عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
تزوير تاريخ مصر
24 يوليو 2018
◀ فتحــى محمــود


منذ سنوات طويلة ومحاولات تزوير تاريخ مصر أمام الأجيال الجديدة قائمة علي قدم وساق، لكن هناك مواسم معينة تظهر فيها هذه المحاولات بقوة، كانت في الماضي تستخدم بعض الصحف ووسائل الإعلام الأخري، واليوم تنشط بقوة علي مواقع التواصل الاجتماعي، مستغلة حالة الفوضي، وانخفاض الوعي لدي عدد كبير من مرتادي هذه المواقع، والتي تجعلهم يصدقون كل ماينشر عليها، ويعيدون تشييره في أحيان كثيرة دون التأكد من صحة المضمون.



ومن أشهر المواسم التي تنشط فيها محاولات تزوير تاريخ مصر، ذكري ثورة 23 يوليو 1952، وهي محاولات بدأت منذ انقلاب الرئيس الراحل أنور السادات علي ثورة يوليو فيما سماه بثورة التصحيح في 15 مايو 1971، والتي مثلت شرعية الحكم في عهدي السادات وحسني مبارك، بما تضمنته من تحالف بين السلطة والثروة، وتقارب مع جماعة الإخوان الإرهابية، وسقوط العدالة الاجتماعية (التي وصفها البعض حينئذ باشتراكية الفقر) تحت أقدام اقتصاد السوق، وتخريب القلاع الصناعية الضخمة وتصفية القطاع العام لحساب حفنة من رجال الأعمال، وتخلي مصر عن موقعها القيادي في محيطها العربي والإفريقي، وغيرها من سياسات أدت في النهاية إلي انفجار شعبي كبير في 25 يناير 2011، أدي إلي سقوط نظام 15 مايو وليس نظام يوليو كما زعم البعض، لأن نظام يوليو انتهي بالفعل في مايو 1971.



ويجدر الإشارة إلي ملاحظة مهمة للغاية تستحق التأمل، حول محاولات تزوير تاريخ مصر، التي جرت خلال الفترة الأخيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في إطار سيل الشائعات الذي اجتاح تلك المواقع أخيرا، فمن يتتبع أو يتقصي من يقف خلف تلك المحاولات فسيجد أن علي رأسهم جماعة الإخوان الإرهابية والمتعاطفين معها، وبعض من يطلقون علي أنفسهم اسم القوي المدنية، إلي جانب بعض من عاشوا سنوات طويلة من عمرهم في بلدان عربية خاضت معارك عديدة ضد ثورة يوليو واحتضنت معارضيها، ومعظمهم من الجماعة الإرهابية وأغدقت عليهم في فترات تاريخية معينة، وبعض متطرفي اليسار ممن يعتقدون أنهم الثوريون الحقيقيون.



ومعركة هؤلاء الحقيقية ـ وعلي رأسهم الإخوان ـ ليست ضد ثورة يوليو، فهذا هو الظاهر فقط، خاصة أن نظام يوليو انتهي منذ سنوات طويلة كما أسلفنا، إنما معركتهم الحقيقية هي ضد المؤسسة العسكرية المصرية ودورها الوطني منذ 23 يوليو 1952 وحتي 30 يونيو 2013، ذلك الدور الذي انحازت فيه دوما إلي إرادة الشعب المصري، عندما جسدت آمال وطموحات الجماهير فخرجت فجر 23 يوليو لتطيح بملك فاسد وسيطرة رأس المال علي الحكم، وتحرر مصر من الاستعمار الإنجليزي الذي دام أكثر من 70 عاما، والتف حولها الشعب ليحولها من حركة مباركة إلي ثورة تاريخية غيرت واقع المجتمع المصري والعربي والإفريقي.



وفي 30 يونيو عندما انحازت إلي إرادة الملايين الذين خرجوا إلي الشوارع، اعتراضا علي محاولة جماعة إرهابية التمكين من مقدرات الدولة، وتغيير هوية مصر، لصالح تنظيم دولي مجهول النسب يدور من فلك مخابرات دولة لأخري. فأهل الشر هؤلاء يستخدمون الهجوم علي ثورة يوليو مدخلا للهجوم علي الدور الوطني العظيم للمؤسسة العسكرية المصرية، لأن كل من ينتمي لهذه المؤسسة بحسب هؤلاء مجرد (عسكر) وهو التعبير الذي يستخدمونه لمحاولة التقليل من شأن هذه المؤسسة الوطنية الكبيرة، والهدف في النهاية واضح هو محاولة ضرب القلب الصلب للدولة المصرية، في سياق محاولات هدم الدولة الوطنية التي تجري علي قدم وساق في المنطقة، ورأينا آثارها في ليبيا واليمن وسوريا .. وغيرها من الدول العربية.



لكن الغريب أن تنضم قناة تليفزيونية مصرية لهذه المحاولات، عبر بث وتكثيف إذاعة أغنية دعائية تتضمن نشيد إسلمي يامصر مصحوبا بصور لبعض شوارع وسط القاهرة في الأربعينيات، ومزج ذلك بمجموعة من المعلومات غير الصحيحة مثل أن معدل البطالة كان 2% فقط، وأن اليايان كانت تدرس تجربة نهضة مصر، وأن حدود مصر كانت تشمل السودان وأجزاء من ليبيا وتشاد وأوغندا، وأن ميزانية مصر كانت من أقوي ميزانيات العالم، وأطلقت علي كل ذلك اسم (مصر العظمي 1805 ــ 1952)!



ونسي هؤلاء أن المشروع القومي لمصر العظمي هذه كان مكافحة الحفاء، لأن نحو 85% من الشعب المصري لم يكن يملك حذاء يرتديه، وأصدر الملك فاروق نفسه بيانا عام 1941يوجه فيه الحكومة لتبني هذا المشروع، وترد حكومة حسين سري باشا ببيان تقول فيه (لما كان كثير من أهل المدن والقري يمشون حفاة الأقدام بسبب فقرهم ورقة حالهم، ولأن في ذلك مضار صحية وأدبية، رأي مجلس الوزراء أن يكون عيد ميلاد جلالة الملك السعيد مناسبة بالتيسير علي الحفاة الحصول علي الحذاء، مطالبا الموسرين والهيئات المساهمة في مشروع مكافحة الحفاء).



ونسي هؤلاء ـ أو يتناسون ـ أن مصر العظمي هذه مات عشرات الألوف من شعبها بسبب وباء ملاريا الجامبيا، ثم وباء الكوليرا في الأربعينيات من القرن الماضي، لعدم وجود أموال لشراء الأمصال بعد استيلاء الاحتلال البريطاني علي أموال الخزينة العامة ومنح مصر سندات بدلا منها. ألم يقرأ أهل الشر هؤلاء أن عدد سكان مصر في عهد الملكية كان 22 مليون نسمة، وعدد ملاك الشركات والمزارع 7 آلاف شخص منهم 960 مصريا فقط، وباقي الـ 22 مليونا لا يمتلكون شيئا. ألم يسمع من يحاربون ثورة يوليو عن ناهد رشاد، أو الملكة السرية لمصر حسب تعبير المؤرخين، التي سيطرت علي الملك فاروق سيطرة تامة، وكانت حلقة الوصل بينه وبين الحرس الحديدي لاغتيال المعارضين.



سيظل الدور الوطني للمؤسسة العسكرية المصرية، من 23 يوليو إلي 30 يونيو وحتي اليوم، شوكة في حلق أعداء الوطن.