لا شىء ينعش «أبو عبد الله» ويحرك ملكاته سوى القراءة والكرة. سقطت منه، فى السكة، عادات وهوايات كثيرة وظل الأهلى والكتاب يتقاسمان قلبه وفاة والدته، التى لم يرها وليست لها صورة، تركتْ فى طفولته تجويفًا كان يتسع ويضغط كلما سمع طفلاً من أقرانه ينده على أمه لكن كرة القدم راحت تحرس يُتمه، كما فعلت معى، فأنا أيضاً لم أر أبى ولم يترك لى صورة.
غير أن «أبو عبد الله» بقى على برّه بالكرة لاعبًا ومشجعًا للنادى الأهلى.
لقد اتخذ كل التدابير حتى لا ينتمى لغيره. لطالما قال لى، بروح تثمن حظها السعيد: «كل المصائب تهون لكن الأهلى، بالنسبة لى، وطن لا أحتمل هزيمته».
أبو عبد الله، 45 سنة، حاصل على دبلوم صنايع، قسم تكييف وتبريد، وكان بإمكانه، لأنه موهوب، أن يكون من أصحاب المصانع لو أنه التفت إلى الجانب الرابح من الحياة، لكنه احترف الخسائر.
فهو ببساطة لا يمكنه التنازل عما يعتقد أنه الصواب، ولا يقدر على منع يده من أن تعطى، ثم إنه لا يريد أكثر من الستر.
منذ 20 عامًا، عندما غادر قريته بالمنيا متجهًا، مع النهر، إلى القاهرة، كان يبحث عن نفسه، وقد وجدها فى العمل الذى يحبه.. استأجر مقهى صغيرًا بجوار مجلس الدولة ثم تركه إلى بيع الفول والطعمية بـ«دار السلام»، والآن بـ«المقطم»، غير أنه لم يدّخر سوى مزيد من القناعة. إنه ملىء بالرضا بحيث لا يمكنك إغراءه.
ورغم أن صدر أبيه لم يتسع لطفولته، إلا أنه يعذره.. كان ينتظره كل يوم على عتبة الدار، ليربّت عليه فإذا به يفتح مجرى جديدًا لأحزانه. ربما لذلك يعرف محمد إبراهيم كيف يعامل بناته الثلاث بحنية، كيف يكوّر يده على شعر صغيره عبد الله، كأنه يملأ رأسه بتعليمات ما بين الشوطين ويذكّره بالفانلة الحمراء.. صلة الرحم.