السينما المصرية جماهيرية منذ نشأتها. و لولا ذلك لما كانت هناك صناعة سينما مصرية بشكل حقيقى. والسينمائيون المصريون دأبوا منذ عشرينيات القرن العشرين على صنع كل انواع الافلام التى يحبها الجمهور الواسع مثل الافلام الكوميدية والافلام الغنائية وافلام الحركة.
بالطبع كانت هناك الافلام الاجتماعية والنفسية ورؤى المخرجين الخاصة وغيرها والتى لا تحظى عادة بنفس الجماهيرية، لأن لها جمهورا خاصا قد يكتفى بمشاهدتها فى المهرجانات أو فى التليفزيون فقط. فيلم كازابلانكا المعروض حاليا هو آخر عنقود افلام الاكشن بالسينما المصرية. وهو يحكى عن مجموعة من هجامى البحر الذين يسطون على السفن.
وتبدأ حكايتهم بعملية جريئة يقفز فيها عمر المر الى مركب ضخم ليقود سيارة مخبأ بها الماظ ليطير بها من السفينة وينزل على بساط خشبى بدائى مربوط بلانش يقوده الريس عرابى بينما ثالثهم رشيد يعوم بسرعة ليثبت متفجرات فى جسم المركب ليمنعه من ملاحقتهم.
تنجح العملية، بينما يصاب عرابى من طلقة لقائد السفينة حتى تواجههم الشرطة فى الميناء، فيقوم عمر بتهريب صديقه رشيد قبل أن تقبض عليه السلطات. لا تسأل عن المنطق ولا اين تحدث مثل هذه السرقات فى الحدود البحرية المصرية ولا لماذا رجعوا للميناء ولم يرجعوا مثلا لاى مرسى أو شاطئ مثلا. يدخل عمر المر السجن بينما يصبح عرابى تاجر مخدرات كبيرا فى كازابلانكا بالمغرب بعد أن فر ومعه زكريا، الاخ المراهق لعمر.
يلاحق عمر ورشيد صديقهما لأخذ نصيبهما من السرقة الضخمة وعمر لاسترداد اخيه، فيفاجئنا بأن عرابى فى حماية مغربية قوية من مسئول فاسد هناك. لكن بدون بودى جارد!! وبعدها نكتشف انهم جميعا مطاردون من الخواجة المالك الاصلى للالماظ. لكنه لا يستطيع الانتقام من عرابى لأنه يخاف أن يغضب المغاربة الذين يحمونه ويرتبط هو معهم بمصالح مشتركة. ولحشر عنصر نسائى وقصة حب، يقابلان فتاة مصرية (غادة عادل) التى تعمل بالنصب وحطت بها الاقدار بالمغرب مع اختها الكبرى (لبلبة).
وترتبط بعمر ويضحى من أجلها وهو الذى عرفها لتوه. ثم يصدم عمر بأن أخاه الأصغر لا يريد الرحيل معه لأن عرابى أغرقه بالمال والملذات وهو الذى كان يسرق من أجل تربيته كما يقدمه الفيلم. والخواجة ظهر انه ضحية لمذابح البوسنة، وهو يحتقر زكريا المراهق لأنه لا يعرف قيمة أخيه. فحتى رئيس العصابة المنافسة يشهد لبطل الفيلم بالأخلاق العالية. وعمر يتحول لملاك يريد العودة لمصر وينسى نصيبه فى الثروة بعد تخلى أخيه عنه.
ومن كر وفر، ومن مطاردة لأخرى تمضى الاحداث. حتى اكتشاف ان رشيد هو الخائن الاكبر لصديقيه، تارة لصالحة وتارة لصالح الخواجة، بل ويقايضهم على رأس زكريا مقابل نصيبه فى الثروة. فى المواجهة الاخيرة يلحق بهم الخواجة بعد ان قام عمر بتصفية عصابته، ثم يقوم الخواجة بقتل رشيد لتحقيق العدالة من الخائن - قبل ان يقضى عليه عمر المر الذى ينقذ شقيقه من الموت ويسامح عرابى.
وقبل ان يعودا للوطن ويقتسما الثروة من الالماظ، يظهر لهما صديقهما المكسيكى - الذى كانا يظنانه ميتا فى عملية سابقة لهما- ويخبرهما انه الآن الممثل الرئيسى للعصابة الدولية مكان الخواجة، ويقايضهما على الثروة مقابل حياتهما. يستسلمان ويتوعدانه ليفتحا الباب لعمل جزء ثان للفيلم الناجح. من وجهة نظر نقدية بحتة، الفيلم هو تجميع لعدد من أهم افلام الهوليوودية عن خيانة الاصدقاء السارقين لبعضهم مثل (العملية الايطالية) مع صبغ الحبكة بجو محلى والحوارات بلغة لاذعة، ربما تكون هى الحسنة الوحيدة لكاتب السيناريو هشام هلال.
والمخرج (بيتر ميمي) مقلد ممتاز لافلام الاكشن العالمية، بلا اهتمام باى شيء آخر أو بفن السينما ذاته. حتى انه صور فى مراكش قائلا لنا انها كازابلانكا. هؤلاء صناع أفلام (لم يدرسوا السينما) لا يهمهم الا النجاح وتنجيم النجم. وتقليد هوليوود هو أكل العيش الرائج فى السينما والتليفزيون الآن.
النجم امير كرارة فى أحسن حالاته كممثل. استثمر فرصة تجسيده كسارق بقلب عصفور وصدقه الجمهور. وكل الشخصيات الاخرى نمطية لكنها أنقذها ممثلون عباقرة، حفروا وحدهم بمجهودهم اثارا قوية فى أرواح المتفرجين، مثل عمرو عبد الجليل طاقة الاضحاك المهولة الذى استطاع بعدد 3 بالطو فقط، ان يعوضنا عن لا منطقية الفيلم ببهجة استثنائية، بدون ان نصدق انه لا تاجر مخدرات ولا خطير ولا زير نساء كما اراد الفيلم تصويره. وإياد نصار شرير وخائن تقليدى تحب مشاهدة نمطيته كلاعب كرة قديم يستعرض مهاراته.
كازابلانكا خلطة جماهيرية بها الكثير من الأكشن والضحك ونمر تمثيل مرتجلة لطيفة مع انعدام تام للأصالة أو المنطق أو المرجعية للواقع الحقيقى.