صواريخ.. وتصعيد
التصعيد الشديد والمتوالي علي رقعة السياسة الدولية الآن بلغ ذروة كبيرة في الاتجاه الذي بدأ ترامب في تبنيه لإلغاء الالتزام الأمريكي ببنود معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة، والذي يدفع بالعالم نحو حرب باردة جديدة تحاول أن تكون انعكاسا لما تمخضت عنه قمة الرئيسين الأمريكي والروسي في هلسنكي أخيرا، والتي لا يمل بعض المراقبين الغربيين الحديث عنها بوصفها تدشينا لعالم «ثنائي القطبية» من جديد بعد تآكل وتلاشي السيطرة الأحادية الأمريكية علي العالم.. هذا التخيل للعالم ثنائي القطبية موقوت ومرهون بتصور يسود أدمغة الأمريكيين والغربيين عن أنفسهم، ويبالغ في تقدير قوتهم، والحقيقة أننا لن نعيش عصرا للثنائية القطبية، ولكننا سندخل عصرا لتعدد المراكز أو الأقطاب، وإذا كان مشهد التضاغط الروسي/الغربي أخيرا يشبه ما ساد في عصر الحرب الباردة فإننا يجب أن نكون حذرين جدا في إصدار أحكامنا أو بلورة تقديراتنا بشأن حكاية «الثنائية القطبية».. أينعم نحن بصدد مشهد يوحي بذلك نري فيه أمريكا وحلف الناتو يدفعان بصواريخ الدرع الصاروخية والطائرات القاذفة إلي دول جوار روسيا مثل رومانيا وبولندا ودول البلطيق وبلغاريا وربما إلي أوكرانيا، في مقابل حديث غربي محتقن ومتوتر عن قيام روسيا بتطوير صاروخ متوسط المدي، ولكن ذلك كله هو وجه من وجوه لعبة الذراع الحديدية التي تدور رحاها في الساحة الدولية علي اتساعها، فما سمح به ضعف روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي أدي إلي إعراض عن مواجهة أمريكا والغرب حين يعبثون في الفناء الخلفي لروسيا، أما حين استعادت روسيا الكثير من هيبتها فإن ذلك يقود إلي التناطح رأسا برأس ويوحي بما يتصوره الأمريكان والغرب من «ثنائية قطبية».. الآن الموضوع مختلف وظهور الصين في مقدمة المشهد الدولي يمثل تجليا آخر لعصر «تعدد المراكز»، لا بل هو عنصر من عناصر أزمة الصواريخ الجديدة أو المتجددة سواء عبر كوريا الشمالية في فترة ماضية، أو باعتماد الصين علي قوتها الذاتية التي تقلق أمريكا جدا ليس فقط من أجل السيطرة علي بحر الصين الجنوبي، ولكن لأن قوة الصين العسكرية هي انعكاس لوقتها الاقتصادية المتنامية الجبارة، وهي التي توثق تحالفها مع روسيا في منظمات اقتصادية مثل بريكس وشنغهاي، وتبشر بعصر جديد لتعدد المراكز ربما كان تصاعد أزمة الصواريخ الجديدة هو أحد تجلياته.