عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
حوار فى عرين الديمقراطية البريطانية
23 يوليو 2019
◀ د. مصطفى الفقى


اتصل بى صديق مصرى يعيش فى لندن هو الأستاذ (سمير تكلا) وقال لى إنه يتمنى عليَّ لو أستطيع الحضور إلى المملكة المتحدة للتحدث إلى أعضاء البرلمان فى الجمعية المصرية البريطانية، وهم مجموعة من أعضاء مجلس اللوردات ومجلس العموم، حول مصر والأوضاع فى المنطقة قائلًا: إن الدعاية ضدنا تسمم الأجواء، ولابد للجانب البريطانى أن يستمع إلى وجهة نظر موضوعية حول ما يدور فى مصر، ولأننى كنت ذاهبًا إلى المملكة المتحدة لحضور مجلس أمناء الجامعة البريطانية، فضلًا عن بعض الفحوص الطبية فإننى قبلت المهمة التى دعانى إليها ذلك الصديق بدافع وطنى بالدرجة الأولي، وبالفعل مررت على السفير المصرى فور وصولى إلى لندن واستمعت إليه فى مقر السفارة حول بعض نصائحه قبل أن أذهب إلى مقر البرلمان حيث جرى اللقاء فى قاعة داخل بهو (وستمنستر) للمبنى العتيق والرائع للبرلمان البريطاني.



قدمنى رئيس الجلسة وهو عضو فى مجلس العموم تقديمًا كريمًا قائلًا: إن المتحدث درس فى لندن وعمل دبلوماسيًا فى بريطانيا وتولى مواقع دبلوماسية وبرلمانية وإعلامية وثقافية تدعونا إلى أن نستمع إليه باهتمام، وقد بدأت قائلًا: إننى لست محامى الحكومة المصرية فإنجازاتها تدافع عنها فى ظل إصلاح اقتصادى مرير وحرب ضروس ضد الإرهاب وصمود مصرى رائع أمام كل التحديات فضلًا عن دور دبلوماسى نشط دوليًا وإفريقيًا وعربيًا ومع ذلك فإننى أقول لكم إننى لا أدعى أن الصورة وردية بالكامل فلدينا مشكلات تراكمت عبر العقود الأخيرة وظروف صعبة اقتصاديًا ومعيشيًا ومع ذلك فإننى أتحدث أمامكم بحياد كامل وموضوعية مجردة.



وقلت لهم إننى أوجه سؤالًا بسيطًا هل هناك دولة تحارب الإرهاب على أرضها وتبنى اقتصادها وتدعو إلى تصحيح صورة الإسلام ليعود لها البهاء الذى يعكسه ذلك الدين المتسامح؟ إننا فى مصر نخوض مواجهات عديدة بلا تردد أو تراجع ونمضى فى طريقنا رغم الحصار الإعلامى والدعاية المسمومة، وأضفت مستأذنًا فى أن يسمحوا لى بالتعبير عن شعورنا بالإحباط تجاه بعض المواقف البريطانية نحو مصر فى السنوات الأخيرة وتساءلت هل من اللياقة الدبلوماسية أن توقف بلدكم طيرانها المدنى إلى مدينة سياحية لدولة يقوم رئيسها بزيارة للعاصمة البريطانية ولم يكن قد برحها بعد!



إن ذلك لم يكن أمرًا متوقعًا خصوصًا أن الحادث الذى جرى كان يتعلق بطائرة روسية وليست بريطانية، فضلًا عن أن الطائرات الغربية كلها تحلق إلى سماء شرم الشيخ باستثناء بريطانيا التى لم تفعل ذلك فضلًا عن روسيا الاتحادية صاحبة الطائرة المأساة، وقد مضى أكثر من أربع سنوات والوضع على ما هو عليه، إن لذلك دلالة فى نظرنا وهى أن بريطانيا مازالت تنظر إلى مصر نظرة تستحق أفضل منها بكثير، ويكفى أن تتذكروا أن العلاقات الاقتصادية بين دولتينا متميزة إذ يكاد يكون حجم الاستثمارات البريطانية هو رقم اثنين فى مصر بين دول العالم بل ويتقدم أحيانًا عن ذلك، بينما العلاقات السياسية متجمدة عند ذكريات حرب السويس ودعمكم جماعة الإخوان المسلمين، وهى فى ظنى صناعة بريطانية مثلما هو الأمر بالنسبة لمعظم مشكلات آسيا وإفريقيا بدءًا من القضية الفلسطينية وصولًا إلى مشكلة كشمير إلى السياسات العنصرية فى القارة الإفريقية إلى الوضع فى السودان إلى غيرها من نتاج الدبلوماسية البريطانية فى القرنين الأخيرين.



ثم عرجت على إنجازات مصر فى السنوات الأخيرة وفى مقدمتها ترسيخ مبدأ المواطنة والدور الإيجابى المتميز الذى لعبه الرئيس السيسى فى تأكيد الوحدة الوطنية فهو الذى رمم الكنائس التى أضيرت بعد سقوط حكم الإخوان وهو الذى بنى الكاتدرائية الكبرى فى العاصمة الجديدة مثلما بنى الجامع الكبير وهو الذى شارك أشقاءه من أقباط مصر احتفالات عيد الميلاد لأكثر من خمس مرات حتى الآن بالحضور إلى الكاتدرائية فى أثناء قداس عيد الميلاد ثم هو صاحب مبادرة الدعوة إلى تجديد الخطاب الدينى، وإظهار الوجه الصحيح لديانة عظيمة هى الإسلام وذكرتهم بتسامح الشعب المصرى تاريخيًا الذى تحتضن عاصمة بلاده أكثر من اثنى عشر معبدًا يهوديًا لم يمسسهم مصرى بضرر على امتداد السنين، وذكرتهم بالمناسبة أن مصر التى قادت الحرب هى أيضًا التى صنعت السلام لذلك فإنها تستحق منهم ومن غيرهم تقديرًا خاصًا. ولقد بدأوا فى توجيه الأسئلة لى وكان أحدها عن العلاقات مع تركيا فقلت لهم: إنه لا يوجد خلاف بين مصر وتركيا، ولكن هناك خلافا بين مصر ورجب طيب أردوغان وشرحت وجهة نظرنا فى هذا السياق، ثم وجه لى الحديث اللورد (ستون) وهو شخصية بريطانية يهودية معروفة قائلًا: إن سيناء المصرية يجب أن تكون مسرحًا للتسامح بين أبناء الديانات، فقلت له مرحبًا بمثل هذا الاقتراح شريطة أن يتوقف الإرهاب على أرضها وهو الذى تحاربه مصر بلا توقف.



ثم تحدث وزير سابق للدفاع أصبح عضوًا فى مجلس اللوردات عن مصر وأشاد بعلاقته بالملحقين العسكريين المصريين عبر العقود الأخيرة، وقرب نهاية المحاضرة وجه رئيس الجلسة سؤالًا إلى ممثلة منظمة العفو الدولية التى حضرت اللقاء: هل لديكِ استفسار من المحاضر؟ فأجابت بالنفى وقالت: إنها تكتفى بما سمعت، عندئذ وضع أحد الحاضرين ورقة مكتوبة أمامى قال فيها بالنص: لقد قدمت خدمة لبلادك بهذا الحديث خصوصًا فى هذه الظروف الصعبة، ثم دعانا رئيس الجلسة إلى حفل شاى فى قاعة ملحقة تكريمًا لى باعتبارى ابنًا لمصر الحضارة والثقافة والتوازن السياسي، وقد لمحت ونحن فى طريقنا أسقف (كانتربري) فرأى السفير أن نسلم عليه وعندما قدمت إليه نفسى ابتدرنى قائلًا: إن مكتبة الإسكندرية سوف تكون حاضرة لدينا فى نوفمبر هذا العام احتفالًا بالفيلم الذى تنتجه عن رحلة العائلة المقدسة، كان ذلك موجزا لما جري، وبعد عودتى بثلاثة أيام اتصل بى الصديق المصرى البريطانى يبلغنى بالانطباع الإيجابى عن ذلك الحوار وتأثيره فى من حضر لذلك فإننى أرى أن الحديث إلى من نختلف معهم أجدى كثيرًا من مقاطعة الذين لا يفهمون أوضاعنا ويهاجمون سياستنا ، ولست أزعم أن السياسة البريطانية تقبل مصر مائة بالمائة، ولكننى أدعى أنها لا ترفضها أيضًا ولا تنكر مكانتها ودورها فى الشرق الأوسط.