانية أصوات اعتبرهم فى جيبك يا «دوك»، وانصرف الأستاذ صلاح.



والتفت الأستاذ فريد نحوى وكنت أحدث المعينين وقال: طبعا صوتك وحده مش كفاية يابو الأناور، لكن لازم تكلم زملاءك وأصحابك، فقلت له: بصراحة يا ريس لو لى «صوت» سأعطيه للاستاذ كامل زهيرى، فشعر الأستاذ فريد بصدمة شديدة، وبانت على وجهه الصدمة، واكتشف أن أحد «عياله» ليس فى جيبه ولا جيب النقيب المحتمل، ثم أقفل باب المكتب علينا حتى لا يشاهد أو يسمع أحد هذا التمرد، وقال لو لم ينجح الأستاذ صلاح سيكون حسابك معى عسيرا، وتمت الانتخابات ونجح مرشح الأهرام الرسمى باكتساح.. لكن الأستاذ فريد سألنى بحنو بالغ سحره:



‎ـ قول بصراحة انتخبت من؟



‎ ولم أشأ أن أكذب على عم فريد وأجبته بنفس مطمئنة:



‎ـ والله ياريس انتخبت كامل زهيرى.



فقال: ـ وكمان بتفسر فى وشى وتحلف..انت مخصوم لك نص يوم.. وبالفعل حدثت واقعة المرتب وتداعياتها إلى سالفة الذكر، حتى فوجئت بالأستاذ صلاح جلال رئيس تحرير مجلة الشباب وعلوم المستقبل؛ يستدعينى لمكتبه وقال لى ضاحكا كلفتك بـحديث مع «صاحبك الـ....» الدكتور يوسف إدريس، ولأن الأستاذ صلاح لم يكن يعرف ماجرى بينى وبين الأستاذ فريد وأيضا لم أكن أعرف يوسف إدريس ولا هو صاحبى، فقد خمنت أن الأستاذ فريد بكل حنانه وراء ترشيحى لهذا الحديث، وفى طريقى للطيران إلى الدور السادس حيث مكتب يوسف إدريس، وجدت زميلى المصور محمد وسيم، فقلت له تعال معى لتصوير «يوسف إدريس».. وفوجئ الدكتور يوسف إدريس بالكاميرا فى وجهه، فقال باستغراب اسمك إيه؟.



فقلت اسمى.. وأننى أستأذن حضرتك فى موعد لـ حديث معك لمجلة الشباب طلبه الأستاذ صلاح جلال، فضحك بصوت عال ووافق وبعد يومين أجريت الحديث!.



ونشر الحديث بما يليق بأمير القصة القصيرة، بكل صداماته مع الحكومة، ومع الشباب المحجم على الزواج بسبب الإسراف فى المهور وغلاء المعيشة، واقترح يومها لحل مشكلة السكن أن يتزوج الولد لمدة ساعتين فى اليوم ويعود لبيت أبيه وتبقى البنت عند أهلها، وأكد أن هناك تعمد ترك الشباب للبحث عن النعيم الزائف مع بنات الحور وسط جماعات الإرهاب، والأهم من كل هذا أننى حصلت على عشرة جنيهات بالتمام والكمال مكافأة عن الحديث عوضت الجنيه المخصوم من مرتبى عشر مرات.



وبعد أن ترك الأستاذ صلاح جلال المجلة وتولى الأستاذ عبدالوهاب مطاوع رئاسة تحرير الشباب، وهاجم يوسف إدريس الصحافة القومية وصحافة الأهرام بالذات لأنها لا تهتم بالرأى الآخر ولا بأبنائها النابغين، وأن مجلة الشباب كانت تناصبه العداء فى العهد السابق فاضطر الأستاذ عبدالوهاب لمواجهته بالحديث الذى أجريته للمجلة معه فى يونيو 1981، وبآرائه الجريئة ضد سياسة الحكومة والمجتمع التى نشرت دون حذف!.