بعد سنوات من العمل الإداري، الآن أنا حر طليق بعيداً عن الكرسي وبعيداً عن التزامات الإدارة وأعبائها التي لا تنتهي.. كرسي المدير مرهق للغاية، كرسي أناني ويريدك أن تعيش له فقط ويجبرك علي ذلك في معظم الأحيان، والمسئولية الملقاة عليك كمدير تشغل تفكيرك في العمل وخارج العمل، والمشكلات التي عليك أن تتعامل معها كمدير يصعب عليك أن تتجاهل التفكير فيها، ففي أحلامك يأتيك الموظف الذي يشكو بخس حقه، ويأتيك زملاء يتنازعون علي سلطة أو مسئولية، وتجد خطة العمل مفتوحة أمامك وتطلب منك إضافة أو حذفا أو تعديلا.. لا وقت لتحلم بغير العمل، إذا لم تتعامل مع الضغوط بكفاءة ستهاجمك أمراض لم تعرفها قبل أن تعرف كرسي المدير، وإذا لم تنجح في إدارة حياتك بتوازن ستفقد نفسك وتفقد حياتك الأسرية .
علي كرسي المدير لن تستطيع إرضاء الجميع مهما فعلت ودائماً سيكون هناك من يري أنك مقصر أو مخطئ أو غير عادل، ومن ثم فأنت في كل اللحظات هدف واضح ومباشر لنيران مرءوسيك، وعليك أن تحمل مسئولية أخطاء غيرك، وقد تكون أخطاؤهم بسيطة يمكن مداواتها وقد تضربك في مقتل وتكون سبباً في انفصالك عن كرسي المدير، ومطلوب منك أن تعمل طيلة اليوم طبيبا نفسانيا تتعامل مع نقائص الآخرين وعقدهم النفسية، وإذا كنت تعاني خللاً نفسياً، فلن تجد من يرق لحالك أو يساعدك في علاج نفسك، أو يلتمس لك العذر، وعليك أن تكون مصلحاً اجتماعياً، وأن تدير بصبر نزاعات لا تنتهي.
وعندما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن وتنفصل عن كرسي المدير تكون هي نهايتك ..لكنك إذا كنت ممن يخشون الله فستكون هناك فرصة للتقرب إليه بخشيته وبحرصك علي أداء الأمانة في عملك ومنصبك، وعلي كرسي المدير ستتحول إلي معلم ومرشد وموجه، وستكون هناك فرصة عظيمة لصناعة صف ثان من القيادات وهو أعظم ما يمكن أن تحققه وأنت علي كرسي المدير.. وهذه من أعظم النعم .
محمد مدحت لطفي أرناءوط ـ موجه عام سابق بالتعليم