بوتين .. وروسيا الحديثة
تحت شعار "كل شيء سيكون على ما يرام"، نجح الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى الفوز بفترة رئاسية رابعة لمدة ٦ سنوات مقبلة فى الانتخابات التى أجريت ١٨ مارس الماضي.
وأظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية الروسية، حصول بوتين - ٦٥ عاما - على ٧٦٫٦٧٪ من الأصوات، ليصبح ثانى أطول زعماء الكرملين بقاء فى السلطة بعد الزعيم السوفيتى الراحل جوزيف ستالين.
وتناوب بوتين على تولى منصبى رئيس الوزراء والرئيس، إذ تم تعيينه رئيسا للوزراء عام ١٩٩٩، ثم انتخب رئيسا فى الفترة من ٢٠٠٠ إلى ٢٠٠٨، ثم رئيساً للوزراء بين عامى ٢٠٠٨-٢٠١٢، وخلال تلك الفترة عدل الدستور ليمدد سنوات منصب الرئيس من ٤ إلى ٦ سنوات، ليتم انتخابه مرة أخرى رئيسا عام ٢٠١٢.
وخلال ولايات حكمه كرئيس ورئيس للوزراء، أشرف بوتين على الازدهار الاقتصادى والتوسع العسكرى وإعادة تأسيس روسيا كقوة عظمي، مما أدى تحسن مستويات المعيشة بالنسبة لمعظم المواطنين وإنعاش الإحساس بالاستقرار والفخر الوطني.
وفى الفترة الأولى التى أمضاها بوتين كرئيس دولة، واصلت الأجور ارتفاعها بنسبة تزيد على ١٠٪ سنويا، ومع عودته إلى منصبه فى عام ٢٠١٠، بعد فترة كرئيس وزراء تأثر النمو بسلسلة من الأزمات والعقوبات الاقتصادية.
إلا أنه وبين عامى ٢٠١١ و٢٠١٤، نما الدخل بنسبة ١١٪، حيث شهد عهد بوتين توسعا فى الاقتصاد الاستهلاكى الروسى بشكل كبير.
وفور إعادة انتخابه مارس الماضي، كلف الرئيس الروسى الحكومة الجديدة بالعمل للارتقاء بالاقتصاد ليدخل عام ٢٠٢٤ قائمة أقوى خمسة اقتصاديات فى العالم.
وجاء ذلك ضمن مرسوم التنمية الاستراتيجية للاتحاد الروسى حتى عام ٢٠٢٤، الذى نص على خفض مستوى الفقر فى البلاد إلى النصف، ورفع مستوى الدخل الحقيقى للمواطنين، وتحسين مستوى وظروف السكن لما لا يقل عن ٥ ملايين عائلة سنويا.
عسكريا، قلصت القوات المسلحة ميزانيتها مع انهيار الاتحاد السوفيتي، لكن بوتين اعتزم منذ بداية عهده بتغيير هذا الوضع وإعادة بناء روسيا كقوة عسكرية حديثة.
وخلال حملة التحديث، تضاعفت النسبة المئوية المخصصة من الناتج المحلى للإنفاق العسكري، لدرجة مكنت روسيا من استعراض قوتها العسكرية فى الشيشان وجورجيا وشرق أوكرانيا، وأخيرًا فى سوريا.
وفى أوائل مارس الماضي، أعلن بوتين خلال رسالته السنوية أمام الجمعية الفيدرالية، عن اعتماد القوات المسلحة الروسية أكثر من ٣٠٠ نموذج جديد من المعدات العسكرية منذ عام ٢٠١٢.
وقدم الرئيس الروسى أسلحة جديدة وصفها بأنها "لا تقهر"، مهددا الولايات المتحدة بـ"الرد الفوري" على أى هجوم نووى ضد موسكو.
وعلى الجانب الأمني، جاءت استضافة روسيا لمونديال العالم ٢٠١٨، كأبرز دليل على مدى نجاح الرئيس بوتين فى حفظ أمن بلاده ومواطنيها، ذلك مع نجاح موسكو فى جذب ٧٠٠ ألف سائح أجنبي، مكثوا فى ١١ مدينة استضافت المباريات لتشجيع منتخباتهم، رغم تهديدات تنظيم داعش الإرهابى باستهداف الحدث الرياضى الأكبر فى العالم انتقاما من دور روسيا فى سوريا.
ومع إسدال الستار على المونديال، تساءلت مجلة "نيوزويك" الأمريكية عما إذا كان الرئيس الروسى يعتبر الفائز الأكبر من البطولة، بعد المكاسب التى حققتها بلاده من استضافتها للبطولة وخروجها بالشكل اللائق.
وذكرت المجلة أنه لا شك أن الرئيس بوتين يشعر بالسعادة والفخر، فعلى مدى شهر، راقب بلاده تستضيف أكبر حفل فى العالم مع قدوم مئات الآلاف من المشجعين من ٣٢ دولة إلى موسكو وسان بطرسبرج و٩ مدن روسية أخري.
وأشارت إلى أن تعزيز الصورة الدولية للحكومة الروسية يأتى بعد ٤ سنوات فقط من خسارة موسكو مقعدها فى مجموعة الثماني، ومواجهة مزيد من العقوبات الغربية أكثر من أى دولة أخرى بعد كوريا الشمالية وإيران.
وأوضحت كيف وقف بجوار بوتين أو بجوار رئيس وزرائه ديميترى ميدفيديف العديد من زعماء العالم بينهم ملك إسبانيا فيليب والرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، على الرغم من الأزمة الدبلوماسية التى أثارها تسمم العميل المزدوج سيرجى سكريبال فى بريطانيا قبيل انطلاق المونديال.
ونقلت المجلة تصريح وزير الخارجية الإسبانى جوزيب بوريل لصحيفة "إل باييس" الإسبانية، حيث قال : "سواء أحببنا هذا أم لا، فروسيا عائدة".
وأضاف أن "بوتين لديه شعبية هائلة لأنه يمثل العودة على المشهد الدولى لبلد تعرض للإذلال".
من جهتها، أشارت شبكة "سى إن إن" الأمريكية إلى لقاء بوتين ومستشار الأمن القومى الأمريكى جون بولتون على هامش المونديال، الذى أبدى إعجابه الشديد بالرئيس بوتين وتنظيم روسيا لكأس العالم، وسأله: "كيف تمكنتم من تنظيم كأس العالم بهذا النجاح؟".
كما تم الترتيب لقمة هلسنكى مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بسهولة لم تحدث من قبل عندما كانت هناك محادثات لترتيب لقاء بين الرئيسين فى أول شهر من حكم ترامب.
وفى استطلاع للرأى أجراه مركز "ليفادا سنتر" مايو الماضي، اعتبر ٤٧٪ من الروس أن أهم إنجازات بوتين تتمثل باستعادة بلادهم صفة الدولة العظمى المحترمة عالميا، واستقرار الوضع فى شمال القوقاز ٣٨٪، والحفاظ عليها من التفكك ٢٧٪.
ووفقا للاستطلاع، فإن شعبية الرئيس بوتين فى بداية شهر مايو بلغت مستوى قريبا من الحد الأقصى التاريخى له، حيث وصلت إلى نحو ٨٢٪.
من جهتها، لخصت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية سر قوة بوتين وشعبيته فى حزمه وسياساته الفاعلة على الأرض، بعكس زعماء وساسة أوروبا الذين لم يدافعوا عن أى قضية بحزم.
وعلى الرغم من وصف بوتين نفسه بـ"موظف يعمل فى إدارة توفر خدمات للشعب الروسي"، فى حديث صحفى أجرى معه عام ٢٠٠٢، فإنه وبعد ١٨ عاما من حكمه يبدو كيف أصبح بوتين فى عيون شعبه رمزا لروسيا الحديثة، خاصة بعد نجاحه فى إثبات أن حكومته هى المؤسسة الأكثر استقرارا التى عرفها الروس، وأنه الشخص الوحيد القادر على الدفاع عن مصالح البلاد.
وبقى الشغل الشاغل الآن لغالبية الروس والعالم أجمع هو مستقبل روسيا ونظام الحكم فيها ما بعد بوتين، حيث ذكر فى مقابلة مع شبكة "إن بى سي" الأمريكية مارس الماضي، أنه لا يريد تعديل الدستور للتمسك بالسلطة، وعليه فإن هذه الولاية الرابعة ستكون الأخيرة له.