عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
شبق
14 سبتمبر 2018
براء الخطيب


هى امرأة منهكة بفعل الإجهاد فى العمل وأشياء أخرى، التدريس للأطفال فى المدارس الحكومية يستنفد منها كل الطاقات الممكنة، ورغبات محرمة تجتاح جسدها وروحها فى توقيتات غير مبررة، تحولت أصوات الأطفال فى الفصل إلى نقرات عصافير تنقر رأسها من الداخل، وربما كانت نقرات العصافير هى من يسلمها فى معظم الليالى لإدمان الأرق، مضت من عمرها خمس وثلاثون سنة لم يطرق بابها رجل، اللهم إلا زميلها فى المدرسة الحكومية ذلك القصير بحول فى عينيه وصلعة مستحكمة لم تبق له شعرة واحدة فى رأسه، والذى تركها ليتزوج من بنت مدير المدرسة، ومع ذلك فقد ظلت محتفظة - تحت طيات ملابسها فى دولابها الصغير - بصورته التى رسمتها له بالقلم الرصاص على ورقة انتزعتها من كراسة تلميذة كانت تصحح لها فيها الواجب، كان وجهه الذى رسمته مستديرا وجميلا بخصلة الشعر الساقطة فوق جبهته وشعره الكثيف الذى يغطى صدره، هى تعرف أنه كان يصغرها سنا، وكانت تعرف أنها كانت قد أسلمته قلبها عندما رأته أول مرة حينما فاجأها بالظهور على جدار غرفتها الذى يفصلها عن الحمام الذى يلتصق فى جدار غرفتها من الناحية الأخرى، الجدار مدهون باللون الرمادى الذى تحبه دونا عن كل الألوان ملاصقا للبانيو الذى تحتفظ فيه أمها بالماء خوفا من انقطاع الماء عندما تنقطع الكهرباء فيتوقف موتور رفع الماء عن رفع الماء إلى الطابق الخامس، الجدار المواجه لسريرها والذى يلتصق به البانيو من الخلف لم يتحمل نشع الماء من البانيو فظهر النشع على جدارها المواجه لسريرها، هنا - وبين خربشات النشع - ظهر وجهه المستدير الذى تسقط خصلة الشعر على جبهته، حدثته كثيرا، كان يرد عليها دائما بطريقة غامضة لا تشفى غليلها لكنه كان يملأ جسدا بشبق مستحيل، ومع ذلك كانت تسلم له جسدها فى آخر الليل لتصل معه لنشوة كانت دائما مفتقدة، رسمت صورة وجهه واحتفظت دائما بها خوفا من يوم يقرر فيه أبوها دهان جدران غرفتها حتى يتخلص من نشع الماء الذى بدا يغزو المنصف الأسفل للجدار المواجه لسريرها ويلتصق فى الناحية الأخرى بالحمام.





ضجيج







صحا من نومه على صوت الأذان لذلك المؤذن الذى تزوج مؤخرا من بائعة الجبن القريش التى تفترش لوح الأبلكاش على ناصية الشارع فضربته زوجته الأولى السمينة بمؤخرتها الضخمة، لا بد أنه أذان الظهر، فهو يعرف أنه لم ينم جيدا منذ أن سمع آذان الفجر، فى مثل هذا الوقت من النهار يكون ضجيج صبية المدرسة بعد انتهاء اليوم الدراسى مبكرا ككل يوم خميس فى نهاية الأسبوع، حاول أن يسمع ضجيج الصبية، لم يكن هناك ضجيج، حاول أن يؤكد لنفسه أن اليوم هو يوم الخميس وليس يوم الجمعة الذى يمتنع فيه الضجيج، قرر أن يحسم الأمر: انتفض من فراشه متجها إلى النافذة، حاول النظر من بين فتحات الشيش (يكره دائما أن يفتح النافذة حتى لا يفاجئه ضوء النهار فيصيبه الصداع الذى يتربص برأسه دائما، غالب مخاوفه وفتح النافذة فلم ير إلا الظلام، إنه أذان العشاء إذن، ولابد أن الساعة الآن قد تجاوزت السابعة وربما الثامنة فهو لا يعرف مواقيت الأذان، لكن إذا كانت الساعة قد جاوزت الثامنة مساء الخميس فلماذا لم يهاتفه ابنه الأصغر؟ اعتاد على مهاتفة ابنه الأصغر له بعد الساعة السابعة دائما ليطمئن عليه بعد أن رحل بزوجته وابنه الرضيع منذ سنة إلى سكن يبعد عنه مسافة ساعتين بالميكروباص، ربما يكون ابنه قد اتصل به ولم يسمع رنين جرس الهاتف بفعل ضعف أذنه اليمنى التى تكلست عظمتها، لذلك فهو دائما ما ينام واضعا الهاتف فوق المخدة إلى جوار أذنه اليسرى التى يسمع بها جيدا، سمع خطوات على درج البيت خارج باب شقته، إنه صوت خطوات ابنه (يستطيع أن يميز صوت خطوات ابنه عن أى صوت خطوات أخرى، هرول باتجاه باب الشقة وفتحه، لم يكن هناك أحد.