عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
بريد السبت- يكتبه: أحمد البرى
حسبة برما
21 يوليو 2018
أحمد البرى;


كلنا يذكر المأثور الشعبى «حسبة برما» فكلما وجدنا شخصاً يتعثر فى إجراء عملية حسابية نسأله: «أهى حسبة برما؟».. وهذه المقولة تشير إلى قصة مصرية يرجع تاريخها إلى العصر العثمانى، وجرت أحداثها فى قرية برما التى تبعد عن مدينة طنطا بنحو اثنى عشر كيلومتراً، وتشتهر بالإنتاج الداجنى، ومفاد القصة أن رجلاً كان يسير مسرعاً اصطدم بامرأة كانت تحمل سلة من البيض، وهو ما أدى إلى سقوط «السلة» وتهشم كل البيض الموجود بها، فتوقف الرجل، وسأل المرأة عن عدد البيض الذى كان موجوداً بالسلة لكى يعوضها عنه، فقالت المرأة: لو أحصيته بالثلاثة أو بالأربعة أو بالخمسة أو بالستة لتبقى فى كل مرة بيضة واحدة، أما إذا أحصيته بالسبعة فلن يتبقى شىء منه، فكر الرجل ملياً، وقدح زناد فكره لكى يحل هذه الفزورة التى جعلتها المرأة دون أن تدرى وسيلة للعصف الذهنى الذى أصبح آلية مهمة فى مجال التعليم، وتوصل بعد جهد إلى أن عدد البيض الذى كان موجوداً بالسلة هو 301 بيضة، وقد ذاعت هذه القصة آنذاك فى كل أرجاء المحروسة، وتناقلتها الأجيال وأصبحت موروثاً من موروثاتنا الشعبية تحت اسم «حسبة برما».



وفى العصر الحديث، فإن العصف الذهنى أصبح آلية مهمة فى عمليتى التعليم والتعلم، بيد أن وسائل تحقيق ذلك قد اختلفت عن «حسبة برما».. لقد أصبحت وسائل العصف الذهنى ولاسيما للنشء تعتمد على توصيل رسالة مهمة مفادها أن أى مشكلة كبيرة لكى يكون فى مقدورنا حلها، علينا أن نقسمها إلى مشكلات أصغر، وهو ما يتطلب اتباع المنهج العلمى خطوة بخطوة، فعلى سبيل المثال إذا علمنا أن مصنعاً لإنتاج كرات البينج بونج ينتج نوعيتين من هذه الكرات: الأولى زنة الكرة الواحدة منها عشرة جرامات، أما الثانية فزنة الواحدة منها أحد عشر جراماً، ويقوم العمال بتعبئة كل مائة كرة من كل نوعية فى صندوق، ثم ربط كل عشرة صناديق فى مجموعة «باليتا» واحدة، إلا أن أحد العمال أخطأ، فوضع صندوقاً يحتوى على كرات النوعية الثانية «زنة الكرة أحد عشر جراماً» مع تسعة صناديق للكرات من النوعية الأولى «زنة الكرة عشرة جرامات»، فكيف يمكننا تحديد الصندوق الذى وضع بطريق الخطأ فى «الباليتا»، وذلك عن طريق الوزن مرة واحدة فقط؟.. إن حل هذه «الفزورة» يتطلب إتباع المنهج العلمى، وذلك على النحو التالي:



أولاً: لابد من ترقيم الصناديق العشرة بالأرقام من 1إلى 10 ، لأنه لكى نتمكن من حل مشكلة ما، فإنه ينبغى تحديد أبعادها.



ثانياً: يؤخذ عدد من الكرات من كل صندوق بحيث يماثل عدد الكرات رقم كل صندوق (تؤخذ كرة واحدة من الصندوق رقم 1، ثلاث كرات من الصندوق رقم 3 وعشر كرات من الصندوق رقم 10 مثلاً).



ثالثاً : إجمالى عدد الكرات التى يتم أخذها من الصناديق العشرة هو 55 كرة، ووزن هذه الكرات سيكون واحداً من عشرة احتمالات تبدأ بالعدد 551 وتنتهى بالعدد 560 ورقم الآحاد فى كل عدد من الأعداد (من 551إلى 559) سيكون هو رقم الصندوق الخطأ، فى حين أنه إذا كان الوزن 560 جراماً، فإن الصندوق الخطأ هو رقم 10 ( إذا كان الوزن 551 فإن الصندوق الخطأ هو رقم 1 لأنه تم أخذ كرة واحدة وزنها 11جراماً منه، وإذا كان الوزن 552 فإن الصندوق الخطأ هو رقم 2 لأنه تم أخذ كرتين اثنتين منه.. وهكذا إذا كان الوزن 560 جراماً، فإن الصندوق الخطأ هو رقم 10 لأنه تم أخذ عشر كرات منه وزن كل منها 11 جراماً)، فما أحوجنا إلى استخدام آليات العصف الذهنى فى مناهجنا التعليمية المختلفة بطريقة تتواءم مع طبيعة المادة العلمية، فلقد ودّع العالم منذ زمن بعيد أساليب التعليم التى تعتمد على الحفظ والصم والتلقين والاستظهار، واتجه إلى آليات جديدة للتعلم (وليس التعليم) تعتمد على الابتكار والاستنتاج والإبداع.



د. محمد محمود يوسف



أستاذ بجامعة الإسكندرية