عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
أمريكا وأوروبا.. والانفصال الصعب
21 نوفمبر 2018
رحاب جودة خليفة
العلاقات الأمريكية الأوروبية فى أزمة


أظهر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب غضبا واضحا وملأ الدنيا حوله كالعادة بتعليقاته الساخرة عندما اقترح الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون تشكيل الجيش الأوروبي.



فقد وصف الاقتراح بانه مهين للغاية، على اعتبار أن ماكرون وضع واشنطن مع موسكو وبكين فى خانة الدول التى ينبغى الحذر منها.



ولكن، ألم يأت ذلك المقترح فى حقيقة الأمر على هواه، بل وبإيعاز غير مباشر منه؟



لقد سبق وأن طرح كل من الرئيسين الفرنسيين السابقين فرانسوا أولاند ونيكولا ساركوزى هذا الاقتراح، لكن يبدو أن تزامن صدوره من ماكرون مع زيارة ترامب إلى باريس لإحياء الذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى له عدة دلالات.



فالأمر كان له وقع الصدمة، لأن التحالف الأوروبى - الأمريكى خاصة بين فرنسا والولايات المتحدة لم ينقطع منذ عام 1917 وقبل انتهاء الحرب العالمية الأولى، حيث حارب الأمريكيون جنباً إلى جنب مع الديمقراطيات الأوروبية وحتى تم توثيق ذلك رسميا بتأسيس حلف شمال الأطلنطى “الناتو” عام 1949، وسرعان ما أصبح حلف الناتو أكبر تحالف عسكرى فى العالم، وكان يخشاه أعداء أمريكا، واحترمه كل رئيس، حتى وصول ترامب للسلطة.



وكانت لغة الانعزالية وتفضيل المصالح الاقتصادية على العلاقات الجيوسياسية – ولا تزال - هى الغالبة على تصريحات ترامب أو تهديداته التى لا تنتهي، وبعدها تجلت مظاهر الخلافات والشقاق بين دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة واحدة تلو الأخرى.



فقد استهل رئاسته بمطالبة أوروبا بدفع ثمن الحماية الأمريكية لها تحت مظلة “الناتو، رافعا شعار”امريكا أولا”.



كما أبدى دعمه الشديد للخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبي، الأمر الذى أثار التساؤلات حول رغبة ترامب فى حل الجبهة الأوروبية الموحدة والتعامل مع كل دولة على حدة.



ولم يتوقف عن فتح النار على أوروبا، حيث استهدفها اقتصادياً بفرض تعريفات جمركية على بعض المنتجات الأوروبية المستوردة، والتهديد بفرض رسوم تصل إلى 25% على الواردات من السيارات الأوروبية، الأمر الذى ما زال يشعل التوتر فى العلاقة بين الطرفين ووسع باب الإجراءات المضادة.



ولا يخفى على أحد مماطلاته التى لم تنته بعد فيما يخص تحمل حصته من اللاجئين، بل وتوجيه انتقادات حادة لسياسات الهجرة الأوروبية، معتبرا السماح بدخول آلاف المهاجرين “خطأ كبيرا”، وأن المهاجرين أنفسهم “تحد للثقافة” الأوروبية سببا فى زيادة معدلات الجريمة.



وحتى موقف ترامب والاتحاد الأوروبى ليس على نغمة واحدة فيما يخص العديد من قضايا السياسة الخارجية، ابتداء من انسحاب واشنطن الصاخب من الاتفاق النووى الإيراني، وإجبار ترامب للأوروبيين على الخروج من السوق الإيرانية دون قيد أو شرط، وتقليل الدعم للمؤسسات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، وحتى الخلاف حول انسحابه من اتفاقية باريس للمناخ التى سبق لسلفه الرئيس باراك أوباما أن وقع عليها، وكذلك بالنسبة للموقف من الصراع الفلسطينى - الإسرائيلي، ووصف الاتحاد الأوروبى لإعلان ترامب نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس بأنه صفعة للسلام.



ربما كانت هذه الأسباب هى التى دفعت ماكرون إلى الدعوة لإنشاء جيش أوروبى موحد، وهو الموقف الذى تشاركه فيه ألمانيا حتى الآن وقيادات الاتحاد، حتى لو كان ذلك لا يعنى بالضرورة أن فرنسا على وشك تحويله إلى واقع.



فاليوم، الولايات المتحدة تستند على تداخلها السياسى والإقتصادى والعسكرى فى أوروبا، وأوروبا بدورها لا تستطيع أن تخرج بهذه السهولة من العباءة الأمريكية، فدول الاتحاد الأوروبى تشارك فى تطويق روسيا من بلدان البلطيق وأوروبا الشرقية بأمر من الولايات المتحدة، ولا تمتلك رفاهية التحدي، لأنها تعيش حالياً حالة اقتصادية سيئة تجعلها غير قادرة على دفع متأخراتها للناتو، كما أن شعوب القارة العجوز فقدت منذ زمن ثقتها فى قادتها السياسيين، فما بالك بمحاولاتها إنشاء جيش أوروبى أو مقاومة أمريكا أومعاندتها؟



وفى جميع الأحوال، فإن ترامب هو من بادر الانشقاق والعزلة عن حلفائه، ليس فقط بالتصريحات النارية، بل بالإجراءات الفعلية التى تدفع إلى الانشقاق والانعزالية دفعا.